( وأما ) السؤر المكروه  فهو سؤر سباع الطير ، كالبازي والصقر والحدأة ونحوها  [ ص: 65 ] استحسانا ، والقياس أن يكون نجسا اعتبارا بلحمها كسؤر سباع الوحش ، وجه الاستحسان أنها تشرب بمنقارها - وهو عظم جاف فلم يختلط لعابها بسؤرها بخلاف سؤر سباع الوحش ; ولأن صيانة الأواني عنها متعذرة ; لأنها تنقض من الهواء فتشرب بخلاف سباع الوحش ، إلا أنه يكره ; لأن الغالب أنها تتناول الجيف والميتات فكان منقارها في معنى منقار الدجاجة المخلاة ، ( وكذا ) سؤر سواكن البيوت كالفأرة والحية والوزغة والعقرب ونحوها ، ( وكذا ) سؤر الهرة في رواية الجامع الصغير وذكر في كتاب الصلاة : أحب إلي أن يتوضأ بغيره ولم يذكر الكراهة ، وعن  أبي يوسف   والشافعي  لا يكره ، ( واحتجا ) بما روي { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصغي لها الإناء فتشرب منه ، ثم يشرب ويتوضأ به   }  ولأبي حنيفة  ما روى  أبو هريرة  رضي الله عنه موقوفا عليه ومرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : { الهرة سبع   } وهذا بيان حكمها . 
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : { يغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاثا ، ومن ولوغ الهرة مرة   } والمعنى في كراهته من وجهين : أحدهما : ما ذكره  الطحاوي  وهو أن الهرة نجسة لنجاسة لحمها ، لكن سقطت نجاسة سؤرها ; لضرورة الطواف فبقيت الكراهة لإمكان التحرز في الجملة ، والثاني : ما ذكره  الكرخي  وهو أنها ليست بنجسة ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم نفى عنها النجاسة بقوله : { الهرة ليست بنجسة   } ولكن الكراهة لتوهم أخذها الفأرة فصار فمها كيد المستيقظ من نومه ، وما روي من الحديث يحتمل أنه كان قبل تحريم السباع ، ثم نسخ على مذهب  الطحاوي  ، ويحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم علم من طريق الوحي أن تلك الهرة لم يكن على فمها نجاسة - على مذهب  الكرخي    - أو يحمل فعله صلى الله عليه وسلم على بيان الجواز ، وعلى هذا تناول بقية طعام أكلته وتركها لتلحس القدر إن ذلك محمول على تعليم الجواز ولو أكلت الفأرة ، ثم شربت الماء  قال  أبو حنيفة    : إن شربته على الفور تنجس الماء وإن مكثت ، ثم شربت لا يتنجس وقال  أبو يوسف   ومحمد    : يتنجس بناء على ما ذكرنا من الأصلين في سؤر شارب الخمر والله أعلم . 
				
						
						
