ذكر إسلام   عمر بن الخطاب   
ثم أسلم  عمر  بعد تسعة وثلاثين رجلا ، وثلاث وعشرين امرأة ، وقيل : أسلم بعد أربعين رجلا ، وإحدى عشرة امرأة ، وقيل : أسلم بعد خمسة وأربعين رجلا ، وإحدى وعشرين امرأة . 
 [ ص: 680 ] وكان رجلا جلدا منيعا ، وأسلم بعد هجرة المسلمين إلى الحبشة    . وكان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يقدرون يصلون عند الكعبة  حتى أسلم  عمر  ، فلما أسلم قاتل قريشا  حتى صلى عندها ، وصلى معه أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم . 
وكان قد أسلم قبله   حمزة بن عبد المطلب  ، فقوي المسلمون بهما ، وعلموا أنهما سيمنعان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين . 
قالت أم عبد الله بنت أبي حثمة ، وكانت زوج عامر بن ربيعة    : إنا لنرحل إلى أرض الحبشة  ، وقد ذهب  عامر  لبعض حاجته ، إذ أقبل  عمر  وهو على شركه حتى وقف علي ، وكنا نلقى منه البلاء أذى وشدة ، فقال : أتنطلقون يا أم عبد الله  ؟ قالت : قلت : نعم والله لنخرجن في أرض الله ، فقد آذيتمونا وقهرتمونا ، حتى يجعل الله لنا فرجا . قالت : فقال : صحبكم الله ، ورأيت له رقة وحزنا . قالت : فلما عاد أخبرته وقلت له : لو رأيت  عمر  ورقته وحزنه علينا ! قال : أطمعت في إسلامه ؟ قلت : نعم . فقال : لا يسلم حتى يسلم حمار  الخطاب  ، لما كان يرى من غلظته وشدته على المسلمين ، فهداه الله تعالى فأسلم ، فصار على الكفار أشد منه على المسلمين . 
وكان سبب إسلامه أن أخته فاطمة بنت الخطاب  كانت تحت   سعيد بن زيد بن عمرو العدوي  ، وكانا مسلمين يخفيان إسلامهما من  عمر  ، وكان  نعيم بن عبد الله النحام العدوي  قد أسلم أيضا وهو يخفي إسلامه فرقا من قومه ، وكان   خباب بن الأرت  يختلف إلى فاطمة  يقرئها القرآن ، فخرج  عمر  يوما ومعه سيفه يريد النبي - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين ، وهم مجتمعون في دار  الأرقم   عند الصفا  ، وعنده من لم يهاجر من المسلمين في نحو أربعين رجلا ، فلقيه   نعيم بن عبد الله  فقال : أين تريد يا  عمر  ؟ فقال : أريد محمدا  الذي فرق أمر قريش  وعاب دينها فأقتله . فقال  نعيم     : والله لقد غرتك نفسك ، أترى بني عبد مناف  تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمدا  ؟ أفلا ترجع إلى أهلك فتقيم أمرهم ؟ قال : وأي أهلي ؟ قال : ختنك وابن عمتك وابن عمك   سعيد بن زيد  وأختك فاطمة  ، فقد والله أسلما . 
فرجع  عمر  إليهما وعندهما   خباب بن الأرت  يقرئهما القرآن . فلما سمعوا حس  عمر  تغيب  خباب  ، وأخذت فاطمة  الصحيفة فألقتها تحت فخذيها ، وقد سمع  عمر  قراءة  خباب     . فلما دخل قال : ما هذه الهينمة ؟ قالا : ما سمعت شيئا ؟ قال : بلى ، قد أخبرت   [ ص: 681 ] أنكما تابعتما محمدا  ، وبطش بختنه   سعيد بن زيد  ، فقامت إليه أخته لتكفه ، فضربها فشجها ، فلما فعل ذلك قالت له أخته : قد أسلمنا وآمنا بالله ورسوله ، فاصنع ما شئت . 
ولما رأى  عمر  ما بأخته من الدم ندم وقال لها : أعطني هذه الصحيفة التي سمعتكم تقرأون فيها الآن ، حتى أنظر إلى ما جاء به محمد    . قالت : إنا نخشاك عليها ، فحلف أنه يعيدها . قالت له : وقد طمعت في إسلامه : إنك نجس على شركك ، ولا يمسها إلا المطهرون ، فقام فاغتسل . فأعطته الصحيفة وقرأها ، وفيها : ( طه ) ، وكان كاتبا ، فلما قرأ بعضها قال : ما أحسن هذا الكلام وأكرمه ! فلما سمع  خباب  خرج إليه وقال : يا  عمر  إني والله لأرجو أن يكون الله قد خصك بدعوة نبيه ، فإني سمعته أمس وهو يقول : اللهم أيد الإسلام   بعمر بن الخطاب  أو  بأبي الحكم بن هشام  ، فالله الله يا  عمر     ! فقال  عمر  عند ذلك : فدلني يا  خباب  على محمد  حتى آتيه فأسلم . فدله  خباب  ، فأخذ سيفه وجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فضرب عليهم الباب ، فقام رجل منهم فنظر من خلل الباب ، فرآه متوشحا سيفه ، فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك ، فقال  حمزة     : ائذن له ، فإن كان جاء يريد خيرا بذلناه له ، وإن أراد شرا قتلناه بسيفه . 
فأذن له ، فنهض إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى لقيه فأخذ بمجامع ردائه ثم جذبه جذبة شديدة وقال : ما جاء بك ؟ ما أراك تنتهي حتى ينزل الله عليك قارعة . فقال  عمر     : يا رسول الله جئت لأومن بالله وبرسوله ، فكبر - صلى الله عليه وسلم - تكبيرة عرف من في البيت أن  عمر  أسلم   . فلما أسلم قال : أي قريش  أنقل للحديث ؟ قيل :  جميل بن معمر الجمحي  ، فجاءه فأخبره بإسلامه ، فمشى إلى المسجد  وعمر  وراءه وصرخ : يا معشر قريش  ألا إن  ابن الخطاب  قد صبأ . فيقول  عمر  من خلفه : كذب ولكني أسلمت ، فقاموا ، فلم يزل يقاتلهم ويقاتلونه حتى قامت الشمس وأعيا ، فقعد وهم على رأسه ، فقال : افعلوا ما بدا لكم ، فلو كنا ثلاثمائة نفر تركناها لكم أو تركتموها لنا ، يعني مكة    . 
فبينما هم كذلك إذ أقبل شيخ عليه حلة فقال : ما شأنكم ؟ قالوا : صبأ  عمر     . قال فمه ، رجل اختار لنفسه أمرا فماذا تريدون ؟ أترون بني عدي  يسلمون لكم صاحبهم هكذا ؟ خلوا عن الرجل . وكان الرجل  العاص بن وائل السهمي     . 
قال  عمر     : لما أسلمت أتيت باب  أبي جهل بن هشام  فضربت عليه بابه ، فخرج إلي وقال : مرحبا بابن أخي ! ما جاء بك ؟ قلت : جئت لأخبرك أني قد أسلمت وآمنت   [ ص: 682 ] بمحمد    - صلى الله عليه وسلم - وصدقت ما جاء به . قال : فضرب الباب في وجهي وقال : قبحك الله ، وقبح ما جئت به ! 
وقيل في إسلامه غير هذا . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					