قال القاضي أبو الفضل - وفقه الله - - تعالى - : ما أحرى هذا الفصل بفصول الباب الأول ، لانخراطه في سلك مضمونها ، وامتزاجه بعذب معينها ، لكن لم يشرح الله الصدر للهداية إلى استنباطه ، ولا أنار الفكر لاستخراج جوهره ، والتقاطه إلا عند الخوض في الفصل الذي قبله ، فرأينا أن نضيفه إليه ، ونجمع به شمله .
فاعلم أن ، كتسمية الله - تعالى - خص كثيرا من الأنبياء بكرامة خلعها [ ص: 264 ] عليهم من أسمائه إسحاق ، وإسماعيل بعليم ، وحليم ، وإبراهيم بحليم ، ونوح بشكور ، وعيسى ، ويحيى ببر ، وموسى بكريم ، وقوي ، ويوسف بحفيظ عليم ، وأيوب بصابر ، وإسماعيل بصادق الوعد ، كما نطق بذلك الكتاب العزيز من مواضع ذكرهم .
وفضل محمدا - صلى الله عليه وسلم - : بأن حلاه منها في كتابه العزيز ، وعلى ألسنة أنبيائه بعدة كثيرة اجتمع لنا منها جملة بعد إعمال الفكر ، وإحضار الذكر ، إذ لم نجد من جمع منها فوق اسمين ، ولا من تفرغ فيها لتأليف فصلين .
وحررنا منها في هذا الفصل نحو ثلاثين اسما ، ولعل الله - تعالى - كما ألهم إلى ما علم منها ، وحققه يتم النعمة بإبانة ما لم يظهره لنا الآن ويفتح غلقه .
فمن أسمائه - تعالى - : الحميد ، ومعناه المحمود ، لأنه حمد نفسه ، وحمده عباده ، ويكون أيضا بمعنى الحامد لنفسه ، ولأعمال الطاعات .
وسمى النبي - صلى الله عليه وسلم - محمدا ، وأحمد ، فمحمد بمعنى محمود ، وكذا وقع اسمه في زبور داود .
وأحمد بمعنى أكبر من حمد ، وأجل من حمد ، وأشار إلى نحو هذا حسان بقوله :
وشق له من اسمه ليجله فذو العرش محمود ، وهذا محمد
وقد سماه في كتابه بذلك ، فقال : بالمؤمنين رءوف رحيم .
ومن أسمائه - تعالى - الحق المبين . ومعنى الحق : الموجود ، والمتحقق أمره ، وكذلك المبين ، أي البين أمره ، وإلهيته .
بان وأبان بمعنى واحد . ويكون بمعنى المبين لعباده أمر دينهم ، ومعادهم .
وسمى النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك في كتابه ، فقال : حتى جاءهم الحق ورسول مبين [ الزخرف : 29 ] .
وقال - تعالى - : وقل إني أنا النذير المبين [ الحجر : 89 ] .
وقال : جاءكم الحق [ يونس : 108 ] .
وقال : فقد كذبوا بالحق لما جاءهم [ الأنعام : 5 ] ، قيل : محمد ، وقيل القرآن . ومعناه هنا ضد الباطل ، والمتحقق صدقه ، وأمره ، وهو بمعنى الأول .
والمبين : البين أمره ، ورسالته ، أو المبين عن الله ما بعثه به ، كما قال - تعالى - : لتبين للناس ما نزل إليهم [ النحل : 44 ] .
ومن أسمائه - تعالى - : النور ، ومعناه ذو النور ، أي خالقه ، أو منور السماوات ، والأرض بالأنوار ، ومنور قلوب المؤمنين بالهداية .
وسماه نورا ، فقال : قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين [ المائدة : 15 ] ، قيل محمد ، وقيل القرآن .
وقال فيه : وسراجا منيرا [ الأحزاب : 46 ] ، سمي بذلك لوضوح أمره ، وبيان نبوته ، وتنوير قلوب المؤمنين العارفين بما جاء به .
ومن أسمائه - تعالى - : الشهيد ، ومعناه العالم ، وقيل : الشاهد على عباده يوم القيامة .
وسماه شهيدا [ ص: 265 ] وشاهدا ، فقال : إنا أرسلناك شاهدا [ الفتح : 8 ] .
وقال : ويكون الرسول عليكم شهيدا [ البقرة : 143 ] ، وهو بمعنى الأول .
ومن أسمائه - تعالى - : الكريم ، ومعناه الكثير الخير .
وقيل : المفضل ، وقيل العفو ، وقيل : العلي .
وفي الحديث المروي في أسمائه - تعالى - : الأكرم .
وسماه - تعالى - كريما بقوله : إنه لقول رسول كريم [ الحاقة : 40 ] ، قيل : محمد ، وقيل : جبريل .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : . ومعاني الاسم صحيحة في حقه - صلى الله عليه وسلم - . أنا أكرم ولد آدم
ومن أسمائه - تعالى - : العظيم ، ومعناه الجليل الشأن الذي كل شيء دونه .
وقال في النبي - صلى الله عليه وسلم - : وإنك لعلى خلق عظيم [ القلم : 4 ] .
ووقع في أول سفر من التوراة عن إسماعيل : وستلد عظيما لأمة عظيمة ، فهو عظيم ، وعلى خلق عظيم .
ومن أسمائه - تعالى - : الجبار ، ومعناه المصلح ، وقيل القاهر ، وقيل العلي العظيم الشأن وقيل المتكبر .
وسمي النبي - صلى الله عليه وسلم - في كتاب داود بجبار ، فقال : تقلد أيها الجبار سيفك ، فإن ناموسك ، وشرائعك مقرونة بهيبة يمينك .
ومعناه في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - : إما لإصلاحه الأمة بالهداية ، والتعليم ، أو لقهره أعداءه ، أو لعلو منزلته على البشر ، وعظيم خطره .
ونفى عنه - تعالى - في القرآن جبرية التكبر التي لا تليق به ، فقال : وما أنت عليهم بجبار [ ق : 45 ] .
ومن أسمائه - تعالى - : الخبير ، ومعناه المطلع بكنه الشيء ، العالم بحقيقته ، وقيل معناه المخبر .
وقال الله - تعالى - : الرحمن فاسأل به خبيرا [ الفرقان : 59 ] .
وقال القاضي بكر بن العلاء : المأمور بالسؤال غير النبي - صلى الله عليه وسلم - . والمسئول الخبير هو النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وقال غيره : بل السائل النبي - صلى الله عليه وسلم - . والمسئول هو الله - تعالى - ، فالنبي خبير بالوجهين المذكورين ، قيل : لأنه عالم على غاية من العلم بما أعلمه الله من مكنون علمه ، وعظيم معرفته ، مخبر لأمته بما أذن له في إعلامهم به .
ومن أسمائه - تعالى - : الفتاح ، ومعناه الحاكم بين عباده ، أو فاتح أبواب الرزق والرحمة والمنغلق من أمورهم عليهم ، أو يفتح قلوبهم ، وبصائرهم لمعرفة الحق ، ويكون أيضا بمعنى الناصر ، كقوله - تعالى - : إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح [ الأنفال : 19 ] أي إن تستنصروا فقد جاءكم النصر ، وقيل : معناه مبتدئ الفتح ، والنصر .
محمدا - صلى الله عليه وسلم - بالفاتح في حديث الإسراء الطويل من رواية وسمى الله - تعالى - ، عن الربيع بن أنس أبي العالية ، وغيره ، عن - رضي الله عنه - ، وفيه : من قول الله - تعالى - : وجعلتك فاتحا ، وخاتما . أبي هريرة
وفيه من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في ثنائه على ربه ، وتعديد مراتبه : ورفع لي [ ص: 266 ] ذكري ، وجعلني فاتحا ، وخاتما ، فيكون الفاتح هنا بمعنى الحاكم ، أو الفاتح لأبواب الرحمة على أمته ، أو الفاتح لبصائرهم لمعرفة الحق ، والإيمان بالله ، أو الناصر للحق ، أو المبتدئ بهداية الأمة ، أو المبدئ المقدم في الأنبياء ، والخاتم لهم ، كما قال - صلى الله عليه وسلم - : كنت أول الأنبياء في الخلق ، وآخرهم في البعث .
ومن أسمائه - تعالى - في الحديث : الشكور ، ومعناه المثيب على العمل القليل ، وقيل المثني على المطيعين ، ووصف بذلك نبيه نوحا - عليه السلام - فقال : إنه كان عبدا شكورا [ الإسراء : 3 ] .
وقد وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - نفسه بذلك ، فقال : أي معترفا بنعيم ربي ، عارفا بقدر ذلك ، مثنيا عليه ، مجهدا نفسي في الزيادة من ذلك ، لقوله - تعالى - : أفلا أكون عبدا شكورا لئن شكرتم لأزيدنكم [ إبراهيم : 7 ] .
ومن أسمائه - تعالى - : العليم ، والعلام . وعالم الغيب ، والشهادة .
ووصف نبيه - صلى الله عليه وسلم - بالعلم ، وخصه بمزية منه ، فقال - تعالى - : وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما [ النساء : 113 ] . ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون [ البقرة : 151 ] .
ومن أسمائه - تعالى - : الأول ، والآخر ، ومعناهما السابق للأشياء قبل ، وجودها ، والباقي بعد فنائها . وتحقيقه أنه ليس له أول ، ولا آخر .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : كنت أول الأنبياء في الخلق ، وآخرهم في البعث . وفسر بهذا قوله - تعالى - : وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح [ الأحزاب : 7 ] ، فقدم محمدا - صلى الله عليه وسلم - .
وقد أشار إلى نحو منه - رضي الله عنه - . عمر بن الخطاب
ومنه قوله : . نحن الآخرون السابقون
وقوله : - صلى الله عليه وسلم - . أنا أول من تنشق الأرض عنه ، وأول من يدخل الجنة ، وأول شافع ، وأول مشفع وهو خاتم النبيين ، وآخر الرسل
ومن أسمائه - تعالى - : القوي . وذو القوة المتين ، ومعناه : القادر .
وقد وصفه الله - تعالى - بذلك ، فقال : ذي قوة عند ذي العرش مكين [ التكوير : 20 ] ، قيل محمد ، وقيل جبريل .
ومن أسمائه - تعالى - : الصادق ، في الحديث المأثور .
وورد في الحديث أيضا اسمه - صلى الله عليه وسلم - بالصادق ، والمصدوق .
ومن أسمائه - تعالى - : الولي ، والمولى ، ومعناهما الناصر ، وقد قال الله - تعالى - : إنما وليكم الله ورسوله [ المائدة : 55 ] .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : أنا ولي كل مؤمن .
وقال الله - تعالى - : النبي أولى بالمؤمنين [ ص: 267 ] [ الأحزاب : 6 ] .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : فعلي مولاه . من كنت مولاه
ومن أسمائه - تعالى - : العفو ، ومعناه الصفوح .
وقد وصف الله - تعالى - بهذا نبيه في القرآن والتوراة ، وأمره بالعفو ، فقال - تعالى - : خذ العفو [ الأعراف : 199 ] .
وقال : فاعف عنهم واصفح [ المائدة : 13 ] .
وقال له جبريل وقد سأله عن قوله : خذ العفو [ الأعراف : 199 ] ، قال : أن تعفو عمن ظلمك .
وقال في الحديث المشهور ، في صفته : ليس بفظ ، ولا غليظ ، ولكن يعفو ، ويصفح . في التوراة ، والإنجيل
ومن أسمائه - تعالى - : الهادي ، وهو بمعنى توفيق الله لمن أراد من عباده ، وبمعنى الدلالة ، والدعاء . قال الله - تعالى - : والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم [ يونس : 25 ] . وقال فيه : وداعيا إلى الله بإذنه [ الأحزاب : 46 ] .
فالله - تعالى - مختص بالمعنى الأول قال - تعالى - : إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء [ القصص : 56 ] .
وبمعنى الدلالة يطلق على غيره - تعالى - .
ومن أسمائه - تعالى - : المؤمن المهيمن قيل : هما بمعنى واحد ، فمعنى المؤمن في حقه - تعالى - : المصدق وعده عباده ، والمصدق قوله الحق ، والمصدق لعباده المؤمنين ، ورسله ، وقيل : الموحد نفسه ، وقيل : المؤمن عباده في الدنيا من ظلمه ، والمؤمنين في الآخرة من عذابه .
وقيل : المهيمن بمعنى الأمين ، مصغر منه ، فقلبت الهمزة هاء .
وقد قيل : إن قولهم في الدعاء : آمين إنه اسم من أسماء الله - تعالى - ، ومعناه معنى المؤمن .
وقيل : المهيمن بمعنى الشاهد ، والحافظ .
والنبي - صلى الله عليه وسلم - أمين ، ومهيمن ومؤمن وقد سماه الله - تعالى - أمينا ، فقال : مطاع ثم أمين [ التكوير : 21 ] .
وكان - صلى الله عليه وسلم - يعرف بالأمين ، وشهر به قبل النبوة ، وبعدها ، وسماه العباس ، في شعره مهيمنا في قوله :
ثم احتوى بيتك المهيمن من خندف علياء تحتها النطق
قيل : المراد : يا أيها المهيمن قاله القتيبي ، . والإمام أبو القاسم القشيري
وقال - تعالى - : يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين [ التوبة : 61 ] ، أي يصدق .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : أنا آمنة لأصحابي فهذا بمعنى المؤمن .
[ ص: 268 ] ومن أسمائه - تعالى - : القدوس ، ومعناه المنزه عن النقائص المطهر من سمات الحدث ، وسمي بيت المقدس ، لأنه يتطهر فيه من الذنوب ، ومنه الوادي المقدس ، وروح القدس .
ووقع في كتب الأنبياء في أسمائه - صلى الله عليه وسلم - : المقدس ، أي المطهر من الذنوب ، كما قال - تعالى - : ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر [ الفتح : 2 ] .
أو الذي يتطهر به من الذنوب ، ويتنزه باتباعه عنها ، كما قال تعالى : يخرجهم من الظلمات إلى النور [ المائدة : 16 ] .
أو يكون مقدسا بمعنى مطهرا من الأخلاق الذميمة ، والأوصاف الدنيئة .
ومن أسمائه - تعالى - : العزيز ، ومعناه : الممتنع الغالب ، أو الذي لا نظير له ، أو المعز لغيره ، وقال - تعالى - : ولله العزة ولرسوله [ المنافقون : 8 ] ، أي الامتناع ، وجلالة القدر .
وقد وصف الله - تعالى - نفسه بالبشارة ، والنذارة ، فقال : يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان [ التوبة : 21 ] .
وقال : أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من [ آل عمران : 39 ] .
وسماه الله - تعالى - مبشرا ، ونذيرا : أي مبشرا لأهل طاعته ، ونذيرا لأهل معصيته .
ومن أسمائه - تعالى - فيما ذكره بعض المفسرين : " طه " ، و " يس " . وقد ذكر بعضهم أيضا أنهما من أسماء محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وشرف وكرم .