ذكر صلح السنة والشيعة  ببغداذ   
في هذه السنة في شعبان ، اصطلح عامة بغداذ  السنة والشيعة  ، وكان الشر منهم على طول الزمان ، وقد اجتهد الخلفاء ، والسلاطين ، والشحن في إصلاح الحال ، فتعذر عليهم ذلك ، إلى أن أذن الله تعالى فيه ، وكان بغير واسطة . 
وكان السبب في ذلك أن  السلطان محمدا  لما قتل ملك العرب  صدقة  ، كما ذكرناه ، خاف الشيعة  ببغداذ    - أهل الكرخ  وغيرهم - لأن  صدقة  كان يتشيع هو وأهل بيته ، فشنع أهل السنة عليهم بأنهم نالهم غم وهم لقتله ، فخاف الشيعة  ، وأغضوا على سماع هذا ، ولم يزالوا خائفين إلى شعبان ، فلما دخل شعبان تجهز السنة لزيارة قبر   مصعب بن الزبير  ، وكانوا قد تركوا ذلك سنين كثيرة ومنعوا منه لتنقطع الفتن الحادثة بسببه . 
فلما تجهزوا للمسير اتفقوا على أن يجعلوا طريقهم في الكرخ  ، فأظهروا ذلك ،   [ ص: 573 ] فاتفق رأي أهل الكرخ  على ترك معارضتهم ، وأنهم لا يمنعونهم ، فصارت السنة تسير أهل كل محلة منفردين ، ومعهم من الزينة والسلاح شيء كثير ، وجاء أهل باب المراتب  ، ومعهم فيل قد عمل من خشب ، وعليه الرجال بالسلاح ، وقصدوا جميعهم الكرخ  ليعبروا فيه ، فاستقبلهم أهله بالبخور والطيب والماء المبرد ، والسلاح الكثير ، وأظهروا بهم السرور وشيعوهم حتى خرجوا من المحلة . 
وخرج الشيعة  ، ليلة النصف منه ، إلى مشهد  موسى بن جعفر  وغيره ، فلم يعترضهم أحد من السنة ، فعجب الناس لذلك ، ولما عادوا من زيارة  مصعب  لقيهم أهل الكرخ  بالفرح والسرور ، فاتفق أن أهل باب المراتب  انكسر فيلهم عند قنطرة باب حرب  ، فقرأ لهم قوم : ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل  إلى آخر السورة . 
				
						
						
