أمس : أمس : من ظروف الزمان مبني على الكسر إلا أن ينكر أو يعرف ، وربما بني على الفتح ، والنسبة إليه إمسي ، على غير قياس . قال ابن جني : امتنعوا من إظهار الحرف الذي يعرف به أمس حتى اضطروا بذلك إلى بنائه لتضمنه معناه ، ولو أظهروا ذلك الحرف فقالوا مضى الأمس بما فيه لما كان خلفا ولا خطأ ; فأما قول نصيب :
[ ص: 154 ]
وإني وقفت اليوم والأمس قبله ببابك حتى كادت الشمس تغرب
فإن ابن الأعرابي قال : روي الأمس والأمس جرا ونصبا فمن جره فعلى الباب فيه وجعل اللام مع الجر زائدة ، واللام المعرفة له مرادة فيه وهو نائب عنها ومضمن لها ، فكذلك قوله والأمس هذه اللام زائدة فيه ، والمعرفة له مرادة فيه محذوفة منه ، يدل على ذلك بناؤه على الكسر ، وهو في موضع نصب كما يكون مبنيا إذا لم تظهر اللام في لفظه وأما من قال : والأمس فإنه لم يضمنه معنى اللام فيبنيه ولكنه عرفه كما عرف اليوم بها ، وليست هذه اللام في قول من قال : والأمس فنصب هي تلك اللام التي في قول من قال : والأمس فجر ، تلك لا تظهر أبدا لأنها في تلك اللغة لم تستعمل مظهرة ، ألا ترى أن من ينصب غير من يجر ؟ فكل منهما لغة وقياسهما على ما نطق به منهما لا تداخل أختها ولا نسبة في ذلك بينها وبينها . الكسائي : العرب تقول : كلمتك أمس وأعجبني أمس يا هذا ، وتقول في النكرة : أعجبني أمس وأمس آخر ، فإذا أضفته أو نكرته أو أدخلت عليه الألف واللام للتعريف أجريته بالإعراب ، تقول : كان أمسنا طيبا ورأيت أمسنا المبارك ومررت بأمسنا المبارك ، ويقال : مضى الأمس بما فيه ; قال الفراء : ومن العرب من يخفض الأمس وإن أدخل عليه الألف واللام ، كقوله :
وإني قعدت اليوم والأمس قبله
، قال أبو سعيد : تقول جاءني أمس فإذا نسبت شيئا إليه كسرت الهمزة ، قلت إمسي على غير قياس ; قال العجاج :
وجف عنه العرق الإمسي
قال العجاج :
كأن إمسيا به من أمس يصفر لليبس اصفرار الورس
الجوهري : أمس اسم حرك آخره لالتقاء الساكنين ، واختلف العرب فيه فأكثرهم يبنيه على الكسر معرفة ، ومنهم من يعربه معرفة ، وكلهم يعربه إذا أدخل عليه الألف واللام أو صيره نكرة أو أضافه . غيره : ابن السكيت : تقول ما رأيته مذ أمس ، فإن لم تره يوما قبل ذلك قلت : ما رأيته مذ أول من أمس ، فإن لم تره يومين قبل ذلك قلت : ما رأيته مذ أول من أول من أمس . قال ابن الأنباري : أدخل اللام والألف على أمس وتركه على كسره لأن أصل أمس عندنا من الإمساء فسمي الوقت بالأمر ولم يغير لفظه ; من ذلك قول الفرزدق :
ما أنت بالحكم الترضى حكومته ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل
فأدخل الألف واللام على ترضى ، وهو فعل مستقبل على جهة الاختصاص بالحكاية ; وأنشد الفراء :
أخفن أطناني إن شكين وإنني لفي شغل عن دحلي اليتتبع
فأدخل الألف واللام على يتتبع ، وهو فعل مستقبل لما وصفنا . قال ابن كيسان في أمس : يقولون إذا نكروه : كل يوم يصير أمسا ، وكل أمس مضى فلن يعود ، ومضى أمس من الأموس . قال البصريون : إنما لم يتمكن أمس في الإعراب لأنه ضارع الفعل الماضي وليس بمعرب ; قال الفراء : إنما كسرت لأن السين طبعها الكسر ، وقال الكسائي : أصلها الفعل أخذ من قولك أمس بخير ثم سمي به ، وقال أبو الهيثم : السين لا يلفظ بها إلا من كسر الفم ما بين الثنية إلى الضرس وكسرت لأن مخرجها مكسور في قول الفراء ; وأنشد :
وقافية بين الثنية والضرس
، قال ابن بزرج : قال عرام : ما رأيته مذ أمس الأحدث ، وأتاني أمس الأحدث ، قال بجاد : عهدي به أمس الأحدث ، وأتاني أمس الأحدث ، قال : ويقال ما رأيته قبل أمس بيوم ; يريد من أول من أمس وما رأيته قبل البارحة بليلة . قال الجوهري : قال سيبويه ، وقد جاء في ضرورة الشعر مذ أمس بالفتح ; وأنشد :
لقد رأيت عجبا مذ أمسا عجائزا مثل السعالي خمسا
يأكلن ما في رحلهن همسا لا ترك الله لهن ضرسا !
قال ابن بري : اعلم أن أمس مبنية على الكسر عند أهل الحجاز ، وبنو تميم يوافقونهم في بنائها على الكسر في حال النصب والجر ، فإذا جاءت أمس في موضع رفع أعربوها فقالوا : ذهب أمس بما فيه ، وأهل الحجاز يقولون : ذهب أمس بما فيه لأنها مبنية لتضمنها لام التعريف ، والكسرة فيها لالتقاء الساكنين ، وأما بنو تميم فيجعلونها في الرفع معدولة عن الألف واللام ، فلا تصرف للتعريف والعدل ، كما لا يصرف سحر إذا أردت به وقتا بعينه للتعريف والعدل ; وشاهد قول أهل الحجاز في بنائها على الكسر ، وهي في موضع رفع قول أسقف نجران :
منع البقاء تقلب الشمس وطلوعها من حيث لا تمسي
اليوم أجهل ما يجيء به ومضى بفصل قضائه أمس
فعلى هذا تقول : ما رأيته مذ أمس في لغة الحجاز ، جعلت مذ اسما أو حرفا ، فإن جعلت مذ اسما رفعت في قول بني تميم فقلت : ما رأيته مذ أمس ، وإن جعلت مذ حرفا وافق بنو تميم أهل الحجاز في بنائها على الكسر فقالوا : ما رأيته مذ أمس ; وعلى ذلك قول الراجز يصف إبلا :
ما زال ذا هزيزها مذ أمس صافحة خدودها للشمس
فمذ هاهنا حرف خفض على مذهب بني تميم ، وأما على مذهب أهل الحجاز فيجوز أن يكون مذ اسما ويجوز أن يكون حرفا . وذكر سيبويه أن من العرب من يجعل أمس معدولة في موضع الجر بعد مذ خاصة ، يشبهونها بمذ إذا رفعت في قولك ما رأيته مذ أمس ، ولما كانت أمس معربة بعد مذ التي هي اسم ، كانت أيضا معربة مع مذ التي هي حرف لأنها بمعناها ، قال : فبان لك بهذا غلط من يقول إن أمس في قوله :
لقد رأيت عجبا مذ أمسا
[ ص: 155 ] مبنية على الفتح بل هي معربة ، والفتحة فيها كالفتحة في قولك مررت بأحمد . وشاهد بناء أمس - إذا كانت في موضع نصب - قول زياد الأعجم :
رأيتك أمس خير بني معد وأنت اليوم خير منك أمس
وشاهد بنائها ، وهي في موضع الجر قول عمرو بن الشريد :
ولقد قتلتكم ثناء وموحدا وتركت مرة مثل أمس المدبر
وكذا قول الآخر :
وأبي الذي ترك الملوك وجمعهم بصهاب ، هامدة كأمس الدابر
قال : واعلم أنك إذا نكرت أمس أو عرفتها بالألف واللام أو أضفتها أعربتها فتقول في التنكير : كل غد صائر أمسا ، وتقول في الإضافة ومع لام التعريف : كان أمسنا طيبا وكان الأمس طيبا ; وشاهده قول نصيب :
وإني حبست اليوم والأمس قبله ببابك حتى كادت الشمس تغرب
قال : وكذلك لو جمعته لأعربته كقول الآخر :
مرت بنا أول من أموس تميس فينا مشية العروس
قال الجوهري : ولا يصغر أمس كما لا يصغر غد والبارحة وكيف وأين ومتى وأي وما وعند وأسماء الشهور والأسبوع غير الجمعة . قال ابن بري : الذي حكاه الجوهري في هذا صحيح إلا قوله " غير " الجمعة لأن الجمعة عند سيبويه مثل سائر أيام الأسبوع لا يجوز أن يصغر ، وإنما امتنع تصغير أيام الأسبوع عند النحويين لأن المصغر إنما يكون صغيرا بالإضافة إلى ما له مثل اسمه كبيرا ، وأيام الأسبوع متساوية لا معنى فيها للتصغير ، وكذلك غد والبارحة وأسماء الشهور مثل المحرم وصفر .


