ذكر هرب   يزيد بن المهلب  وإخوته من سجن  الحجاج   
قيل : وفي هذه السنة هرب   يزيد بن المهلب  وإخوته الذين كانوا معه من سجن  الحجاج  ، وكان  الحجاج  قد خرج إلى رستقاباذ  للبعث ، لأن الأكراد كانوا قد غلبوا على فارس ، وخرج معه   يزيد بن المهلب  وإخوته  عبد الملك  ،  والمفضل  في عسكره ، وجعل عليهم كهيئة الخندق ، وجعلهم في فسطاط قريب منه ، وجعل عليهم الحرس من أهل الشام   ، وطلب منهم ستة آلاف ألف ، وأخذ يعذبهم ، فكان  يزيد  يصبر صبرا حسنا ، وكان ذلك مما يغيظ  الحجاج  منه . فقيل  للحجاج  إنه رمي في ساقه بنشابة ، فثبت نصلها فيه ، فهو لا يمسها إلا صاح ، فأمر أن يعذب في ساقه ، فلما فعلوا به ذلك صاح ، وأخته هند بنت المهلب  عند  الحجاج  ، فلما سمعت صوته صاحت وناحت ، فطلقها  الحجاج  ، ثم إنه كف عنهم ، وأقبل يستأديهم وهم يعملون في التخلص ، فبعثوا إلى أخيهم  مروان  ، وكان بالبصرة  ، أن يضمن لهم خيلا ويري الناس أنه يريد بيعها لتكون عدة . ففعل ذلك ، وكان أخوه  حبيب  يعذب بالبصرة  أيضا . 
فصنع  يزيد  للحرس طعاما كثيرا ، وأمر لهم بشراب ، فسقوا واشتغلوا به ، ولبس  يزيد   [ ص: 26 ] ثياب طباخه ، وخرج وقد جعل له لحية بيضاء ، فرآه بعض الحرس فقال : كانت هذه مشية  يزيد  ، فجاء إليه فرأى لحيته بيضاء في الليل ، فتركه وعاد ، فخرج  المفضل  ولم يفطن له ، فجاءوا إلى سفن معدة فركبوها ،  يزيد  والمفضل  وعبد الملك  ، وساروا ليلتهم حتى أصبحوا ، فلما أصبحوا علم بهم الحرس فرفعوا خبرهم إلى  الحجاج  ، ففزع وظن أنهم يفسدون خراسان  ليفتنوا بها ، فبعث البريد إلى  قتيبة  بخبرهم ويأمره بالحذر . 
ولما دنا  يزيد  من البطائح استقبلته الخيل فخرجوا عليها ومعهم دليل من كلب ، فأخذوا طريق الشام  على طريق السماوة ، وأتى  الحجاج  بعد يومين فقيل له : إنهم أخذوا طريق الشام  ، فبعث إلى   الوليد بن عبد الملك  يعلمه . 
ثم سار  يزيد  فقدم فلسطين  ، فنزل على  وهيب بن عبد الرحمن الأزدي  ، وكان كريما على   سليمان بن عبد الملك  ، فجاء  وهيب  إلى  سليمان  ، فأعلمه بحال  يزيد  وإخوته ، وأنهم قد استعاذوا به من  الحجاج  ، قال : فأتني بهم فهم آمنون لا يوصل إليهم أبدا وأنا حي . فجاء بهم إليه ، وكانوا في مكان آمن . 
وكتب  الحجاج  إلى  الوليد     : إن آل المهلب  خانوا أمان الله وهربوا مني ولحقوا  بسليمان     . وكان  الوليد  قد حذرهم ، وظن أنهم يأتون خراسان  للفتنة بها ، فلما علم أنهم عند أخيه  سليمان  سكن بعض ما به ، وطار غضبا للمال الذي ذهب به ، فكتب  سليمان  إلى  الوليد     : إن  يزيد  عندي وقد آمنته ، وإنما عليه ثلاثة آلاف ألف ، لأن  الحجاج  أغرمه ستة آلاف ألف ، فأدى ثلاثة آلاف ألف ، والذي بقي عليه أنا أؤديه . فكتب  الوليد     : والله لا أؤمنه حتى تبعث به إلي . فكتب : لئن أنا بعثت به إليك لأجيئن معه . فكتب  الوليد     : والله لئن جئتني لا أؤمنه . فقال  يزيد     : أرسلني إليه ، فوالله ما أحب أن أوقع بينه وبينك عدواة ، ولا أن يتشأم الناس بي لكما ، واكتب معي بألطف ما قدرت عليه . 
فأرسله وأرسل معه ابنه  أيوب  ، وكان  الوليد  قد أمره أن يبعث به مقيدا ، فقال  سليمان  لابنه : إذا دخلت على أمير المؤمنين فادخل أنت  ويزيد  في سلسلة ، ففعل ذلك . فلما رأى  الوليد  ابن أخيه في سلسلة قال : لقد بلغنا من  سليمان     . ودفع  أيوب  كتاب أبيه إلى عمه وقال له : يا أمير المؤمنين نفسي فداؤك ، لا تخفر ذمة أبي وأنت أحق من منعها ، ولا تقطع منا رجاء من رجا السلامة في جوارنا لمكاننا منك ، ولا تذل من رجا العز في الانقطاع إلينا لعزنا بك .
فقرأ  الوليد  كتاب  سليمان  ، فإذا هو يستعطفه ، ويشفع إليه ، ويضمن إيصال المال ، فلما   [ ص: 27 ] قرأ الكتاب قال : لقد شققنا على  سليمان     . وتكلم  يزيد  واعتذر ، فأمنه  الوليد  ، فرجع إلى  سليمان  ، وكتب  الوليد  إلى  الحجاج     : إني لم أصل إلى  يزيد  وأهله مع  سليمان  ، فاكفف عنهم . فكف عنهم . 
وكان  أبو عيينة بن المهلب  عند  الحجاج  عليه ألف ألف ، فتركها وكف عن  حبيب بن المهلب     . 
وأقام   يزيد بن المهلب  عند  سليمان  يهدي إليه الهدايا ويصنع له الأطعمة ، وكان لا يأتي [  يزيد     ] هدية إلا بعث بها إلى  سليمان  ، ولا يأتي  سليمان  هدية إلا بعث بنصفها إلى  يزيد  ، وكان لا تعجبه جارية إلا بعث بها إلى  يزيد     . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					