الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ فصد ]

                                                          فصد : الفصد : شق العرق ; فصده يفصده فصدا وفصادا ، فهو مفصود وفصيد . وفصد الناقة : شق عرقها ليستخرج دمه فيشربه . وقال الليث : الفصد قطع العروق . وافتصد فلان إذا قطع عرقه ففصد ، وقد فصدت وافتصدت . ومن أمثالهم في الذي يقضى له بعض حاجته دون تمامها : لم يحرم من فصد له ، بإسكان الصاد ، مأخوذ من الفصيد الذي كان يصنع في الجاهلية ويؤكل ، يقول : كما يتبلغ المضطر بالفصيد فاقنع أنت بما ارتفع من قضاء حاجتك وإن لم تقض كلها . ابن سيده : وفي المثل : لم يحرم من فصد له ، ويروى : لم يحرم من فزد له أي فصد له البعير ، ثم سكنت الصاد تخفيفا ، كما قالوا في ضرب : ضرب ، وفي قتل : قتل ; كقول أبي النجم :


                                                          لو عصر منه البان والمسك انعصر



                                                          فلما سكنت الصاد وضعفت ضارعوا بها الدال التي بعدها بأن قلبوها إلى أشبه الحروف بالدال من مخرج الصاد ، وهو الزاي لأنها مجهورة كما أن الدال مجهورة ، فقالوا : فزد ، فإن تحركت الصاد هنا لم يجز البدل فيها ، وذلك نحو صدر وصدف لا تقول فيه زدر ولا زدف ، وذلك أن الحركة قوت الحرف وحصنته فأبعدته من الانقلاب ، بل قد يجوز فيها إذا تحركت إشمامها رائحة الزاي ، فأما أن تخلص زايا وهي متحركة كما تخلص وهي ساكنة فلا ، وإنما تقلب الصاد زايا وتشم رائحتها إذا وقعت قبل الدال ، فإن وقعت قبل غيرها لم يجز ذلك فيها ، وكل صاد وقعت قبل الدال فإنه يجوز أن تشمها رائحة الزاي إذا تحركت ، وأن تقلبها زايا محضا إذا سكنت ، وبعضهم يقول : قصد له ، بالقاف أي من أعطي قصدا أي قليلا ، وكلام العرب بالفاء ، قال يعقوب : والمعنى لم يحرم من أصاب بعض حاجته ، وإن لم ينلها كلها ، وتأويل هذا أن الرجل كان يضيف الرجل في شدة الزمان فلا [ ص: 187 ] يكون عنده ما يقريه ، ويشح أن ينحر راحلته فيفصدها فإذا خرج الدم سخنه للضيف إلى أن يجمد ويقوى فيطعمه إياه فجرى المثل في هذا فقيل : لم يحرم من فزد له أي لم يحرم القرى من فصدت له الراحلة فحظي بدمها ، يستعمل ذلك فيمن طلب أمرا فنال بعضه . والفصيد : دم كان يوضع في الجاهلية في معى من فصد عرق البعير ويشوى ، وكان أهل الجاهلية يأكلونه ويطعمونه الضيف في الأزمة . ابن كثوة : الفصيدة تمر يعجن ويشاب بشيء من دم وهو دواء يداوى به الصبيان ، قاله في تفسير قولهم : ما حرم من فصد له . وفي حديث أبي رجاء العطاردي أنه قال : لما بلغنا أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أخذ في القتل هربنا فاستثرنا شلو أرنب دفينا وفصدنا عليها فلا أنسى تلك الأكلة ; قوله : فصدنا عليها ; يعني الإبل وكانوا يفصدونها ويعالجون ذلك الدم ويأكلونه عند الضرورة أي فصدنا على شلو الأرنب بعيرا ، وأسلنا عليه دمه وطبخناه وأكلنا . وأفصد الشجر وانفصد : انشقت عيون ورقه وبدت أطرافه . والمنفصد : السائل وكذلك المتفصد . يقال : تفصد جبينه عرقا ، إنما يريدون تفصد عرق جبينه ، وكذلك هذا الضرب من التمييز إنما هو في نية الفاعل . وانفصد الشيء وتفصد : سال . وفي الحديث : أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، كان إذا نزل عليه الوحي تفصد عرقا . يقال : هو يتفصد عرقا ويتبضع عرقا أي يسيل عرقا . معناه أي سال عرقه تشبيها في كثرته بالفصاد ، وعرقا منصوب على التمييز . وقال ابن شميل : رأيت في الأرض تفصيدا من السيل أي تشققا وتخددا . وقال أبو الدقيش : التفصيد أن ينقع بشيء من ماء قليل . ويقال : فصد له عطاء أي قطع له وأمضاه يفصده فصدا .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية