وفي حديث  مسلم  ، عن أسماء بنت أبي بكر ،  عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال سيكون في ثقيف  كذاب ، ومبير ، .  [ ص: 123 ] وظهر الكذاب من ثقيف  ، وهو  المختار بن أبي عبيد الثقفي  الذي أظهر التشيع والانتصار للحسين  ، وقتل عبيد الله بن زياد  وغيره من قتلة الحسين  ، ثم أظهر أنه يوحى إليه ، وأنه ينزل عليه ، حتى قيل  لابن عمر   [ ص: 124 ]  وابن عباس  عنه ، قيل لأحدهما : إنه يوحى إليه ، وللآخر : إنه ينزل عليه . فقال أحدهما : وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم  ، وقال الآخر : هل أنبئكم على من تنزل الشياطين  تنزل على كل أفاك أثيم  ، وأما المبير فكان هو  الحجاج بن يوسف الثقفي  ، وكان مبيرا سفاكا للدماء بغير حق ، انتصارا لملك  عبد الملك بن مروان  الذي استنابه . وفي الصحيحين ، عن  أبي هريرة  أنه قال : لقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيكم يبسط ثوبه فيأخذ من حديثي فيجمعه إلى صدره ، فإنه لن ينسى شيئا سمعه ، فبسطت بردة  علي  حتى فرغ من حديثه ، ثم جمعتها إلى صدري فما نسيت بعد ذلك اليوم شيئا سمعته منه  . وفي الصحيحين عن  جابر بن سمرة  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر  [ ص: 125 ] خليفة ، كلهم من قريش   . وفي لفظ : إلى اثني عشر أميرا ، وفي رواية  لأبي داود الطيالسي   : كلهم يجتمع عليهم الأمة ، وفي رواية ، فقالوا : ثم يكون ماذا ؟ قال : ثم يكون الهرج  . قال  أبو بكر البيهقي   : وفي الرواية الأولى بيان العدد ، وفي الأخرى بيان المراد بالعدد ، وقد بين وقوع الهرج ، وهو القتل بعدهم . وقد وجد هذا العدد بالصفة المذكورة إلى وقت  الوليد بن يزيد  [ ص: 126 ] بن عبد الملك  ، ثم وقع الهرج والفتنة العظمى ، وإنما يزيدون على العدد المذكور إذا تركت الصفة المذكورة فيه ، أو عد معهم من كان بعد الهرج . وفي الصحيحين عن  جابر  قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل لك من أنماط ؟ قلت : يا رسول الله ، وأنى يكون لي أنماط ، فأنا أقول اليوم لامرأتي : نحي عنك أنماطك ، فتقول : ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنها ستكون لكم أنماط  . وفي الصحيحين عن  ابن عباس  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : بينا أنا نائم أريت أنه وضع في يدي سواران من ذهب ، ففظعتهما وكرهتهما ، فأذن لي فنفختهما فطارا ، فأولتهما كذابين  [ ص: 127 ] يخرجان بعدي قال عبيد الله   : أحدهما العنسي  الذي قتله فيروز  باليمن  ، والآخر مسيلمة   . وفي الصحيحين من حديث  ابن عمر  قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو مستقبل المشرق : ها ، إن الفتنة ها هنا ، إن الفتنة ها هنا من حيث يطلع قرن الشيطان  . وفي بعض طرق  البخاري   : قام خطيبا فأشار بيده نحو مسكن  عائشة  فقال : وذكر الحديث . فالمشرق عن مدينته فيه البحرين  ، ومنها خرج مسيلمة  [ ص: 128 ] الكذاب  الذي ادعى النبوة ، وهو أول حادث حدث بعده ، واتبعه خلائق ، وقاتله خليفته  الصديق  ، وروى أبو حاتم  في صحيحيه عن  جابر بن عبد الله  قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : إن بين يدي الساعة كذابين ، منهم صاحب اليمامة  ، ومنهم صاحب صنعاء  العنسي  ، ومنهم صاحب حمير  ، ومنهم الدجال  ، وهو أعظمهم فتنة  . وصاحب اليمامة  هو مسيلمة   . قال : وقال أصحابي : قال : هم قريب من ثلاثين كذابا . وفي صحيح  مسلم  ، عن  أبي هريرة  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون ، دجالون كذابون ، كلهم يزعم أنه رسول الله ، وحتى يفيض المال ، وتظهر الفتن ، ويكثر  [ ص: 129 ] الهرج . قالوا : وما الهرج يا رسول الله ؟ قال : القتل القتل  . وفي صحيح  ابن حبان  عن  أبي ذر  قال : ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حمارا ، وأردفني خلفه ، ثم قال : يا  أبا ذر  ، أين أنت إن أصاب الناس جوع شديد حتى لا تستطيع أن تقوم من فراشك إلى مسجدك كيف تصنع ؟ فقال : الله ورسوله أعلم ، قال : تعفف . قال : يا  أبا ذر  ، أرأيت إن أصاب الناس موت شديد حتى يكون البيت بالعبد كيف تصنع ؟ قال : الله ورسوله أعلم ، قال : اصبر . يا  أبا ذر  ، أرأيت إن قتل الناس بعضهم بعضا حتى تغرق حجارة الزيت من الدماء كيف تصنع ؟ قال : الله ورسوله أعلم . قال : اقعد في بيتك ، وأغلق عليك بابك . فقال : أرأيت إن لم أترك ؟ قال : فأت من أنت منه ، فكن فيهم . قال : فآخذ سلاحي ؟ قال : إذا  [ ص: 130 ] تشاركهم فيه ، ولكن إن خشيت أن يروعك شعاع السيف فأطلق طرف ردائك على وجهك يبوء بإثمك وإثمه  . وفيه عن  ابن مسعود  قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو في قبة من أدم ، فيها أربعون رجلا ، فقال : إنكم مفتوحون ، ومنصورون ، فمن أدرك ذلك الزمان منكم فليتق الله ، وليأمر بالمعروف ، ولينه عن المنكر ، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار  . وأما الفتوح التي فتحت عليهم ، والنصرة التي نصروا فقد أخبر به في أوائل مبعثه  كما تقدم ذكره ، ووقع ما أخبر به . وروى أبو حاتم  في صحيحه ، عن  ابن عباس  قال : مرض أبو طالب  فأتته قريش  ، وأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده ، وعند رأسه مقعد رجل ، فقام أبو جهل  فقعد فيه ، فشكوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي طالب  فقالوا : إن ابن أخيك يقع في آلهتنا . قال : ما شأن قومك يشكونك يا ابن أخي ؟ قال : يا عم ،  [ ص: 131 ] إنما أردتهم على كلمة واحدة تدين لهم بها العرب ، وتؤدي إليهم بها العجم الجزية . فقال : وما هي ؟ قال : لا إله إلا الله . فقاموا ، فقالوا : أجعل الآلهة إلها واحدا  ؟ قال : ونزلت : ص والقرآن ذي الذكر  إلى قوله : إن هذا لشيء عجاب   . وفي صحيح  ابن حبان  ، عن  إسماعيل بن أبي خالد  ، عن  قيس بن أبي حازم  ، قال : لما أقبلت  عائشة  قربت ببعض مياه  [ ص: 132 ] بني عامر  طرقتهم ليلا فسمعت نباح الكلاب ، فقالت : أي ماء هذا ؟ قالوا : ماء الحوأب ، قالت : ما أظنني رافعة . قالوا : مهلا - يرحمك الله - تقدمين فيراك المسلمون ، فيصلح الله بك . قالت : ما أظنني رافعة ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : كيف بإحداكن ينبح عليها كلاب الحوأب ؟ وفيه أيضا عن ابن أبي طالب  قال : قال لي  عبد الله بن سلام  ، وقد وضعت رجلي في الغرز ، وأنا أريد العراق   : لا تأت  [ ص: 133 ] العراق  فإنك إن تأتهم أصابك ذنب السيف . قال  علي   : وايم الله لقد قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال أبو الأسود   : فقلت في نفسي : ما رأيت كاليوم رجلا محاربا يحدث الناس بمثل هذا  . وهذا وأمثاله مما أخبر به صلى الله عليه وسلم من المستقبلات فوقع بعده كما أخبر ، ورأى الناس ذلك . وأما ما أخبر به مما لم يقع إلى الآن فكثير ، وقد أخبر بأشياء من المغيبات ، ووقعت في زمانه ، ووجدت كما أخبر ، كما في الصحيحين عن  سهل بن سعد  ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر   :  [ ص: 134 ] لأعطين هذه الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، يفتح الله على يديه فكان كذلك . وفي الصحيحين ، عن  أبي هريرة  قال : شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا ، فقال - لرجل ممن يدعي الإسلام - : هذا من أهل النار . فلما حضرنا القتال ، قاتل الرجل قتالا شديدا فأصابته جراحة ، فقيل : يا رسول الله ، الرجل الذي قلت له آنفا : إنه من أهل النار ، فإنه قاتل اليوم قتالا شديدا ، وقد مات ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إلى النار . فكاد بعض المسلمين أن يرتاب ، فبينا هم على ذلك إذ قيل : فإنه لم يمت ، ولكن به جرحا شديدا ، فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه ، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، فقال : الله أكبر ، أشهد أني عبد الله ورسوله . ثم أمر بلالا  فنادى في الناس : إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة ، وأن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر  . ورواه سهل بن  [ ص: 135 ] سعد   . وفي الصحيحين ، عن  علي  رضي الله عنه قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبا مرثد الغنوي  ،  والزبير بن العوام  ، والمقداد  ، وكلنا فارس ، فقال : انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ  ،  [ ص: 136 ] فإن بها امرأة معها كتاب من  حاطب  إلى المشركين . فأدركناها تسير على بعير لها خبب فقلنا لها : أين الكتاب ؟ فقالت : ما معي كتاب . قال : فأنخنا بها ، فالتمسنا الكتاب في رحلها ، فلم نر كتابا ، قال : قلنا : ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لتخرجن الكتاب أو لنجردنك . قال : فلما رأت أني أهويت إلى حجزتها ، وهي محتجزة بكساء ، أخرجت الكتاب من عقاصها ، فأخذنا الكتاب فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه : من  حاطب بن أبي بلتعة  إلى ناس من المشركين بمكة  يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا  حاطب  ، ما هذا ؟ قال : لا تعجل علي ، إني كنت امرأ  [ ص: 137 ] ملصقا في قريش  ، ولم أكن من أنفسها ، وكان من كان معك من المهاجرين  لهم قرابات يحمون أهليهم بمكة  فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ يدا يحمون بها قرابتي ، وما فعلت ذلك كفرا ، ولا ارتدادا عن ديني ، ولا رضاء بالكفر بعد الإسلام . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنه قد صدقكم . فقال  عمر   : دعني أضرب عنق هذا المنافق . فقال : إنه قد شهد بدرا  ، وما يدريك ؟ لعل الله قد اطلع على أهل بدر   . فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم  . فكان في هذا الكتاب إخبار المشركين بأن النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يغزوهم ، فأعلمه الله بذلك . وفي الصحيحين عن  أبي هريرة  قال : نعى رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس  النجاشي  في اليوم الذي مات فيه ، فخرج إلى المصلى وكبر أربع تكبيرات ، وفي رواية عن  جابر  ، قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على  أصحمة النجاشي  ، وفي لفظ من رواية  أبي هريرة  ، قال : قد مات اليوم عبد الله  [ ص: 138 ] صالح أصحمة . فأمنا ، وصلى عليه  . وفي رواية  عمران بن حصين  قال : إن أخاكم قد مات فصلوا عليه  . يعني  النجاشي   . وروى  موسى بن عقبة  ، عن  ابن شهاب  ، ورواها  عروة بن الزبير  ،  ومحمد بن إسحاق  بمعناه ، قال : ثم إن المشركين اشتدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كأشد ما كانوا ، حتى بلغ بالمسلمين الجهد ، واشتد عليهم البلاء ، وأجمعت قريش  في مكرها أن يقتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم علانية ، فلما رأى أبو طالب  عمل القوم جمع بني عبد المطلب  وأمرهم أن يدخلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم شعبهم ، ويمنعوه ممن أراد قتله ، فاجتمعوا على ذلك مسلمهم وكافرهم ، فمنهم من فعله حمية ، ومنهم من فعله  [ ص: 139 ] إيمانا ويقينا . فلما عرفت قريش  أن القوم قد منعوا الرسول صلى الله عليه وسلم ، واجتمعوا على ذلك ، اجتمع المشركون من قريش  ، فأجمعوا أمرهم أن لا يجالسوهم ، ولا يبايعوهم ، ولا يدخلوا بيوتهم حتى يسلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتل ، وكتبوا في مكرهم صحيفة وعهودا ومواثيق ، لا يقبلوا من بني هاشم  أبدا صلحا ، ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموه للقتل . فلبث بنو هاشم  في شعبهم ثلاث سنين ، واشتد عليهم البلاء والجهد ، وقطعوا عنهم الأسواق فلم يتركوا طعاما يقدم مكة  ولا بيعا إلا بادروهم إليه فاشتروه ؛ يريدون بذلك أن يدركوا سفك دم رسول الله صلى الله عليه وسلم . زاد  ابن إسحاق  في روايته قال : حتى كان يسمع صوت صبيانهم يتضاغون من وراء الشعب من الجوع ، وعدوا على من أسلم ، فأوثقوهم ، وآذوهم ، واشتد البلاء عليهم ، وعظمت الفتنة ، وزلزلوا  [ ص: 140 ] زلزالا شديدا . قال  موسى بن عقبة  في تمام حديثه : وكان أبو طالب  إذا أخذ الناس مضاجعهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاضطجع على فراشه حتى يرى ذلك من أراد مكرا به واغتياله ، فإذا نوم الناس أمر أحد بنيه أو إخوته ، أو بني عمه فاضطجع على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي بعض فرشهم فينام عليه . فلما كان رأس ثلاث سنين تلاوم رجال من بني عبد مناف ،  ومن بني قصي ،  ورجال سواهم من قريش  قد ولدتهم نساء بني هاشم ،  ورأوا أنهم قد قطعوا الرحم ، واستخفوا بالحق ، واجتمع أمرهم من ليلتهم على نقض ما تعاهدوا عليه من الغدر ، والبراءة منه ، وبعث الله عز وجل على صحيفتهم التي فيها المكر برسول الله صلى الله عليه وسلم الأرضة فلحست كل ما كان فيها من عهد وميثاق ، ويقال : كانت معلقة في سقف البيت فلم تترك  [ ص: 141 ] اسما لله عز وجل فيها إلا لحسته ، وبقي ما فيها من شرك أو ظلم أو قطيعة رحم ، وأطلع الله رسوله على الذي صنع بصحيفتهم فذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طالب  فقال أبو طالب   : لا والثواقب ما كذبني فانطلق يمشي بعصابة من بني عبد المطلب  حتى أتى المسجد وهو حافل من قريش  ، فلما رأوهم عامدين بجماعتهم أنكروا ذلك ، وظنوا أنهم أخرجوا من شدة البلاء ، فأتوهم ليعطوهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلم أبو طالب  ، فقال : قد حدثت أمور بينكم لم نذكرها لكم ، فائتوا بصحيفتكم التي تعاهدتم عليها ، فلعله أن يكون بينكم وبيننا صلح ، وإنما قال ذلك خشية أن ينظروا في صحيفتهم قبل أن يأتوا بها ، فأتوا بصحيفتهم معجبين بها ، لا يشكون أن الرسول مدفوع إليهم ، فوضعوها بينهم ، وقالوا : قد آن لكم أن تقبلوا وترجعوا إلى أمر يجمع قومكم ، فإنما قطع بيننا وبينكم رجل واحد جعلتموه خطرا لهلكة  [ ص: 142 ] قومكم وعشيرتكم وفسادهم . فقال أبو طالب   : إنما أتيتكم لأعطيكم أمرا فيه نصف ، فإن ابن أخي أخبرني ، ولم يكذبني أن الله عز وجل بريء من هذه الصحيفة التي في أيديكم ، ومحا كل اسم هو له فيها ، وترك فيها غدركم وقطيعتكم إيانا ، وتظاهركم علينا بالظلم ، فإن كان الحديث الذي قال ابن أخي كما قال فأفيقوا فوالله لا نسلمه أبدا حتى نموت من عند آخرنا ، وإن كان الذي قال باطلا دفعناه إليكم فقتلتموه أو استحييتموه . قالوا : قد رضينا بالذي تقول ، ففتحوا الصحيفة فوجدوا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم قد أخبر خبرها ، فلما رأتها قريش  كالذي قال أبو طالب  قالوا : والله إن  [ ص: 143 ] كان هذا إلا سحر من صاحبكم ، فارتكسوا وعادوا لشر ما كانوا عليه من كفرهم والشدة على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين ، وعلى رهطه والقيام بما تعاهدوا عليه . فقال أولئك النفر من بني عبد المطلب   : إن أولى بالسحر والكذب غيرنا ، فكيف ترون ؟ فإنا نعلم أن الذي اجتمعتم عليه من قطيعتنا أقرب إلى الجبت والسحر من أمرنا ، ولولا أنكم اجتمعتم على السحر لم تفسد صحيفتكم ، وهي في أيديكم طمس الله ما كان فيها من اسم ، وما كان فيها من بغي تركه . أفنحن السحرة أم أنتم ؟ فقال عند ذلك النفر من بني عبد مناف ،  وبني قصي  ورجال من قريش  ولدتهم نساء بني هاشم  منهم أبو البختري  ، والمطعم بن عدي  ،  [ ص: 144 ] وزهير بن أبي أمية بن المغيرة  ، وزمعة بن الأسود  ، وهشام بن عمرو  ، وكانت الصحيفة عنده ، وهو من بني عامر بن لؤي  في رجال من أشرافهم ، ووجوههم ، نحن براء مما في هذه الصحيفة ، فقال أبو جهل   : هذا أمر قد قضي بليل . وأنشأ أبو طالب  يقول في ذلك الشعر ، في شأن صحيفتهم ، ويمتدح النفر الذين تبرءوا منها ، ونقضوا ما كان فيها من عهد ، ويمتدح  النجاشي   . قال  موسى بن عقبة   : فلما أفسد الله صحيفة مكرهم ، خرج  [ ص: 145 ] النبي صلى الله عليه وسلم فعاشوا وخالطوا الناس  . وفي صحيح  البخاري  ، عن  عبد الله بن مسعود  ، قال : انطلق  سعد بن معاذ  معتمرا ، فنزل على أمية بن خلف أبي صفوان  ، وكان أمية بن خلف  إذا انطلق إلى الشام  فمر بالمدينة  نزل على  سعد بن معاذ  فقال لأمية   : انظر لي ساعة خلوة لعلي أن أطوف بالبيت   . قال : انتظر حتى إذا انتصف النهار وغفل الناس انطلقت ، فطفت ، قال : فخرج به قريبا من نصف النهار فلقيهماأبو جهل  فقال : يا أبا صفوان  ، من هذا معك ؟ قال : هذا سعد   . فقال أبو جهل   : ألا أراك تطوف  [ ص: 146 ] بالبيت  آمنا ، وقد أويتم الصباة ، وزعمتم أنكم تنصرونهم وتعينونهم ، أما والله لولا أنك مع أبي صفوان  ما رجعت إلى أهلك سالما ، فقال له سعد  وقد رفع صوته عليه : لئن منعتني من هذا لأمنعنك ما هو أشد عليك منه طريقك على المدينة   . قال : فقال له أمية   : لا ترفع صوتك على أبي الحكم  سيد أهل الوادي ، فقال سعد   : دعنا منك يا أمية  فوالله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إنه قاتلك . قال : بمكة  ؟ قال : لا أدري . ففزع لذلك أمية  فزعا شديدا ، وقال : والله ما يكذب محمد  فلما رجع أمية  إلى أهله قال : يا أم صفوان  ألم تري إلى ما قال لي سعد  ؟ قالت : وما قال لك ؟ قال : زعم أن محمدا  أخبرهم أنه قاتلي ، فقلت له : بمكة  ؟ فقال : لا أدري ، فقالت : والله ما يكذب محمد  فقال أمية   : والله لا أخرج من مكة   . فلما كان يوم بدر  استنصر أبو جهل  الناس ، فقال : أدركوا عيركم . قال : فكره أمية  أن يخرج ، فأتاه أبو جهل  ، فقال : يا أبا صفوان  ، إنك متى يراك الناس قد تخلفت ، وأنت سيد أهل الوادي تخلفوا معك ، فلم يزل أبو جهل  حتى قال : إذ غلبتني فوالله لأشترين أجود بعير بمكة  قال : يا أم صفوان   [ ص: 147 ] جهزيني . فقالت له : يا أبا صفوان  قد نسيت ما قال لك أخوك اليثربي . قال : لا ، وما أريد أن أجوز معهم إلا قريبا . قال : فلما خرج أمية  جعل لا ينزل منزلا إلا عقل بعيره فلم يزل كذلك حتى قتله الله ببدر   . وعن  كعب بن مالك  قال : كان أبي بن خلف  أخو بني جمح  قد حلف وهو بمكة  ليقتلن رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما بلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم حلفته ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بل أنا أقتله - إن شاء الله عز وجل - . فأقبل أبي  مقنعا في الحديد ، وهو يقول : لا نجوت إن نجا محمد  ، فحمل على رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد  [ ص: 148 ] قتله ، فاستقبله  مصعب بن عمير  من بني عبد الدار  يقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه ، فقتل  مصعب بن عمير  ، وأبصر النبي صلى الله عليه وسلم ترقوة أبي بن خلف  من فرجة بين سابغة الدرع والبيضة ، فطعنه فيها بحربته ، فوقع أبي  عن فرسه ، ولم يخرج من طعنته دم فأتاه أصحابه ، فاحتملوه ، وهو يخور خوار الثور ، فقالوا : ما أجزعك ! إنما هو خدش ، فذكر لهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا أقتل أبيا  ، ثم قال : والذي نفسي بيده لو كان هذا الذي بي بأهل ذي المجاز  لماتوا أجمعون ،  [ ص: 149 ] فمات إلى النار  . ورواه  موسى بن عقبة  ، عن  ابن شهاب الزهري  عن سعيد بن المسيب  ، وذكره  الواقدي  بإسناده ، وهذا لفظه ، وهو مما ذكره  عروة بن الزبير  في مغازيه ، وابن إسحاق  ، وغيره . وذكر  موسى بن عقبة  في مغازيه أن عمير بن وهب الجمحي  لما رجع فل المشركين إلى مكة  ، وقد قتل الله من قتل منهم ، أقبل عمير   [ ص: 150 ] حتى جلس إلى صفوان بن أمية  في الحجر ، فقال صفوان   : قبح الله العيش بعد قتلى بدر   . قال : أجل ، والله ما في العيش خير بعدهم ، ولولا دين علي لا أجد له قضاء ، وعيال لا أدع لهم شيئا لرحلت إلى محمد  فقتلته إن ملأت عيني منه ، فإن لي عنده علة أعتل بها ، أقول قدمت على ابني أفدي هذا الأسير ، ففرح صفوان  بقوله ، وقال له : علي دينك ، وعيالك أسوة عيالي في النفقة ، فحمله صفوان  وجهزه ، وأمر بسيف عمير  فصقل وسم ، فأقبل عمير  حتى قدم المدينة  فنزل بباب المسجد ، وعقل راحلته ، وأخذ السيف فعمد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنظر  عمر بن الخطاب  إليه ، وهو في نفر من الأنصار  يتحدثون ، فقال  عمر   : عندكم الكلب ، هذا عدو الله الذي حرش بيننا  [ ص: 151 ] يوم بدر  ، وحزرنا للقوم . ثم قام  عمر  حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أقدمك ؟ قال : أسيري عندكم ، ففادونا في أسرائنا فإنكم العشيرة والأهل ، قال : فما بال السيف في عنقك ؟ قال عمير   : قبحها الله من سيوف فهل أغنت عنا شيئا ؟ إنما نسيته في عنقي حين نزلت ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : اصدقني ما أقدمك ؟ قال : ما قدمت إلا في أسيري . قال : فماذا شرطت لصفوان بن أمية  في الحجر  ؟ ففزع عمير  وقال : ماذا شرطت ؟ ! قال : تحملت له بقتلي على أن يعول بيتك ، ويقضي دينك ، والله حائل بينك وبين ذلك . فقال عمير : أشهد أنك رسول الله ، وأن لا إله إلا الله ، كنا نكذبك بالوحي ، وبما يأتيك من السماء ، وهذا الحديث كان بيني وبين صفوان  في الحجر  لم يطلع عليه أحد غيري وغيره ، فأخبرك الله به  . وذكر بقية الحديث .  [ ص: 152 ] وفي صحيح  البخاري  ، عن  أنس  قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أقواما من بني سليم  إلى بني عامر  في سبعين ، فلما قدموا قال لهم خالي : أتقدمكم فإن أمنوني حتى أبلغهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإلا كنتم مني قريبا ، فأمنوه ، فبينما هو يحدثهم عن النبي صلى الله عليه وسلم إذ أومئوا إلى رجل منهم فطعنه فأنفذه ، قال : فزت ورب الكعبة  ، ثم مالوا  [ ص: 153 ] على بقية أصحابه فقتلوهم إلا رجلا أعرج صعد الجبل وآخر معه ، فأخبر جبريل  النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قد لقوا ربهم فرضي الله عنهم وأرضاهم . فكنا نقرأ أن بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا ، ثم نسخ فدعا عليهم أربعين صباحا على رعل ،  وذكوان  وبني لحيان ،  وعصية الذين عصوا الله ورسوله ، وكان في هؤلاء عامر بن فهيرة   [ ص: 154 ] قال عنه عامر بن الطفيل   : لقد رأيته بعدما قتل رفع إلى السماء حتى إني لأنظر إلى السماء بينه وبين الأرض  . وفي الصحيحين من حديث  أبي حميد الساعدي  قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك  فأتينا وادي القرى  على حديقة لامرأة ، فقال رسول الله صلى الله عليه  [ ص: 155 ] وسلم : أخرصوها ، فخرصناها ، وخرصها رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة أوسق ، قال : أحصيها حتى نرجع إليك إن شاء الله تعالى ، فانطلقنا حتى قدمنا تبوك  فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ستهب عليكم الليلة ريح شديدة فلا يقم فيها أحد فمن كان له بعير فليشد عقاله فهبت ريح شديدة فقام رجل فحملته الريح حتى ألقته بجبل طيئ   . وروى الإمام  أحمد  ، عن  ابن عباس  قال : كان الذي أسر  العباس بن عبد المطلب  أبو اليسر بن عمرو  وهو  كعب بن عمرو  أحد  [ ص: 156 ] بني سلمة   . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف أسرته يا أبا اليسر  ؟ فقال : لقد أعانني عليه رجل ما رأيته بعد ، ولا قبل ، هيئته كذا وكذا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد أعانك عليه ملك كريم . وقال للعباس   : يا  عباس  ، افد نفسك ، وابن أخيك  عقيل بن أبي طالب  ، ونوفل بن الحارث  ، وحليفك عتبة بن جحدم  أخو بني الحارث بن فهر   . قال : فإني قد كنت مسلما  [ ص: 157 ] قبل ذلك وإنما استكرهوني . قال : الله أعلم بشأنك ، إن يك ما تدعي حقا فالله يجزيك بذلك ، وأما ظاهر أمرك فقد كان علينا ، فافد نفسك . وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخذ منه عشرين أوقية ذهبا . فقال : يا رسول الله ، احسبها لي من فداي . قال : لا ، ذلك شيء أعطانا الله منك . قال : فإنه ليس لي مال . قال : فأين المال الذي وضعته بمكة  حين خرجت عند أم الفضل  وليس معك أحد غيركما ؟ فقلت : إن أصبت في سفري هذا فللفضل  كذا ، ولقثم  كذا ، ولعبد الله  كذا . قال فوالذي بعثك بالحق ما علم بهذا أحد من الناس غيري وغيرها وإني أعلم أنك لرسول الله  .  [ ص: 158 ] وفي صحيح  البخاري  لما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم الجيش في غزوة مؤتة  ، وأمر عليهم  زيد بن حارثة  ، وقال إن قتل فجعفر  فإن قتل  فعبد الله بن رواحة   . فروى  البخاري  ، عن  أنس بن مالك  قال : نعى رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا  ، وجعفرا  ، وابن رواحة  للناس قبل أن يأتيهم خبرهم ، فقال : أخذ الراية  زيد  فأصيب ، ثم أخذها  جعفر  فأصيب ، ثم أخذها  عبد الله بن رواحة  فأصيب ، وإن عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم لتذرفان ، ثم أخذها  خالد بن الوليد  سيف من سيوف الله ، حتى فتح الله عليهم 
. 
				
						
						
