الفصل الثامن : حكم سب بقية الأنبياء والملائكة  
وحكم من  سب سائر أنبياء الله - تعالى - وملائكته   ، واستخف بهم أو كذبهم فيما أتوا به أو أنكرهم وجحدهم ، حكم نبينا - صلى الله عليه وسلم - على مساق ما قدمناه ، قال الله - تعالى - :  إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله      [ النساء : 150 ] الآية . .  
وقال - تعالى - :  قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم   الآية . - إلى قوله - :  لا نفرق بين أحد منهم      [ البقرة : 136 ] .  
وقال :  كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله      [ البقرة : 285 ] .  
قال  مالك  في كتاب  ابن حبيب  ،  ومحمد  ، وقال  ابن القاسم  ،   وابن الماجشون  ،  وابن عبد الحكم  ،  وأصبغ  ،   وسحنون  فيمن  شتم الأنبياء أو أحدا منهم أو تنقصه   قتل ولم يستتب .      [ ص: 596 ] ومن سبهم من أهل الذمة قتل إلا أن يسلم .  
وروى   سحنون  عن  ابن القاسم     :  من سب الأنبياء من اليهود أو النصارى بغير الوجه الذي به كفر   ، فاضرب عنقه إلا أن يسلم .  
وقد تقدم الخلاف في هذا الأصل .  
وقال القاضي  بقرطبة    سعيد بن سليمان  في بعض أجوبته : من سب الله وملائكته قتل .  
وقال   سحنون     : من شتم ملكا من الملائكة فعليه القتل .  
وفي النوادر عن  مالك  فيمن  قال : إن  جبريل   أخطأ بالوحي ، وإنما كان النبي   علي بن أبي طالب   استتيب ، فإن تاب وإلا قتل .  
ونحوه عن   سحنون     . وهذا قول الغرابية من الروافض ، سموا بذلك لقولهم : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أشبه  بعلي  من الغراب بالغراب .  
وقال  أبو حنيفة  ، وأصحابه على أصلهم : من كذب بأحد من الأنبياء ، أو تنقص أحدا منهم ، أو برئ منه فهو مرتد .  
وقال   أبو الحسن القابسي  في الذي قال لآخر ، كأنه وجه مالك الغضبان لو عرف أنه قصد ذم الملك قتل .  
قال القاضي  أبو الفضل     : وهذا كله فيمن تكلم فيهم بما قلناه على جملة الملائكة والنبيين ، أو على معين ممن حققنا كونه من الملائكة والنبيين ممن نص الله عليه في كتابه ، أو حققنا علمه بالخبر المتواتر والمشتهر المتفق عليه بالإجماع القاطع ،  كجبريل   وميكائيل   ،  ومالك   ، وخزنة الجنة وجهنم والزبانية ، وحملة العرش المذكورين في القرآن من الملائكة ، ومن سمي فيه من الأنبياء ،  وكعزرائيل   وإسرافيل   ورضوان   والحفظة  ومنكر   ونكير   من الملائكة المتفق على قبول الخبر بهما ، فأما من لم تثبت الأخبار بتعيينه ، ولا وقع الإجماع على كونه من الملائكة أو الأنبياء ،  كهاروت   وماروت   في الملائكة  والخضر  ولقمان   وذي القرنين  ومريم  وآسية  ،  وخالد بن سنان  المذكور أنه نبي  أهل الرس   ،  وزرادشت  الذي يدعي المجوس المؤرخون نبوته ، فليس الحكم في سابهم والكافر بهم كالحكم فيمن قدمناه ؛ إذ لم تثبت لهم تلك الحرمة ، ولكن يزجر من تنقصهم وآذاهم ، ويؤدب بقدر حال المنقول فيهم ، لا سيما من عرفت صديقيته وفضله منهم ، وإن لم تثبت نبوته .  
وأما إنكار نبوتهم أو كون الآخر من الملائكة فإن كان المتكلم في ذلك من أهل العلم فلا حرج لاختلاف العلماء في ذلك ، وإن      [ ص: 597 ] كان من عوام الناس زجر عن الخوض في مثل هذا ، فإن عاد أدب ، إذ ليس لهم الكلام في مثل هذا .  
وقد كره السلف الكلام في مثل هذا مما ليس تحته عمل لأهل العلم ، فكيف للعامة .  
				
						
						
