الفصل السادس : في ميراث من قتل في سب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وغسله ، والصلاة عليه
اختلف العلماء في ميراث من قتل بسب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فذهب سحنون إلى أنه لجماعة المسلمين من قبل أن شتم النبي - صلى الله عليه وسلم - كفر يشبه كفر الزنديق .
وقال أصبغ : ميراثه لورثته من المسلمين إن كان مستسرا بذلك ، وإن كان مظهرا له مستهلا به فميراثه للمسلمين ، ويقتل على كل حال ، ولا يستتاب .
وقال أبو الحسن القابسي : إن قتل وهو منكر للشهادة عليه فالحكم في ميراثه على ما أظهره من إقراره يعني لورثته ، والقتل حد ثبت عليه ليس من الميراث في شيء .
وكذلك لو أقر بالسب ، وأظهر التوبة لقتل ، إذ هو حده . وحكمه في ميراثه وسائر أحكامه حكم الإسلام .
ولو أقر بالسب ، وتمادى عليه ، وأبى التوبة منه ، فقتل على ذلك كان كافرا ، وميراثه للمسلمين ، ولا يغسل ولا يصلى عليه ولا يكفن ، وتستر عورته ، ويوارى كما يفعل بالكفار .
وقول الشيخ أبي الحسن في المجاهر المتمادي بين لا يمكن الخلاف فيه ، لأنه كافر مرتد غير تائب ولا مقلع .
وهو مثل قول أصبغ ، وكذلك في كتاب ابن سحنون في الزنديق يتمادى على قوله .
ومثله لابن القاسم في العتبية ، ولجماعة من أصحاب مالك في كتاب ابن حبيب فيمن أعلن كفره مثله .
قال ابن القاسم : وحكمه حكم المرتد لا يرثه ورثته من المسلمين ، ولا من أهل الدين الذي ارتد إليه ، ولا تجوز وصاياه ولا عتقه ، وقاله أصبغ ، قتل على ذلك أو مات عليه .
وقال أبو محمد بن أبي زيد : وإنما يختلف في ميراث الزنديق الذي يستهل بالتوبة ، فلا تقبل منه ، فأما المتمادي فلا خلاف أنه لا يورث .
وقال أبو محمد فيمن سب الله - تعالى - ثم مات ، ولم تعدل عليه بينة ، أو لم تقبل : إنه يصلى عليه .
وروى أصبغ عن ابن القاسم في كتاب ابن حبيب فيمن كذب برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأعلن دينا مما يفارق به الإسلام أن ميراثه للمسلمين .
وقال بقول مالك : إن ميراث المرتد للمسلمين ، ولا ترثه ورثته ربيعة ، والشافعي ، وأبو ثور ، وابن أبي ليلى ، واختلف فيه عن [ ص: 576 ] أحمد . وقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ، وابن مسعود ، وابن المسيب ، والحسن ، والشعبي ، وعمر بن عبد العزيز ، والحكم ، والأوزاعي ، والليث ، وإسحاق ، وأبو حنيفة ترثه ورثته من المسلمين .
وقيل ذلك فيما كسبه قبل ارتداده ، وما كسبه في الارتداد فللمسلمين .
وتفصيل أبي الحسن في باقي جوابه حسن بين ، وهو على رأي أصبغ ، وخلاف قول سحنون ، واختلافهما على قولي مالك في ميراث الزنديق ، فمرة ورثه ورثته من المسلمين قامت عليه بذلك بينة فأنكرها ، أو اعترف بذلك ، وأظهر التوبة .
وقاله أصبغ ، ومحمد بن مسلمة ، وغير واحد من أصحابه ، لأنه مظهر للإسلام بإنكاره أو توبته ، وحكمه حكم المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وروى ابن نافع عنه في العتبية ، وكتاب محمد أن ميراثه لجماعة المسلمين ، لأن ماله تبع لدمه .
وقال به أيضا جماعة من أصحابه ، وقاله أشهب والمغيرة وعبد الملك ومحمد وسحنون .
وذهب ابن قاسم في العتبية إلى أنه إن اعترف بما شهد عليه به ، وتاب فقتل فلا يورث . وإن لم يقر حتى قتل أو مات ورث .
قال : وكذلك كل من أسر كفرا فإنهم يتوارثون بوراثة الإسلام .
وسئل أبو القاسم بن الكاتب عن النصراني يسب النبي - صلى الله عليه وسلم - فيقتل ، هل يرثه أهل دينه أم المسلمون ؟
فأجاب بأنه للمسلمين ليس على جهة الميراث ، لأنه لا توارث بين أهل ملتين ، ولكن لأنه من فيئهم ، لنقضه العهد ، وهذا معنى قوله ، واختصاره .


