[ ص: 648 ] ذكر ابتداء الوحي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم 
 قالت عائشة    - رضي الله عنها : كان أول ما ابتدئ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوحي الرؤيا الصادقة ، كانت تجيء مثل فلق الصبح ، ثم حبب إليه الخلاء ، فكان بغار حراء  يتعبد فيه الليالي ذوات العدد ، ثم يرجع إلى أهله فيتزود لمثلها ، حتى فجأة الحق ، فأتاه جبرائيل  فقال : يا محمد  أنت رسول الله . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : فجثوت لركبتي ثم رجعت ترجف بوادري ، فدخلت على  خديجة  فقلت : زملوني زملوني ! ثم ذهب عني الروع ، ثم أتاني فقال : يا محمد  أنت رسول الله . قال : فلقد هممت أن أطرح نفسي من حالق ، فتبدى لي حين هممت بذلك فقال : يا محمد  أنا جبرائيل  وأنت رسول الله ، قال : اقرأ . قلت : وما أقرأ ؟ قال : فأخذني فغتني ثلاث مرات حتى بلغ مني الجهد ، ثم قال : ( اقرأ باسم ربك الذي خلق    ) ، فقرأت . فأتيت  خديجة  ، فقلت : لقد أشفقت على نفسي ، وأخبرتها خبري ، فقالت : أبشر ، فوالله لا يخزيك الله أبدا ، فوالله إنك لتصل الرحم ، وتصدق الحديث ، وتؤدي الأمانة ، وتحمل الكل ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق ، ثم انطلقت بي إلى  ورقة بن نوفل  ، وهو ابن عمها ، وكان قد تنصر ، وقرأ الكتب ، وسمع من أهل التوراة والإنجيل ، فقالت : اسمع من ابن أخيك . فسألني فأخبرته خبري . فقال : هذا الناموس الذي أنزل على موسى بن عمران  ، ليتني كنت حيا حين يخرجك قومك . قلت : أمخرجي هم ؟ قال : نعم ، إنه لم يجئ أحد بمثل ما جئت به إلا عودي ، ولئن أدركني يومك لأنصرنك نصرا مؤزرا   . 
 [ ص: 649 ] ثم إن أول ما نزل عليه من القرآن بعد اقرأ : ( ن والقلم وما يسطرون    ( و ( ياأيها المدثر    ) ، و ( والضحى    ) . 
وقالت  خديجة  لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما تثبته فيما أكرمه الله به من نبوته : يا ابن عم أتستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك ؟ قال : نعم . فجاءه جبرائيل  ، فأعلمها . فقالت : قم فاجلس على فخذي اليسرى ، فقام - صلى الله عليه وسلم - فجلس عليها . فقالت : هل تراه ؟ قال : نعم . قالت : فتحول فاقعد على فخذي اليمنى . فجلس عليها ، فقالت : هل تراه ؟ قال نعم . فتحسرت فألقت خمارها ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجرها ، ثم قالت : هل تراه ؟ قال : لا . قالت : يا ابن عم اثبت وأبشر ، فوالله إنه ملك ، وما هو بشيطان ! 
وقال   يحيى بن أبي كثير     : سألت  أبا سلمة  عن أول ما نزل من القرآن ، قال : نزلت ( ياأيها المدثر    ) أول . قال : قلت : إنهم يقولون ( اقرأ باسم ربك    ) . قال : سألت   جابر بن عبد الله  قال : لا أحدثك إلا ما حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : جاورت بحراء  فلما قضيت جواري هبطت فسمعت صوتا ، فنظرت عن يميني فلم أر شيئا ، ونظرت عن يساري فلم أر شيئا ، ونظرت خلفي وأمامي فلم أر شيئا ، فرفعت رأسي فإذا هو - يعني الملك - جالس على عرش بين السماء والأرض ، فخشيت منه ، فأتيت  خديجة  فقلت : دثروني دثروني ، وصبوا علي ماء ففعلوا ، فنزلت : ( ياأيها المدثر    ) ، هذا حديث صحيح . 
قال   هشام بن الكلبي     : أتى جبرائيل  النبي - صلى الله عليه وسلم - أول ما أتاه ليلة السبت وليلة الأحد ، ثم ظهر له برسالة الله يوم الاثنين فعلمه الوضوء والصلاة ، وعلمه : ( اقرأ باسم ربك الذي خلق    ) ،   [ ص: 650 ] وكان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعون سنة   . 
قال   الزهري     : فتر الوحي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فترة ، فحزن حزنا شديدا ، وجعل يغدو إلى رءوس الجبال ليتردى منها ، فكلما رقي ذروة جبل تبدى له جبرائيل  فيقول : إنك رسول الله حقا . فيسكن لذلك جأشه وترجع نفسه . فلما أمر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن ينذر قومه عذاب الله على ما هم عليه من عبادة الأصنام دون الله الذي خلقهم ورزقهم ، وأن يحدث بنعمة ربه عليه   - وهي النبوة في قول   ابن إسحاق     - فكان يذكر ذلك سرا لمن يطمئن إليه من أهله ، فكان أول من آمن به وصدقه من خلق الله تعالى  خديجة بنت خويلد  زوجته . 
قال   الواقدي     : أجمع أصحابنا على أن أول أهل القبلة استجاب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -  خديجة     . 
ثم كان أول شيء فرض الله من شرائع الإسلام عليه بعد الإقرار بالتوحيد والبراءة من الأوثان : الصلاة ، وأن الصلاة لما فرضت عليه - صلى الله عليه وسلم - أتاه جبرائيل  وهو بأعلى مكة  فهمز له بعقبه في ناحية الوادي ، فانفجرت فيه عين ، فتوضأ جبرائيل  وهو ينظر إليه ليريه كيف الطهور للصلاة ، ثم توضأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثله ، ثم قام جبرائيل  فصلى به ، وصلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بصلاته ، ثم انصرف . وجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى  خديجة  فعلمها الوضوء ، ثم صلى بها فصلت بصلاته . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					