فصل
وقد عرفت فيما تقدم المقام التاسع والعاشر : وهو أن
nindex.php?page=treesubj&link=29595_28836قولهم خبر الواحد لا يفيد العلم ، قضية كاذبة باتفاق العقلاء إذا أخذت كلية عامة ، وقضية لا تفيد إن أخذت جزئية أو مهملة ، فإن عاقلا لا يقول : كل خبر واحد لا يفيد العلم حتى تنتصبوا للرد عليه كأنكم في شيء ، وكأنكم قد كسرتم عدو الإسلام ، فسودتم الأوراق بغير فائدة حتى كذب بعض الأصوليين كذبا صريحا لم يقله أحد قط ( فقال ) : مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه أن خبر الواحد يفيد العلم من غير قرينة ، وهو مطرد عنده في خبر كل واحد .
فيا لله العجب كيف لا يستحي العاقل من المجاهرة بالكذب على أئمة الإسلام ، لكن عذر هذا وأمثاله أنهم يستجيزون نقل المذاهب عن الناس بلازم أقوالهم ، ويجعلون لازم المذهب في ظنهم مذهبا ، كما نقل بعض هؤلاء المباهتين أن مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل وأصحابه أن الله لا يرى يوم القيامة ، قال : لأنه يقول أنه لا يرى إلا الأجسام ، وقد قام الدليل على أنه سبحانه وتعالى ليس بجسم ، فلا يكون مرئيا على قولهم ، ونقل هذا أيضا أن مذهبهم أن الله تعالى يجوز أن يتكلم بشيء ولا يعني به شيئا إلزاما لهم من قولهم إنه لا يعلم تأويل المتشابه إلا الله ، بهذا القول الباطل الذي لم يقله أحد من أهل الأرض ، وكما نقل هذا أو غيره من أهل البهتان أن مذهبهم أن الله جسم إلزاما لهم بقولهم إن الله مستو على عرشه فوق سماواته بائن من خلقه موصوف بصفات الكمال .
وبالجملة فمن يستجيز الكذب على الله ورسوله ، ويخبر عنه ما لم يخبر عن نفسه ، وينفي عنه ما أثبته لنفسه ، ويقول على الله ما لا يعلم ، كيف لا يستجيز الكذب
[ ص: 616 ] على مخلوق مثله ، قلبه ملآن من الهوى والغل عليه وعلى أشباهه وأتباعه فالله الموعد
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=227وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .
وأما الشهادة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمضمون هذه الأحاديث فمما لا يستريب فيه من له أدنى علم بالسنن والآثار وقول الصحابة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أخبرهم به المخبر عنه ، وقول التابعين كذلك ، وقول تابعي التابعين ، وقول جميع أئمة الإسلام في كتبهم والشهادة لا يشترط فيها قول ( أشهد ) .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : شهد عندي رجال مرضيون ، وأرضاهم عندي
عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس ، وبعد العصر حتى تغرب الشمس ، ومعلوم أنهم لم يتلفظوا بلفظ ( أشهد ) ، وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=150قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا فإن شهدوا فلا تشهد معهم وشهادتهم إخبارهم أن الله تعالى حرمه ، والله تعالى أعلم .
وصلى الله على
محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا من يومنا هذا إلى يوم الدين .
تم بحمد الله تعالى وحسن توفيقه وإعانته وتسديده هذا المختصر المفيد المشتمل على تقرير طريقة أهل السنة والجماعة والرد على مخالفيهم من أهل البدعة والشناعة ، فرحم الله مؤلفه وجزاه عن أهل السنة خيرا .
فَصْلٌ
وَقَدْ عَرَفْتَ فِيمَا تَقَدَّمَ الْمَقَامَ التَّاسِعَ وَالْعَاشِرَ : وَهُوَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29595_28836قَوْلَهُمْ خَبَرُ الْوَاحِدِ لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ ، قَضِيَّةٌ كَاذِبَةٌ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ إِذَا أُخِذَتْ كُلِّيَّةً عَامَّةً ، وَقَضِيَّةٌ لَا تُفِيدُ إِنْ أُخِذَتْ جُزْئِيَّةً أَوْ مُهْمَلَةً ، فَإِنَّ عَاقِلًا لَا يَقُولُ : كُلُّ خَبَرِ وَاحِدٍ لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ حَتَّى تَنْتَصِبُوا لِلرَّدِّ عَلَيْهِ كَأَنَّكُمْ فِي شَيْءٍ ، وَكَأَنَّكُمْ قَدْ كَسَرْتُمْ عَدُوَّ الْإِسْلَامِ ، فَسَوَّدْتُمُ الْأَوْرَاقَ بِغَيْرِ فَائِدَةٍ حَتَّى كَذَبَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ كَذِبًا صَرِيحًا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ قَطُّ ( فَقَالَ ) : مَذْهَبُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ يُفِيدُ الْعِلْمَ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ ، وَهُوَ مُطَّرِدٌ عِنْدَهُ فِي خَبَرِ كُلِّ وَاحِدٍ .
فَيَا لَلَّهِ الْعَجَبُ كَيْفَ لَا يَسْتَحِي الْعَاقِلُ مِنَ الْمُجَاهَرَةِ بِالْكَذِبِ عَلَى أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ ، لَكِنَّ عُذْرَ هَذَا وَأَمْثَالِهِ أَنَّهُمْ يَسْتَجِيزُونَ نَقْلَ الْمَذَاهِبِ عَنِ النَّاسِ بِلَازِمِ أَقْوَالِهِمْ ، وَيَجْعَلُونَ لَازِمَ الْمَذْهَبِ فِي ظَنِّهِمْ مَذْهَبًا ، كَمَا نَقَلَ بَعْضُ هَؤُلَاءِ الْمُبَاهِتِينَ أَنَّ مَذْهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ اللَّهَ لَا يُرَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، قَالَ : لِأَنَّهُ يَقُولُ أَنَّهُ لَا يُرَى إِلَّا الْأَجْسَامُ ، وَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَيْسَ بِجِسْمٍ ، فَلَا يَكُونُ مَرْئِيًّا عَلَى قَوْلِهِمْ ، وَنَقَلَ هَذَا أَيْضًا أَنَّ مَذْهَبَهُمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَجُوزُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِشَيْءٍ وَلَا يَعْنِيَ بِهِ شَيْئًا إِلْزَامًا لَهُمْ مِنْ قَوْلِهِمْ إِنَّهُ لَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَ الْمُتَشَابِهِ إِلَّا اللَّهُ ، بِهَذَا الْقَوْلِ الْبَاطِلِ الَّذِي لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ ، وَكَمَا نَقَلَ هَذَا أَوْ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْبُهْتَانِ أَنَّ مَذْهَبَهُمْ أَنَّ اللَّهَ جِسْمٌ إِلْزَامًا لَهُمْ بِقَوْلِهِمْ إِنَّ اللَّهَ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ مَوْصُوفٌ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ .
وَبِالْجُمْلَةِ فَمَنْ يَسْتَجِيزُ الْكَذِبَ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَيُخْبِرُ عَنْهُ مَا لَمْ يُخْبِرْ عَنْ نَفْسِهِ ، وَيَنْفِي عَنْهُ مَا أَثْبَتَهُ لِنَفْسِهِ ، وَيَقُولُ عَلَى اللَّهِ مَا لَا يَعْلَمُ ، كَيْفَ لَا يَسْتَجِيزُ الْكَذِبَ
[ ص: 616 ] عَلَى مَخْلُوقٍ مِثْلِهِ ، قَلْبُهُ مَلْآنٌ مِنَ الْهَوَى وَالْغِلِّ عَلَيْهِ وَعَلَى أَشْبَاهِهِ وَأَتْبَاعِهِ فَاللَّهُ الْمَوْعِدُ
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=227وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ .
وَأَمَّا الشَّهَادَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَضْمُونِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فَمِمَّا لَا يَسْتَرِيبُ فِيهِ مَنْ لَهُ أَدْنَى عِلْمٍ بِالسُّنَنِ وَالْآثَارِ وَقَوْلِ الصَّحَابَةِ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَخْبَرَهُمْ بِهِ الْمُخْبِرُ عَنْهُ ، وَقَوْلُ التَّابِعِينَ كَذَلِكَ ، وَقَوْلُ تَابِعِي التَّابِعِينَ ، وَقَوْلُ جَمِيعِ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ فِي كُتُبِهِمْ وَالشَّهَادَةُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا قَوْلُ ( أَشْهَدُ ) .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : شَهِدَ عِنْدِي رِجَالٌ مَرْضِيُّونَ ، وَأَرْضَاهُمْ عِنْدِي
عُمَرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ لَمْ يَتَلَفَّظُوا بِلَفْظِ ( أَشْهَدُ ) ، وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=150قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَشَهَادَتُهُمْ إِخْبَارُهُمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَهُ ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى
مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا مِنْ يَوْمِنَا هَذَا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ .
تَمَّ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَحَسُنِ تَوْفِيقِهِ وَإِعَانَتِهِ وَتَسْدِيدِهِ هَذَا الْمُخْتَصَرُ الْمُفِيدُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى تَقْرِيرِ طَرِيقَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَالرَّدِّ عَلَى مُخَالِفِيهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبِدْعَةِ وَالشَّنَاعَةِ ، فَرَحِمَ اللَّهُ مُؤَلِّفَهُ وَجَزَاهُ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ خَيْرًا .