ذكر وصول السلطان إلى بغداذ  وصلحه مع ابن أخيه  والأمير إياز   
لما وصل خبر وفاة   السلطان بركيارق  إلى أخيه  السلطان محمد  ، وهو يحاصر الموصل  ، جلس للعزاء ، وأصلح  جكرمش  ، صاحب الموصل  ، كما ذكرناه ، وسار إلى بغداذ  ومعه  سكمان القطبي  ، وهو ينسب إلى  قطب الدولة إسماعيل بن ياقوتي بن داود  ،  وإسماعيل ابن عم ملكشاه  ، وسار معه  جكرمش  وغيرهما من الأمراء . 
وكان   سيف الدولة صدقة  ، صاحب الحلة ، قد جمع خلقا كثيرا من العساكر ، فبلغت عدتهم خمسة عشر ألف فارس ، وعشرة آلاف راجل ، وأرسل ولديه  بدران  ودبيسا  إلى  السلطان محمد  يستحثه على المجيء إلى بغداذ  ، فاستصحبهما معه إلى بغداذ    . 
 [ ص: 506 ] فلما سمع  الأمير إياز  بمسيره إليه خرج هو والعسكر الذي معه من الدور ، ونصبوا الخيام بالزاهر  ، خارج بغداذ  ، وجمع الأمراء ، واستشارهم فيما يفعله ، فبذلوا له الطاعة واليمين على قتاله وحربه ، ومنعه عن السلطنة ، والاتفاق معه على طاعة  ملكشاه بن بركيارق     . 
وكان أشدهم في ذلك ينال وصباوة ، فإنهما بالغا في الإطماع في  السلطان محمد  ، والمنع له عن السلطنة ، فلما تفرقوا قال له وزيره  الصفي أبو المحاسن     : يا مولانا إن حياتي مقرونة بثبات نعمتك ودولتك ، وأنا أكثر التزاما بك من هؤلاء ، وليس الرأي ما أشاروا به ، فإن كلامهم يقصد أن يسلك طريقا ، وأن يقيم سوقا لنفسه بك ، وأكثرهم يناوئك في المنزلة ، وإنما يقعد بهم عن منازعتك قلة العدد والمال ، والصواب مصالحة  السلطان محمد  وطاعته ، وهو يقرك على إقطاعك ، ويزيدك عليه مهما أردت . 
فتردد رأي  الأمير إياز  بين الصلح والمباينة ، إلا أن حركته في المباينة ظاهرة ، وجمع السفن التي ببغداذ  عنده ، وضبط المشارع من متطرق إلى عسكره وإلى البلد . 
ووصل  السلطان محمد  إلى بغداذ  يوم الجمعة لثمان بقين من جمادى الأولى ، ونزل عند الجانب الغربي بأعلى بغداذ  ، وخطب له بالجانب الغربي ،  ولملكشاه بن بركيارق  بالجانب الشرقي ، وأما جامع المنصور  فإن الخطيب قال فيه : اللهم أصلح سلطان العالم ! وسكت . 
وخاف الناس من امتداد الشر والنهب ، فركب  إياز  في عسكره ، وهم عازمون على الحرب ، وسار إلى أن أشرف على عسكر  السلطان محمد  ، وعاد إلى مخيمه ، فدعا الأمراء إلى اليمين مرة ثانية على المخالصة لملكشاه ، فأجاب البعض ، وتوقف البعض ، وقالوا : قد حلفنا مرة ، ولا فائدة في إعادة اليمين ، لأننا إن وفينا بالأولى وفينا بالثانية ، وإن لم نف بالأولى فلا نفي بالثانية . 
فأمر  إياز  حينئذ وزيره  الصفي أبا المحاسن  بالعبور إلى  السلطان محمد  في الصلح ،   [ ص: 507 ] وتسليم السلطنة إليه ، وترك منازعته فيها ، فعبر يوم السبت لسبع بقين من الشهر إلى عسكر  محمد  ، واجتمع بوزيره  سعد الملك أبي المحاسن سعد بن محمد  ، فعرفه ما جاء فيه ، فحضرا عند  السلطان محمد  ، وأدى  الصفي  رسالة صاحبه  إياز  ، واعتذاره عما كان منه أيام  بركيارق  ، فأجابه  محمد  جوابا لطيفا سكن به قلبه وطيب نفسه ، وأجاب إلى ما التمس منه من اليمين . 
فلما كان الغد حضر قاضي القضاة ، والنقيبان ،  والصفي  وزير  إياز  ، عند  السلطان محمد  ، فقال له وزيره  سعد الملك     : إن  إياز  يخاف لما تقدم منه ، وهو يطلب العهد  لملكشاه  ابن أخيك ، ولنفسه ، وللأمراء الذين معه . فقال السلطان : أما  ملكشاه  فإنه ولدي ، ولا فرق بيني وبين أخي ، وأما  إياز  والأمراء فأحلف لهم ، إلا ينال الحسامي وصباوة ، فاستحلفه   إلكيا الهراس  ، مدرس النظامية ، على ذلك ، وحضر الجماعة اليمين ، فلما كان من الغد حضر  الأمير إياز  عند  السلطان محمد  ، فلقيه وزير السلطان ، والناس كافة ، ووصل   سيف الدولة صدقة  ، ذلك الوقت ، ودخلا جميعا إلى السلطان ، فأكرمهما ، وأحسن إليهما ، وقيل بل ركب السلطان ولقيهما ، ووقف أحدهما عن يمينه ، والآخر عن يساره ، وأقام السلطان ببغداذ  إلى شعبان ، وسار إلى أصبهان  ، وفعل فيها ما سنذكره ، إن شاء الله تعالى . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					