ذكر ولاية  الجراح  أرمينية  وفتح بلنجر  وغيرها  
لما تمت الهزيمة المذكورة على المسلمين طمع الخزر  في البلاد ، فجمعوا وحشدوا ، واستعمل   يزيد بن عبد الملك   الجراح بن عبد الله الحكمي  حينئذ على أرمينية  ، وأمده بجيش كثيف ، وأمره بغزو الخزر  وغيرهم من الأعداء وبقصد بلاده . فسار  الجراح  ، وتسامع الخزرية  ، فعادوا حتى نزلوا بالباب والأبواب ، ووصل  الجراح  إلى برذعة  ، فأقام حتى استراح هو ومن معه ، وسار نحو الخزر  ، فعبر نهر الكر  ، فسمع بأن بعض من معه من أهل تلك الجبال قد كاتب ملك الخزر  يخبره بمسير  الجراح  إليه ، فحينئذ أمر  الجراح  مناديه فنادى في الناس : إن الأمير مقيم هاهنا عدة أيام ، فاستكثروا من الميرة ; فكتب ذلك الرجل إلى ملكالخزر  يخبره أن  الجراح  مقيم ، ويشير عليه بترك الحركة لئلا يطمع المسلمون فيه . 
فلما كان الليل أمر  الجراح  بالرحيل ، فسار مجدا حتى انتهى إلى مدينة الباب والأبواب ، فلم ير الخزر  ، فدخل البلد فبث سراياه في النهب والغارة على ما يجاوره ، فغنموا وعادوا من الغد ، وسار الخزر  إليه وعليهم ابن ملكهم ، فالتقوا عند نهر الران  ، واقتتلوا قتالا شديدا ، وحرض  الجراح  أصحابه ، واشتد القتال ، فظفروا بالخزر  وهزموهم ، وتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون ، فقتل منهم خلق كثير ، وغنم المسلمون جميع ما معهم ، وساروا حتى نزلوا على حصن يعرف بالحصين ، فنزل أهله بالأمان على مال يحملونه ، فأجابهم ونقلهم عنها . 
ثم سار إلى مدينة يقال لها يرغوا  ، فأقام عليها ستة أيام ، وهو مجد في قتالهم ، فطلبوا الأمان ، فآمنهم وتسلم حصنهم ونقلهم منه . 
ثم سار  الجراح  إلى بلنجر  ، وهو حصن مشهور من حصونهم ، فنازله ، وكان أهل   [ ص: 156 ] الحصن قد جمعوا ثلاثمائة عجلة ، فشدوا بعضها إلى بعض ، وجعلوها بحول حصنهم ليحتموا بها ، وتمنع المسلمين من الوصول إلى الحصن ، وكانت تلك العجل أشد شيء على المسلمين في قتالهم . فلما رأوا الضرر الذي عليهم منها انتدب جماعة منهم نحو ثلاثين رجلا ، وتعاهدوا على الموت ، وكسروا جفون سيوفهم ، وحملوا حملة رجل واحد ، وتقدموا نحو العجل ، وجد الكفار في قتالهم ، ورموا من النشاب ما كان يحجب الشمس ، فلم يرجع أولئك حتى وصلوا إلى العجل ، وتعلقوا ببعضها ، وقطعوا الحبل الذي يمسكها ، وجذبوها فانحدرت ، وتبعها سائر العجل ، لأن بعضها كان مشدودا إلى بعض ، وانحدر الجميع إلى المسلمين ، والتحم القتال واشتد ، وعظم الأمر على الجميع حتى بلغت القلوب الحناجر . ثم إن الخزر  انهزموا واستولى المسلمون على الحصن عنوة وغنموا جميع ما فيه في ربيع الأول ، فأصاب الفارس ثلاثمائة دينار ، وكانوا بضعة وثلاثين ألفا . 
ثم إن  الجراح  أخذ أولاد صاحب بلنجر  وأهله ، وأرسل إليه فأحضره ، ورد إليه أمواله وأهله وحصنه ، وجعله عينا لهم يخبرهم بما يفعله الكفار . 
ثم سار عن بلنجر  فنزل على حصن الوبندر  ، وبه نحو أربعين ألف بيت من الترك  ، فصالحوا  الجراح  على مال يؤدونه . ثم إن أهل تلك البلاد تجمعوا وأخذوا الطرق على المسلمين ، فكتب صاحب بلنجر  إلى  الجراح  يعلمه بذلك . فعاد مجدا حتى وصل إلى رستاق ملى  ، وأدركهم الشتاء ، فأقام المسلمون به ، وكتب  الجراح  إلى   يزيد بن عبد الملك  يخبره بما فتح الله عليه ، وبما اجتمع من الكفار ويسأله المدد . فوعده إنفاذ العساكر إليه ، فأدركه أجله قبل إنفاذ الجيش ، فأرسل  هشام بن عبد الملك إلى الجراح  ، فأقره على عمله ، ووعده المدد . 
				
						
						
