[ ص: 584 ] ذكر ملك الفرنج  حصن الأثارب  وغيره  
في هذه السنة جمع صاحب أنطاكية  عساكره من الفرنج  ، وحشد الفارس والراجل ، وسار نحو حصن الأثارب  ، وهو بالقرب من مدينة حلب  بينهما ثلاثة فراسخ ، وحصره ، ومنع عنه الميرة ، فضاق الأمر على من به من المسلمين ، فنقبوا بالقلعة نقبا ، قصدوا أن يخرجوا منه إلى خيمة صاحب أنطاكية  فيقتلوه ، فلما فعلوا ذلك وقربوا من خيمته استأمن إليه صبي أرمني ، فعرفه الحال ، فاحتاط ، واحترز منهم ، وجد في قتالهم ، حتى ملك الحصن قهرا وعنوة ، وقتل من أهله ألفي رجل ، وسبى وأسر الباقين . 
ثم سار إلى حصن زردنا  ، فحصره ، ففتحه ، وفعل بأهله مثل الأثارب  ، فلما سمع أهل منبج  بذلك فارقوها خوفا من الفرنج  ، وكذلك أهل بالس  ، وقصد الفرنج  البلدين فرأوهما وليس بهما أنيس ، فعادوا عنهما . 
وسار عسكر من الفرنج  إلى مدينة صيدا  ، فطلب أهلها منهم الأمان ، فأمنوهم وتسلموا البلد ، فعظم خوف المسلمين منهم ، وبلغت القلوب الحناجر ، وأيقنوا باستيلاء الفرنج  على سائر الشام  لعدم الحامي له والمانع عنه ، فشرع أصحاب البلاد الإسلامية بالشام  في الهدنة معهم ، فامتنع الفرنج  من الإجابة إلا على قطيعة يأخذونها إلى مدة يسيرة ، فصالحهم  الملك رضوان  ، صاحب حلب  ، على اثنين وثلاثين ألف دينار ، وغيرها من الخيول والثياب ، وصالحهم صاحب صور  على سبعة آلاف دينار ، وصالحهم  ابن منقذ  ، صاحب شيزر  ، على أربعة آلاف دينار ، وصالحهم  علي الكردي صاحب حماة   على ألفي دينار ، وكانت مدة الهدنة إلى وقت إدراك الغلة وحصادها . 
ثم إن مراكب أقلعت من ديار مصر  ، فيها التجار ومعهم الأمتعة الكثيرة ، فوقع عليهم مراكب الفرنج  ، فأخذوها ، وغنموا ما مع التجار ، وأسروهم ، فسار جماعة من أهل حلب  إلى بغداذ  ، مستنفرين على الفرنج  ، فلما وردوا بغداذ  اجتمع معهم خلق كثير   [ ص: 585 ] من الفقهاء وغيرهم فقصدوا جامع السلطان ، واستغاثوا ، ومنعوا من الصلاة ، وكسروا المنبر ، فوعدهم السلطان بإنفاذ العساكر للجهاد ، وسير من دار الخلافة منبرا إلى جامع السلطان . فلما كان الجمعة الثانية قصدوا جامع القصر بدار الخلافة ، ومعهم أهل بغداذ  ، فمنعهم حاجب الباب من الدخول ، فغلبوه على ذلك ، ودخلوا الجامع ، وكسروا شباك المقصورة ، وهجموا على المنبر فكسروه ، وبطلت الجمعة أيضا ، فأرسل الخليفة إلى السلطان في المعنى يأمره بالاهتمام بهذا الفتق ورتقه ، فتقدم حينئذ إلى من معه من الأمراء بالمسير إلى بلادهم ، والتجهز للجهاد ، وسير ولده الملكمسعودا  مع  الأمير مودود  ، صاحب الموصل  ، وتقدموا إلى الموصل  ليلحق بهم الأمراء ويسيروا إلى قتال الفرنج  ، وانقضت السنة ، وساروا في سنة خمس وخمسمائة ، وكان ما نذكره إن شاء الله تعالى . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					