فصل
وأما المقام السابع : وهو أن كون
nindex.php?page=treesubj&link=20750الدليل من الأمور الظنية أو القطعية أمر نسبي يختلف باختلاف المدرك المستدل ، ليس هو صفة للدليل في نفسه ، فهذا أمر لا ينازعه فيه عاقل ، فقد يكون قطعيا عند زيد ما هو ظني عند عمرو ، فقولهم : إن أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة المتلقاة بين الأمة بالقبول لا تفيد العلم ، بل هي ظنية هو إخبار عما عندهم ، إذا لم يحصل لهم من الطرق التي استفاد بها العلم أهل السنة ما حصل لهم ، فقولهم لم نستفد بها العلم ، لم يلزم منها النفي العام على ذلك بمنزلة الاستدلال على أن الواجد للشيء العالم به غير واجد له ولا عالم به ، فهو كمن يجد من نفسه وجعا أو لذة أو حبا أو بغضا فينتصب له من يستدل على أنه غير وجع ولا متألم ولا محب ولا مبغض ، ويكثر له من الشبه التي غايتها إني لم أجد ما وجدته ، ولو كان حقا لاشتركت أنا وأنت فيه ، وهذا عين الباطل ، وما أحسن ما قيل :
أقول للائم المهدي ملامته ذق الهوى وإن اسطعت الملام لم
[ ص: 605 ] فيقال له : اصرف عنايتك إلى ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم والحرص عليه وتتبعه وجمعه ومعرفة أحوال نقلته وسيرتهم ، وأعرض عما سواه واجعله غاية طلبك ونهاية قصدك ، بل احرص عليه حرص أتباع أرباب المذاهب على معرفة مذاهب أئمتهم بحيث حصل لهم العلم الضروري بأنها مذاهب أئمتهم بحيث حصل لهم العلم الضروري بأنها مذاهبهم وأقوالهم ، ولو أنكر ذلك عليهم منكر لسخروا منه ( وحينئذ ) تعلم هل تفيد أخبار رسول صلى الله عليه وسلم العلم أو لا تفيده فأما مع إعراضك عنها وعن طلبها فهي لا تفيدك علما ، ولو قلت : لا تفيدك أيضا ظنا لكنت مخبرا بحصتك ونصيبك منها .
فَصْلٌ
وَأَمَّا الْمَقَامُ السَّابِعُ : وَهُوَ أَنَّ كَوْنَ
nindex.php?page=treesubj&link=20750الدَّلِيلِ مِنَ الْأُمُورِ الظَّنِّيَّةِ أَوِ الْقَطْعِيَّةِ أَمْرٌ نِسْبِيٌّ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُدْرِكِ الْمُسْتَدِلِّ ، لَيْسَ هُوَ صِفَةً لِلدَّلِيلِ فِي نَفْسِهِ ، فَهَذَا أَمْرٌ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ عَاقِلٌ ، فَقَدْ يَكُونُ قَطْعِيًّا عِنْدَ زَيْدٍ مَا هُوَ ظَنِّيٌّ عِنْدَ عَمْرٍو ، فَقَوْلُهُمْ : إِنَّ أَخْبَارَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّحِيحَةَ الْمُتَلَقَّاةَ بَيْنَ الْأُمَّةِ بِالْقَبُولِ لَا تُفِيدُ الْعِلْمَ ، بَلْ هِيَ ظَنِّيَّةٌ هُوَ إِخْبَارٌ عَمَّا عِنْدَهُمْ ، إِذَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ مِنَ الطُّرُقِ الَّتِي اسْتَفَادَ بِهَا الْعِلْمَ أَهْلُ السُّنَّةِ مَا حَصَلَ لَهُمْ ، فَقَوْلُهُمْ لَمْ نَسْتَفِدْ بِهَا الْعِلْمَ ، لَمْ يَلْزَمْ مِنْهَا النَّفْيُ الْعَامُّ عَلَى ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى أَنَّ الْوَاجِدَ لِلشَّيْءِ الْعَالِمَ بِهِ غَيْرُ وَاجِدٍ لَهُ وَلَا عَالِمٍ بِهِ ، فَهُوَ كَمَنْ يَجِدُ مِنْ نَفْسِهِ وَجَعًا أَوْ لَذَّةً أَوْ حُبًّا أَوْ بُغْضًا فَيَنْتَصِبُ لَهُ مَنْ يَسْتَدِلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ وَجِعٍ وَلَا مُتَأَلِّمٍ وَلَا مُحِبٍّ وَلَا مُبْغِضٍ ، وَيُكْثِرُ لَهُ مِنَ الشُّبَهِ الَّتِي غَايَتُهَا إِنِّي لَمْ أَجِدْ مَا وَجَدْتَهُ ، وَلَوْ كَانَ حَقًّا لَاشْتَرَكْتُ أَنَا وَأَنْتَ فِيهِ ، وَهَذَا عَيْنُ الْبَاطِلِ ، وَمَا أَحْسَنَ مَا قِيلَ :
أَقُولُ لِلَّائِمِ الْمُهْدِي مَلَامَتَهُ ذُقِ الْهَوَى وَإِنِ اسْطَعْتَ الْمَلَامَ لُمِ
[ ص: 605 ] فَيُقَالُ لَهُ : اصْرِفْ عِنَايَتَكَ إِلَى مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْحِرْصِ عَلَيْهِ وَتَتَبُّعِهِ وَجَمْعِهِ وَمَعْرِفَةِ أَحْوَالِ نَقَلَتِهِ وَسِيرَتِهِمْ ، وَأَعْرِضْ عَمَّا سِوَاهُ وَاجْعَلْهُ غَايَةَ طَلَبِكَ وَنِهَايَةَ قَصْدِكَ ، بَلِ احْرِصْ عَلَيْهِ حِرْصَ أَتْبَاعِ أَرْبَابِ الْمَذَاهِبِ عَلَى مَعْرِفَةِ مَذَاهِبِ أَئِمَّتِهِمْ بِحَيْثُ حَصَلَ لَهُمُ الْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ بِأَنَّهَا مَذَاهِبُ أَئِمَّتِهِمْ بِحَيْثُ حَصَلَ لَهُمُ الْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ بِأَنَّهَا مَذَاهِبُهُمْ وَأَقْوَالُهُمْ ، وَلَوْ أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ مُنْكِرٌ لَسَخِرُوا مِنْهُ ( وَحِينَئِذٍ ) تَعْلَمُ هَلْ تُفِيدُ أَخْبَارُ رَسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِلْمَ أَوْ لَا تُفِيدُهُ فَأَمَّا مَعَ إِعْرَاضِكَ عَنْهَا وَعَنْ طَلَبِهَا فَهِيَ لَا تُفِيدُكَ عِلْمًا ، وَلَوْ قُلْتَ : لَا تُفِيدُكَ أَيْضًا ظَنًّا لَكُنْتَ مُخْبِرًا بِحِصَّتِكَ وَنَصِيبِكَ مِنْهَا .