الفصل العاشر :
ومما يجب على المتكلم فيما يجوز على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وما لا يجوز ، والذاكر من حالاته ما [ ص: 563 ] قدمناه في الفصل قبل هذا على طريق المذاكرة والتعليم أن يلتزم في كلامه عند ذكره - صلى الله عليه وسلم - ، وذكر تلك الأحوال الواجب من توقيره وتعظيمه ، ويراقب حال لسانه ولا يهمله ، وتظهر عليه علامات الأدب عند ذكره ، فإذا ذكر ما قاساه من الشدائد ظهر عليه الإشفاق والارتماض والغيظ على عدوه ، ومودة الفداء للنبي - صلى الله عليه وسلم - لو قدر عليه ، والنصرة له لو أمكنته . الأدب اللازم عند ذكر أخباره - صلى الله عليه وسلم -
وإذا أخذ في أبواب العصمة ، وتكلم على مجاري أعماله وأقواله - صلى الله عليه وسلم - تحرى أحسن اللفظ وأدب العبارة ما أمكنه ، واجتنب بشيع ذلك ، وهجر من العبارة ما يقبح ، كلفظة الجهل والكذب والمعصية ، فإذا تكلم في الأقوال قال : هل يجوز عليه الخلف في القول ، والإخبار بخلاف ما وقع سهوا أو غلطا ، ونحوه من العبارة ، ويتجنب لفظة الكذب جملة واحدة .
وإذا تكلم على العلم قال : هل يجوز أن لا يعلم إلا ما علم ؟ ، وهل يمكن أن لا يكون عنده علم من بعض الأشياء حتى يوحى إليه ، ولا يقول بجهل ؛ لقبح اللفظ وبشاعته .
وإذا تكلم في الأفعال قال : هل يجوز منه المخالفة في بعض الأوامر والنواهي ، ومواقعة الصغائر ؟ فهو أولى وآدب من قوله : هل يجوز أن يعصي أو يذنب أو يفعل كذا وكذا من أنواع المعاصي ؟ فهذا من حق توقيره - صلى الله عليه وسلم - ، وما يجب له من تعزيز وإعظام .
وقد رأيت بعض العلماء لم يتحفظ من هذا ، فقبح منه ، ولم أستصوب عبارته فيه .
ووجدت بعض الجائرين قوله لأجل ترك تحفظه في العبارة ما لم يقله ، وشنع عليه بما يأباه ، ويكفر قائله .
وإذا كان مثل هذا بين الناس مستعملا في آدابهم وحسن معاشرتهم وخطابهم ، فاستعماله في حقه - صلى الله عليه وسلم - أوجب ، والتزامه آكد .
فجودة العبارة تقبح الشيء أو تحسنه ، وتحريرها وتهذيبها تعظم الأمر أو تهونه ، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - : إن من البيان لسحرا .
فأما ما أورده على جهة النفي عنه ، والتنزيه فلا حرج في تسريح العبارة وتصريحها فيه ، كقوله : لا يجوز عليه الكذب جملة ، ولا إتيان الكبائر بوجه ، ولا الجور في الحكم على حال ، ولكن مع هذا يجب ظهور توقيره وتعظيمه عند ذكره مجردا ، فكيف عند ذكر مثل هذا .
وقد كان السلف تظهر عليهم حالات شديدة عند مجرد ذكره ، كما قدمناه في القسم الثاني .
وقد كان بعضهم يلتزم مثل ذلك عند تلاوة آي من القرآن حكى الله - تعالى - فيها مقال عداه ، ومن كفر بآياته ، وافترى عليه الكذب ، فكان يخفض بها صوته إعظاما لربه ، وإجلالا له ، وإشفاقا من التشبه بمن كفر به .