ذكر المعراج برسول الله - صلى الله عليه وسلم  
اختلف الناس في وقت المعراج ، فقيل : كان قبل الهجرة بثلاث سنين ، وقيل بسنة واحدة . 
 [ ص: 651 ] واختلفوا في الموضع الذي أسري برسول الله - صلى الله عليه وسلم - منه ، فقيل : كان نائما بالمسجد في الحجر  ، فأسري به منه ، وقيل : كان نائما في بيت  أم هانئ بنت أبي طالب  ، وقائل هذا يقول : الحرم كله مسجد . 
وقد روى حديث المعراج جماعة من الصحابة بأسانيد صحيحة . 
قالوا : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : أتاني جبرائيل  وميكائيل  فقالا : بأيهم أمرنا ؟ فقالا : أمرنا بسيدهم ، ثم ذهبا ، ثم جاءا من القابلة وهم ثلاثة ، فألفوه وهو نائم ، فقلبوه لظهره وشقوا بطنه ، وجاءوا بماء زمزم  فغسلوا ما كان في بطنه من غل وغيره ، وجاءوا بطست مملوء إيمانا وحكمة ، فملئ قلبه وبطنه إيمانا وحكمة . قال : وأخرجني جبرائيل  من المسجد وإذا أنا بدابة ، وهي البراق ، وهي فوق الحمار ودون البغل ، يقوع خطوه عند منتهى طرفه ، فقال : اركب ، فلما وضعت يدي عليه تشامس واستصعب . فقال جبرائيل    : يا براق ما ركبك نبي أكرم على الله من محمد  ، فانصب عرقا وانخفض لي حتى ركبته ، وسار بي جبرائيل  نحو المسجد الأقصى  ، فأتيت بإنائين أحدهما لبن والآخر خمر ، فقيل لي : اختر أحدهما ، فأخذت اللبن فشربته ، فقيل لي : أصبت الفطرة ، أما إنك لو شربت الخمر لغوت أمتك بعدك . 
ثم سرنا فقال لي : انزل فصل ، فنزلت فصليت ، فقال : هذه طيبة  وإليها المهاجر . 
ثم سرنا فقال لي : انزل فصل ، فنزلت فصليت ، فقال : هذا طور سيناء  حيث كلم الله موسى  ، ثم سرنا فقال : انزل فصل ، فنزلت فصليت ، فقال : هذا بيت لحم  حيث ولد عيسى    . ثم سرنا حتى أتينا بيت المقدس  ، فلما انتهينا إلى باب المسجد أنزلني جبرائيل  وربط البراق بالحلقة التي كان يربط بها الأنبياء . فلما دخلت المسجد إذا أنا بالأنبياء حوالي ، وقيل : بأرواح الأنبياء الذين بعثهم الله قبلي ، فسلموا علي ، فقلت : يا جبرائيل  من هؤلاء ؟ قال : إخوانك من الأنبياء ، زعمت قريش  أن لله شريكا ، وزعمت النصارى  أن لله ولدا ، سل هؤلاء النبيين هل كان لله - عز وجل - شريك أو ولد ، فذلك قوله تعالى : ( واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون    ) فأقروا   [ ص: 652 ] بالوحدانية لله - عز وجل - ثم جمعهم جبرائيل  وقدمني فصليت بهم ركعتين 
ثم انطلق بي جبرائيل  إلى الصخرة فصعد بي عليها ، فإذا معراج إلى السماء ، لا ينظر الناظرون إلى شيء أحسن منه ومنه تعرج الملائكة ، أصله في صخرة بيت المقدس  ورأسه ملتصق بالسماء ، فاحتملني جبرائيل  ووضعني على جناحه وصعد بي إلى السماء الدنيا فاستفتح ، فقيل : من هذا ؟ قال جبرائيل    . قيل : ومن معك ؟ قال : محمد    . قيل : وقد بعث إليه ؟ قال : نعم . قيل : مرحبا به ونعم المجيء جاء ! ففتح ، فدخلنا فإذا أنا برجل تام الخلقة عن يمينه باب يخرج منه ريح طيبة وعن شماله باب يخرج منه ريح خبيثة ، فإذا نظر إلى الباب الذي عن يمينه ضحك ، وإذا نظر إلى الباب الذي عن يساره بكى . فقلت : من هذا ؟ وما هذان البابان ؟ فقال : هذا أبوك آدم  ، والباب الذي عن يمينه باب الجنة ، فإذا نظر إلى من يدخلها من ذريته ضحك ، والباب الذي عن يساره باب جهنم ، إذا نظر إلى من يدخلها من ذريته بكى وحزن . 
ثم صعد بي إلى السماء الثانية فاستفتح ، فقيل : من هذا ؟ قال : جبرائيل    . قيل : ومن معك ؟ قال : محمد    . قيل : وقد بعث إليه ؟ قال : نعم . قال : حياه الله ، مرحبا به ونعم المجيء جاء ! ففتح لنا . فدخلنا فإذا بشابين ، فقلت : يا جبرائيل  من هذان ؟ فقال : هذان عيسى بن مريم  ويحيى بن زكرياء    . 
ثم صعد بي إلى السماء الثالثة فاستفتح ، قيل : من هذا ؟ قال : جبرائيل    . قيل : ومن معك ؟ قال محمد    . قيل : وقد بعث إليه ؟ قال : نعم . قيل : مرحبا به نعم المجيء جاء ! فدخلنا ، فإذا أنا برجل قد فضل الناس بالحسن . قلت : من هذا يا جبرائيل  ؟ قال : هذا أخوك يوسف    . 
ثم صعد بي إلى السماء الرابعة فاستفتح ، قيل : من هذا ؟ قال : جبرائيل    . قيل : ومن معك ؟ قال : محمد    . قيل : وقد بعث إليه ؟ قال : نعم . قيل : مرحبا به ، ونعم المجيء جاء ! فدخلنا ، فإذا أنا برجل ، فقلت : من هذا ؟ قال : إدريس  رفعه الله مكانا عليا . 
ثم صعد بي إلى السماء الخامسة ، فاستفتح ، فقيل : من هذا ؟ قال : جبرائيل    . قيل : ومن معك ؟ قال : محمد    . قيل : وقد بعث إليه ؟ قال : نعم . قيل : مرحبا به ونعم المجيء جاء ! فدخلنا ، فإذا رجل جالس وحوله قوم يقص عليهم . قلت : من هذا ؟ قال : هذا هارون  والذين حوله بنو إسرائيل    . 
ثم صعد بي إلى السماء السادسة فاستفتح ، فقيل : من هذا ؟ قال : جبرائيل    . قيل : ومن معك ؟ قال : محمد    . قيل : وقد بعث إليه ؟ قال : نعم . قيل : مرحبا به ، ونعم المجيء جاء ! فدخلنا ، فإذا أنا برجل جالس فجاوزناه ، فبكى الرجل ، فقلت : يا جبرائيل  من هذا ؟ قال : هذا موسى    . قلت : فما باله يبكي ؟ قال : يزعم بنو إسرائيل  أني أكرم على الله من آدم  ، وهذا الرجل من بني آدم قد خلفني وراءه . 
 [ ص: 653 ] قال : ثم صعد بي إلى السماء السابعة فاستفتح ، فقيل : من هذا ؟ قال : جبرائيل    . قيل : ومن معك ؟ قال : محمد    . قيل : وقد بعث إليه ؟ قال : نعم . قيل : مرحبا به ، ونعم المجيء جاء ! فدخلنا ، فإذا رجل أشمط جالس على كرسي على باب الجنة ، وحوله قوم بيض الوجوه أمثال القراطيس ، وقوم في ألوانهم شيء . فقام الذين في ألوانهم شيء فاغتسلوا في نهر ، وخرجوا وقد صارت وجوههم مثل وجوه أصحابهم . فقلت : من هذا ؟ قال : أبوك إبراهيم  ، وهؤلاء البيض الوجوه قوم لم يلبسوا إيمانهم بظلم ، وأما الذين في ألوانهم شيء فقوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ، فتابوا فتاب الله عليهم ، وإذا إبراهيم  مستند إلى بيت ، فقال : هذا البيت المعمور  يدخله كل يوم سبعون ألفا من الملائكة لا يعودون إليه . 
قال : وأخذني جبرائيل  فانتهينا إلى سدرة المنتهى ، وإذا نبقها مثل قلال هجر  ، يخرج من أصلها أربعة أنهار : نهران باطنان ، ونهران ظاهران ، فأما الباطنان ففي الجنة ، وأما الظاهران فالنيل  والفرات  ، قال : وغشيها من نور الله ما غشيها ، وغشيها الملائكة كأنهم جراد من ذهب من خشية الله ، وتحولت حتى ما يستطيع أحد أن ينعتها ، وقام جبرائيل  في وسطها ، فقال جبرائيل    : تقدم يا محمد    . فتقدمت وجبرائيل  معي إلى الحجاب ، فأخذ بي ملك وتخلف عني جبرائيل  ، فقلت : إلى أين ؟ فقال : ( وما منا إلا له مقام معلوم    ) وهذا منتهى الخلائق . 
فلم أزل كذلك حتى وصلت إلى العرش ، فاتضح كل شيء عند العرش ، وكل لساني من هيبة الرحمن ، ثم أنطق الله لساني فقلت : التحيات المباركات والصلوات الطيبات لله ، وفرض الله علي وعلى أمتي في كل يوم وليلة خمسين صلاة . ورجعت إلى جبرائيل  فأخذ بيدي وأدخلني الجنة فرأيت القصور من الدر والياقوت والزبرجد ، ورأيت نهرا يخرج من أصله ماء أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل ، يجري على رضراض من الدر والياقوت والمسك ، فقال : هذا الكوثر الذي أعطاك ربك ، ثم عرض علي النار ، فنظرت إلى أغلالها وسلاسلها وحياتها وعقاربها وما فيها من العذاب . 
ثم أخرجني ، فانحدرنا حتى أتينا موسى  ، فقال : ماذا فرض عليك وعلى أمتك ؟ قلت : خمسين صلاة . قال : فإني قد بلوت بني إسرائيل  قبلك وعالجتهم أشد المعالجة   [ ص: 654 ] على أقل من هذا فلم يفعلوا ، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف . فرجعت إلى ربي وسألته ، فخفف عني عشرا . فرجعت إلى موسى  فأخبرته ، فقال : ارجع واسأله التخفيف . فرجعت فخفف عني عشرا ، فلم أزل بين ربي وموسى  حتى جعلها خمسا ، فقال : ارجع فاسأله التخفيف ، فقلت : إني قد استحييت من ربي وما أنا براجع ، فنوديت : إني قد فرضت عليك وعلى أمتك خمسين صلاة ، والخمس بخمسين ، وقد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي . 
ثم انحدرت أنا وجبرائيل  إلى مضجعي ، وكان ذلك في ليلة واحدة . 
فلما رجع إلى مكة  علم أن الناس لا يصدقونه ، فقعد في المسجد مغموما ، فمر به  أبو جهل  ، فقال له كالمستهزئ : هل استفدت الليلة شيئا ؟ قال : نعم ، أسري بي الليلة إلى بيت المقدس    . قال : ثم أصبحت بين ظهرانينا ؟ فقال : نعم . فخاف أن يخبر بذلك عنه فيجحده النبي ، فقال : أتخبر قومك بذلك ؟ فقال : نعم . فقال  أبو جهل     : يا معشر بني كعب بن لؤي  هلموا ، فأقبلوا . فحدثهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فمن بين مصدق ومكذب ، ومصفق وواضع يده على رأسه . وارتد الناس ممن كان آمن به وصدقه . 
وسعى رجال من المشركين إلى  أبي بكر  فقالوا : إن صاحبك يزعم كذا وكذا ! فقال : إن كان قال ذلك فقد صدق ، إني لأصدقه بما هو أبعد من ذلك ، أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة ، فسمي   أبو بكر الصديق  من يومئذ . 
قالوا : فانعت لنا المسجد الأقصى    . قال : فذهبت أنعت حتى التبس علي ، قال : فجيء بالمسجد . وإني أنظر إليه ، فجعلت أنعته . قالوا : فأخبرنا عن عيرنا . قال : قد مررت على عير بني فلان بالروحاء  ، وقد أضلوا بعيرا لهم وهم في طلبه ، فأخذت قدحا فيه ماء فشربته ، فسلوهم عن ذلك ، ومررت بعير بني فلان وفلان ، فرأيت راكبا وقعودا بذي مر  ، فنفر بكرهما مني فسقط فلان فانكسرت يده ، فسلوهما . قال : ومررت بعيركم بالتنعيم  يقدمها جمل أورق عليه غرارتان مخيطتان ، تطلع عليكم من طلوع الشمس . 
فخرجوا إلى الثنية فجلسوا ينظرون طلوع الشمس ليكذبوه إذ قال قائل : هذه الشمس قد طلعت . فقال آخر : والله هذه العير قد طلعت يقدمها بعير أورق كما قال . فلم يفلحوا وقالوا : إن هذا سحر مبين   . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					