ذكر الخلف بين   سيف الدولة صدقة  ومهذب الدولة  صاحب البطيحة   
في هذه السنة اختلف   سيف الدولة صدقة بن مزيد  ،  ومهذب الدولة السعيد بن أبي   [ ص: 545 ] الجبر  ، صاحب البطيحة  ، وانضاف  حماد بن أبي الجبر  إلى  صدقة  ، وأظهر معاداة ابن عمه  مهذب الدولة  ، ثم اتفقوا . 
وكان سبب ذلك أن صدقة لما أقطعه  السلطان محمد  مدينة واسط  ضمنها منه  مهذب الدولة  ، واستناب في الأعمال أولاده وأصحابه ، فمدوا أيديهم في الأموال ، وفرطوا فيها ، وفرقوها ، فلما انقضت السنة طالبه  صدقة  بالمال ، وحبسه ، ثم سعى في خلاصه  بدران بن صدقة  ، وهو صهر  مهذب الدولة  ، فأخرجه من الحبس وأعاده إلى بلده البطيحة  وضمن  حماد بن أبي الجبر  واسط  ، فانحل على  مهذب الدولة  كثير من أمره ، فآل الأمر إلى الاختلاف بعد الاتفاق ، فإن المصطنع  إسماعيل  ، جد  حماد  ، والمختص  محمدا  ، والد  مهذب الدولة  ، أخوان ، وهما ابنا  أبي الجبر  ، وكانت إليهما رئاسة أهلهما وجماعتهما ، فهلك المصطنع ، وقام ابنه  أبو السيد المظفر والد حماد  مقامه وهلك المختص  محمد  ، وقام ابنه  مهذب الدولة  مقامه ، وصارا يتنازعان  ابن الهيثم  ، صاحب البطيحة  ، ويقاتلانه إلى أن أخذه  مهذب الدولة  ، أيام  كوهرائين  ، وسلمه إلى  كوهرائين  ، فحمله إلى أصبهان  ، فهلك في طريقها . فعظم أمر  مهذب الدولة  ، وصيره  كوهرائين  أمير البطيحة  ، فصار ابن عمه وجماعة تحت حكمه ، وكان  حماد  شابا فأكرمه  مهذب الدولة  ، وزوجه بنتا له ، وزاد في إقطاعه ، فكثر ماله ، فصار يحسد  مهذب الدولة  ، ويضمر بغضه ، وربما ظهر في بعض الأوقات ، وكان  مهذب الدولة  يداريه بجهده ، فلما هلك  كوهرائين  انتقل  حماد  عن  مهذب الدولة  ، وأظهر ما في نفسه ، فاجتهد  مهذب الدولة  في إعادته إلى ما كان ، فلم يفعل ، فسكت عنه ، فجمع  النفيس بن مهذب الدولة  جمعا وقصد  حمادا  ، فهرب منه إلى  سيف الدولة  بالحلة ، فأعاده  صدقة  ومعه جماعة من الجند ، فحشد  مهذب الدولة  ، فأرسل  حماد  إلى  صدقة  يعرفه ذلك ، فأرسل إليه كثيرا من الجند ، فقوى عزم  مهذب الدولة  على المحاربة لئلا يظن به العجز ، فأشار عليه أهله بترك الخروج من موضعه لحصانته ، فلم يفعل ، وسير سفنه وأصحابه في الأنهر ، فجعل  حماد  وأخوه له الكمناء ، واندفعوا من بين أيديهم ، فطمع أصحاب  مهذب الدولة  وتبعوهم ، فخرج عليهم الكمناء ، فلم يسلم منهم   [ ص: 546 ] إلا من لم يحضر أجله ، فقتل منهم وأسر خلقا كثيرا ، فقوي طمع  حماد  ، وأرسل إلى  صدقة  يستنجده ، فأرسل إليه مقدم جيشه  سعيد بن حميد العمري  ، وغيره من المقدمين ، وجمعوا السفن ليقاتلوا  مهذب الدولة  ، فرأوا أمرا محكما ، فلم يمكنهم الدخول إليه . 
وكان  حماد  بخيلا ،  ومهذب الدولة  جوادا ، فأرسل إلى  سعيد بن حميد  الإقامات الوافرة ، والصلات الكثيرة ، واستماله ، فمال إليه ، واجتمع به ، وتقرر الأمر على أن أرسل  مهذب الدولة  ابنه  النفيس  إلى  صدقة  ، فرضي عنه ، وأصلح بينهم وبين  حماد  ابن عمهم ، وعادوا إلى حال حسنة من الاتفاق ، وكان صلحهم في ذي الحجة سنة خمسمائة . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					