ذكر
nindex.php?page=treesubj&link=33754إظهار الدعوة العباسية بخراسان
وفي هذه السنة شخص
nindex.php?page=showalam&ids=12149أبو مسلم الخراساني من
خراسان إلى
إبراهيم الإمام ، وكان يختلف منه إلى
خراسان ويعود إليه .
فلما كانت هذه السنة كتب
إبراهيم إلى
أبي مسلم يستدعيه ليسأله عن أخبار الناس ، فسار نحوه في النصف من جمادى الآخرة مع سبعين نفسا من النقباء ، فلما صاروا
بالدندانقان من أرض
خراسان عرض له
كامل أو [
أبو كامل ] ، فسأله عن مقصده ، فقال : الحج ، ثم خلا به
أبو مسلم فدعاه فأجابه ، ثم سار
أبو مسلم إلى
نسا ، وعاملها
سليمان بن قيس السلمي nindex.php?page=showalam&ids=17204لنصر بن سيار ، فلما قرب منها أرسل
الفضل بن سليمان الطوسي إلى
أسيد بن عبد الله الخزاعي ليعلمه قدومه ، فدخل قرية من قرى
نسا [ ص: 359 ] فلقي رجلا من
الشيعة فسأله عن
أسيد ، فانتهره وقال له : إنه كان في هذه القرية شرا ، سعى إلى العامل برجلين قيل إنهما داعيان ، فأخذهما وأخذ
الأحجم بن عبد الله وغيلان بن فضالة وغالب بن سعيد ومهاجر بن عثمان ، فانصرف
الفضل إلى
أبي مسلم وأخبره ، فتنكب الطريق ، وأرسل
طرخان الحمال يستدعي
أسيدا ومن قدر عليه من
الشيعة ، فدعا له
أسيدا ، فأتاه ، فسأله عن الأخبار ، فقال : قدم
الأزهر بن شعيب وعبد الملك بن سعد بكتب الإمام إليك ، فخلفا الكتب عندي وخرجا فأخذا ، فلا أدري من سعى بهما . قال : فأين الكتب ؟ فأتاه بها .
ثم سار حتى أتى
قومس وعليها
بيهس بن بديل العجلي ، فأتاهم
بيهس فقال : أين تريدون ؟ قالوا : الحج ، وأتاه وهو
بقومس كتاب
إبراهيم الإمام إليه وإلى
nindex.php?page=showalam&ids=16046سليمان بن كثير يقول
لأبي مسلم فيه : إني قد بعثت إليك براية النصر ، فارجع من حيث لقيك كتابي ، ووجه إلي
قحطبة بما معك يوافني به في الموسم .
فانصرف
أبو مسلم إلى
خراسان ، ووجه
قحطبة إلى الإمام بما معه من الأموال والعروض ، فلما كانوا
بنيسابور عرض لهم صاحب المسلحة فسألهم عن حالهم ، فقالوا : أردنا الحج فبلغنا عن الطريق شيء خفناه . فأمر
المفضل بن الشرقي السلمي بإزعاجهم ، فخلا به
أبو مسلم وعرض عليه أمرهم فأجابه ، وأقام عندهم حتى ارتحلوا على مهل .
فقدم
أبو مسلم مرو فدفع كتاب الإمام إلى
nindex.php?page=showalam&ids=16046سليمان بن كثير يأمره فيه بإظهار الدعوة ، فنصبوا
أبا مسلم وقالوا : رجل من أهل البيت ، ودعوا إلى طاعة
بني العباس ، وأرسلوا إلى من قرب منهم أو بعد ممن أجابهم ، فأمروه بإظهار أمرهم والدعاء إليهم .
فنزل
أبو مسلم قرية من قرى
مرو يقال لها فنين على
أبي الحكم عيسى بن أعين النقيب ، ووجه منها
أبا داود النقيب ومعه
عمرو بن أعين إلى
طخارستان فما دون
بلخ ، فأمرهما بإظهار الدعوة في شهر رمضان . وكان نزوله في هذه القرية في شعبان ، ووجه
النضر بن صبيح التميمي وشريك بن غضي التميمي إلى
مرو الروذ بإظهار الدعوة في رمضان ، ووجه
أبا عاصم عبد الرحمن بن سليم إلى
الطالقان ، ووجه
أبا الجهم بن عطية إلى
العلاء بن حريث بخوارزم بإظهار الدعوة في رمضان لخمس بقين منه ، فإن أعجلهم عدوهم دون الوقت بالأذى والمكروه ، فقد حل لهم أن يدفعوا عن أنفسهم ويجردوا
[ ص: 360 ] السيوف ويجاهدوا أعداء الله ، ومن شغله منهم عدوهم عن الوقت فلا حرج عليهم أن يظهروا بعد الوقت .
ثم تحول
أبو مسلم من عند
أبي الحكم ، فنزل قرية
سفيذنج ، فنزل على
سليمان بن كثير الخزاعي لليلتين خلتا من رمضان ،
والكرماني وشيبان يقاتلان
nindex.php?page=showalam&ids=17204نصر بن سيار ، فبث
أبو مسلم دعاته في الناس وأظهر أمره ، فأتاه في ليلة واحدة أهل ستين قرية ، فلما كان ليلة الخميس لخمس بقين من رمضان من السنة عقد اللواء الذي بعث به الإمام الذي يدعى الظل على رمح طوله أربع عشرة ذراعا ، وعقد الراية التي بعث بها إليه ، وهي التي تدعى السحاب على رمح طوله ثلاث عشرة ذراعا ، وهو يتلو :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=39أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير ، ولبسوا السواد هو
nindex.php?page=showalam&ids=16046وسليمان بن كثير وإخوة
سليمان ومواليه ومن كان أجاب الدعوة من أهل
سفيذنج ، وأوقدوا النيران لليلتهم لشيعتهم من سكان ربع خرقان ، وكانت علامتهم ، فتجمعوا إليه حين أصبحوا مغدين ، وتأول الظل والسحاب أن السحاب يطبق على الأرض ، وأن الأرض كما لا تخلو من الظل ، كذلك لا تخلو من خليفة عباسي إلى آخر الدهر .
وقدم على
أبي مسلم الدعاة بمن أجاب الدعوة ، فكان أول من قدم عليه أهل التقادم مع
أبي الوضاح في تسعمائة راجل وأربعة فرسان ، ومن أهل هرمزفره جماعة وقدم أهل التقادم مع
أبي القاسم محرز بن إبراهيم الجوباني في ألف وثلاثمائة راجل وستة عشر فارسا ، فيهم من الدعاة
أبو العباس المروزي . فجعل أهل التقادم يكبرون من ناحيتهم ، ويجيبهم أهل التقادم بالتكبير ، فدخلوا عسكر
أبي مسلم بسفيذنج بعد ظهوره بيومين . وحصن
أبو مسلم حصن
سفيذنج ورمه وسد دروبها .
فلما حضر عيد الفطر أمر
أبو مسلم nindex.php?page=showalam&ids=16046سليمان بن كثير أن يصلي به
وبالشيعة ، ونصب له منبرا بالعسكر ، وأمره أن يبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة ، وكان
بنو أمية يبدءون بالخطبة قبل الصلاة وبالأذان والإقامة ، وأمر
أبو مسلم أيضا
nindex.php?page=showalam&ids=16046سليمان بن كثير بست تكبيرات تباعا ، ثم يقرأ ويركع بالسابعة ، ويكبر في الركعة الثانية خمس تكبيرات تباعا ، ثم يقرأ ويركع بالسادسة ، ويفتح الخطبة بالتكبير ثم يختمها بالقرآن .
وكان
بنو أمية يكبرون في الأولى أربع تكبيرات يوم العيد وفي الثانية ثلاث تكبيرات .
[ ص: 361 ] فلما قضى
سليمان الصلاة انصرف
أبو مسلم والشيعة إلى طعام قد أعده لهم ، فأكلوا مستبشرين .
وكان
أبو مسلم وهو في الخندق إذا كتب إلى
nindex.php?page=showalam&ids=17204نصر بن سيار كتابا يكتب للأمير
نصر ، فلما قوي
أبو مسلم بمن اجتمع إليه بدأ بنفسه ، فكتب إلى
نصر : أما بعد فإن الله تباركت أسماؤه عير أقواما في القرآن فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=42وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=43استكبارا في الأرض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله فهل ينظرون إلا سنة الأولين فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا ) . فتعاظم
نصر الكتاب وكسر له إحدى عينيه وقال : هذا كتاب ما له جواب .
وكان من الأحداث
وأبو مسلم بسفيذنج أن
نصرا وجه مولى له يقال له
يزيد لمحاربة
أبي مسلم بعد ثمانية عشر شهرا من ظهوره ، فوجه إليه
أبو مسلم مالك بن الهيثم الخزاعي ، فالتقوا بقرية
ألين ، فدعاهم
مالك إلى الرضاء من آل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستكبروا عن ذلك ، فقاتلهم
مالك ، وهو في نحو مائتين ، من أول النهار إلى العصر ، وقدم على
أبي مسلم صالح بن سليمان الضبي وإبراهيم بن زيد وزياد بن عيسى ، فسيرهم إلى
مالك ، فقوي بهم ، وكان قدومهم إليه مع العصر ، فقال مولى
نصر : إن تركنا هؤلاء الليلة أتتهم أمدادهم ، فاحملوا على القوم . فحملوا عليهم ، واشتد القتال ، فحمل
عبد الله الطائي على مولى
نصر فأسره وانهزم أصحابه ، فأرسل
الطائي بأسيره إلى
أبي مسلم ومعه رءوس القتلى ، فنصب الرءوس ، وأحسن إلى
يزيد مولى نصر ، وعالجه حتى اندملت جراحه ، وقال له : إن شئت أن تقيم معنا فقد أرشدك الله ، وإن كرهت فارجع إلى مولاك سالما ، وأعطنا عهد الله أنك لا تحاربنا ، ولا تكذب علينا ، وأن تقول فينا ما رأيت . فرجع إلى مولاه . وقال
أبو مسلم : إن هذا سيرد عنكم أهل الورع والصلاح فما نحن عندهم على الإسلام ، وكذلك كان عندهم يرجفون عليهم بعبادة الأوثان واستحلال الدماء والأموال والفروج .
فلما قدم
يزيد على
نصر قال : لا مرحبا ! فوالله ما استبقاك القوم إلا ليتخذوك حجة
[ ص: 362 ] علينا . فقال
يزيد : هو والله ما ظننت ، وقد استحلفوني أن لا أكذب عليهم ، وأنا أقول : إنهم والله يصلون الصلاة لمواقيتها بأذان وإقامة ، ويتلون القرآن ، ويذكرون الله كثيرا ، ويدعون إلى ولاية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما أحسب أمرهم إلا سيعلو ، ولولا أنك مولاي لما رجعت إليك ولأقمت معهم . فهذه أول حرب كانت بينهم .
وفي هذه السنة غلب
خازم بن خزيمة على
مرو الروذ وقتل
عامل نصر بن سيار .
وكان سبب ذلك أنه لما أراد الخروج
بمرو الروذ ، وهو من شيعة
بني العباس ، منعه
بنو تميم ، فقال : إنما أنا رجل منكم أريد أن أغلب على
مرو ، فإن ظفرت فهي لكم ، وإن قتلت فقد كفيتم أمري . فكفوا عنه ، فعسكر بقرية يقال لها
كنج رستاق ، وقدم عليه من عند
أبي مسلم النضر بن صبيح ، فلما أمسى
خازم بيت أهل
مرو فقتل
بشر بن جعفر السعدي عامل نصر بن سيار عليها في أول ذي القعدة ، وبعث بالفتح إلى
أبي مسلم مع ابنه
خزيمة بن خازم .
وقد قيل في أمر
أبي مسلم غير ما ذكرنا ، والذي قيل : إن
إبراهيم الإمام زوج
أبا مسلم لما توجه إلى
خراسان ابنة
أبي النجم وساق عنه صداقها ، وكتب إلى النقباء بالسمع والطاعة ، وكان
أبو مسلم من أهل
خطرنية من سواد
الكوفة ، وكان قهرمانا
لإدريس بن معقل العجلي ، فصار أمره ومنتهى ولائه
لمحمد بن علي ، ثم لابنه
إبراهيم بن محمد ، ثم للأئمة من ولد
محمد ، فقدم
خراسان وهو حديث السن ، فلم يقبله
nindex.php?page=showalam&ids=16046سليمان بن كثير وخاف أن لا يقوى على أمرهم فرده .
وكان
أبو داود خالد بن إبراهيم غائبا خلف
نهر بلخ ، فلما رجع إلى
مرو أقرءوه كتاب
الإمام إبراهيم ، فسأل عن
أبي مسلم ، فأخبروه أن
nindex.php?page=showalam&ids=16046سليمان بن كثير رده ، فجمع النقباء وقال لهم : أتاكم كتاب الإمام فيمن بعثه إليكم فرددتموه ، فما حجتكم ؟ فقال
سليمان : حداثة سنه وتخوفا أن لا يقدر على هذا الأمر ، فخفنا على من دعونا وعلى أنفسنا . فقال
أبو داود : هل فيكم أحد ينكر أن الله تعالى بعث
محمدا ، صلى الله عليه وسلم ، واصطفاه وبعثه إلى جميع
[ ص: 363 ] خلقه ؟ قالوا : لا . قال : أفتشكون أن الله أنزل عليه كتابه فيه حلاله وحرامه وشرائعه وأنباؤه ، وأخبر بما كان قبله وبما يكون بعده ؟ قالوا : لا . قال : أفتشكون أن الله قبضه إليه بعد أن أدى ما عليه من رسالة ربه ؟ قالوا : لا . قال : أفتظنون أن العلم الذي أنزل إليه رفع معه أو خلفه ؟ قالوا : بل خلفه . قال : أفتظنون خلفه عند غير عترته وأهل بيته الأقرب فالأقرب ؟ قالوا : لا . قال : أفتشكون أن أهل هذا البيت معدن العلم وأصحاب ميراث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي علمه الله ؟ قالوا : اللهم لا . قال : فأراكم قد شككتم في أمركم ، ورددتم عليهم علمهم ، ولو لم يعلموا أن هذا الرجل الذي ينبغي له أن يقوم بأمرهم لم يبعثوه إليكم . وهو لا يتهم في نصرتهم وموالاتهم والقيام بحقهم .
فبعثوا إلى
أبي مسلم فردوه من
قومس بقول
أبي داود وولوه أمرهم وأطاعوه ، فلم تزل في نفس
أبي مسلم على
nindex.php?page=showalam&ids=16046سليمان بن كثير ، ولم يزل يعرفها
لأبي داود .
وبث الدعاة في أقطار
خراسان ، فدخل الناس أفواجا وكثروا ، وفشت الدعاة
بخراسان كلها ، وكتب إليه
إبراهيم الإمام أن يوافيه في موسم سنة تسع وعشرين ليأمره بأمره في إظهار دعوته ، وأن يقدم معه
قحطبة بن شبيب ، ويحمل إليه ما اجتمع عنده من الأموال . ففعل ذلك وسار في جماعة من النقباء
والشيعة ، فلقيه كتاب الإمام يأمره بالرجوع إلى
خراسان وإظهار الدعوة بها ، وذكر قريبا مما تقدم من تسيير المال مع
قحطبة ، وأن
قحطبة سار فنزل بنواحي
جرجان ، فاستدعى
nindex.php?page=showalam&ids=15794خالد بن برمك وأبا عون ، فقدما عليه ومعهما ما اجتمع عندهما من مال
الشيعة ، فأخذ منهما وسار نحو
إبراهيم الإمام .
ذِكْرُ
nindex.php?page=treesubj&link=33754إِظْهَارِ الدَّعْوَةِ الْعَبَّاسِيَّةِ بِخُرَاسَانَ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ شَخَصَ
nindex.php?page=showalam&ids=12149أَبُو مُسْلِمٍ الْخُرَاسَانِيُّ مِنْ
خُرَاسَانَ إِلَى
إِبْرَاهِيمَ الْإِمَامِ ، وَكَانَ يَخْتَلِفُ مِنْهُ إِلَى
خُرَاسَانَ وَيَعُودُ إِلَيْهِ .
فَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ السَّنَةُ كَتَبَ
إِبْرَاهِيمُ إِلَى
أَبِي مُسْلِمٍ يَسْتَدْعِيهِ لِيَسْأَلَهُ عَنْ أَخْبَارِ النَّاسِ ، فَسَارَ نَحْوَهُ فِي النِّصْفِ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ مَعَ سَبْعِينَ نَفْسًا مِنَ النُّقَبَاءِ ، فَلَمَّا صَارُوا
بِالدَّنْدَانَقَانِ مِنْ أَرْضِ
خُرَاسَانَ عَرَضَ لَهُ
كَامِلٌ أَوْ [
أَبُو كَامِلٍ ] ، فَسَأَلَهُ عَنْ مَقْصِدِهِ ، فَقَالَ : الْحَجُّ ، ثُمَّ خَلَا بِهِ
أَبُو مُسْلِمٍ فَدَعَاهُ فَأَجَابَهُ ، ثُمَّ سَارَ
أَبُو مُسْلِمٍ إِلَى
نَسَا ، وَعَامِلُهَا
سُلَيْمَانُ بْنُ قَيْسٍ السُّلَمِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=17204لِنَصْرِ بْنِ سَيَّارٍ ، فَلَمَّا قَرُبَ مِنْهَا أَرْسَلَ
الْفَضْلَ بْنَ سُلَيْمَانَ الطُّوسِيَّ إِلَى
أُسَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْخُزَاعِيِّ لِيُعْلِمَهُ قُدُومَهُ ، فَدَخَلَ قَرْيَةً مِنْ قُرَى
نَسَا [ ص: 359 ] فَلَقِيَ رَجُلًا مِنَ
الشِّيعَةِ فَسَأَلَهُ عَنْ
أُسَيْدٍ ، فَانْتَهَرَهُ وَقَالَ لَهُ : إِنَّهُ كَانَ فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ شَرًّا ، سَعَى إِلَى الْعَامِلِ بِرَجُلَيْنِ قِيلَ إِنَّهُمَا دَاعِيَانِ ، فَأَخَذَهُمَا وَأَخَذَ
الْأَحْجَمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَغَيْلَانَ بْنَ فُضَالَةَ وَغَالِبَ بْنَ سَعِيدٍ وَمُهَاجِرَ بْنَ عُثْمَانَ ، فَانْصَرَفَ
الْفَضْلُ إِلَى
أَبِي مُسْلِمٍ وَأَخْبَرَهُ ، فَتَنَكَّبَ الطَّرِيقَ ، وَأَرْسَلَ
طَرْخَانَ الْحَمَّالَ يَسْتَدْعِي
أُسَيْدًا وَمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ مِنَ
الشِّيعَةِ ، فَدَعَا لَهُ
أُسَيْدًا ، فَأَتَاهُ ، فَسَأَلَهُ عَنِ الْأَخْبَارِ ، فَقَالَ : قَدِمَ
الْأَزْهَرُ بْنُ شُعَيْبٍ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ سَعْدٍ بِكُتُبِ الْإِمَامِ إِلَيْكَ ، فَخَلَّفَا الْكُتُبَ عِنْدِي وَخَرَجَا فَأُخِذَا ، فَلَا أَدْرِي مَنْ سَعَى بِهِمَا . قَالَ : فَأَيْنَ الْكُتُبُ ؟ فَأَتَاهُ بِهَا .
ثُمَّ سَارَ حَتَّى أَتَى
قُومِسَ وَعَلَيْهَا
بَيْهَسُ بْنُ بُدَيْلٍ الْعِجْلِيُّ ، فَأَتَاهُمْ
بَيْهَسُ فَقَالَ : أَيْنَ تُرِيدُونَ ؟ قَالُوا : الْحَجَّ ، وَأَتَاهُ وَهُوَ
بِقُومِسَ كِتَابُ
إِبْرَاهِيمَ الْإِمَامِ إِلَيْهِ وَإِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=16046سُلَيْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ يَقُولُ
لِأَبِي مُسْلِمٍ فِيهِ : إِنِّي قَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكَ بِرَايَةِ النَّصْرِ ، فَارْجِعْ مِنْ حَيْثُ لَقِيَكَ كِتَابِي ، وَوَجِّهْ إِلَيَّ
قَحْطَبَةَ بِمَا مَعَكَ يُوَافِنِي بِهِ فِي الْمَوْسِمِ .
فَانْصَرَفَ
أَبُو مُسْلِمٍ إِلَى
خُرَاسَانَ ، وَوَجَّهَ
قَحْطَبَةَ إِلَى الْإِمَامِ بِمَا مَعَهُ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْعُرُوضِ ، فَلَمَّا كَانُوا
بِنَيْسَابُورَ عَرَضَ لَهُمْ صَاحِبُ الْمَسْلَحَةِ فَسَأَلَهُمْ عَنْ حَالِهِمْ ، فَقَالُوا : أَرَدْنَا الْحَجَّ فَبَلَغَنَا عَنِ الطَّرِيقِ شَيْءٌ خِفْنَاهُ . فَأَمَرَ
الْمُفَضَّلَ بْنَ الشَّرْقِيِّ السُّلَمِيَّ بِإِزْعَاجِهِمْ ، فَخَلَا بِهِ
أَبُو مُسْلِمٍ وَعَرَضَ عَلَيْهِ أَمْرَهُمْ فَأَجَابَهُ ، وَأَقَامَ عِنْدَهُمْ حَتَّى ارْتَحَلُوا عَلَى مَهَلٍ .
فَقَدِمَ
أَبُو مُسْلِمٍ مَرْوَ فَدَفَعَ كِتَابَ الْإِمَامِ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=16046سُلَيْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ يَأْمُرُهُ فِيهِ بِإِظْهَارِ الدَّعْوَةِ ، فَنَصَبُوا
أَبَا مُسْلِمٍ وَقَالُوا : رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ ، وَدَعَوْا إِلَى طَاعَةِ
بَنِي الْعَبَّاسِ ، وَأَرْسَلُوا إِلَى مَنْ قَرُبَ مِنْهُمْ أَوْ بَعُدَ مِمَّنْ أَجَابَهُمْ ، فَأَمَرُوهُ بِإِظْهَارِ أَمْرِهِمْ وَالدُّعَاءِ إِلَيْهِمْ .
فَنَزَلَ
أَبُو مُسْلِمٍ قَرْيَةً مِنْ قُرَى
مَرْوَ يُقَالُ لَهَا فَنِينَ عَلَى
أَبِي الْحَكَمِ عِيسَى بْنِ أَعْيَنَ النَّقِيبِ ، وَوَجَّهَ مِنْهَا
أَبَا دَاوُدَ النَّقِيبَ وَمَعَهُ
عَمْرُو بْنُ أَعْيَنَ إِلَى
طَخَارِسْتَانَ فَمَا دُونُ
بَلْخٍ ، فَأَمَرَهُمَا بِإِظْهَارِ الدَّعْوَةِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ . وَكَانَ نُزُولُهُ فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ فِي شَعْبَانَ ، وَوَجَّهَ
النَّضْرَ بْنَ صُبَيْحٍ التَّمِيمِيَّ وَشَرِيكَ بْنَ غُضَيٍّ التَّمِيمِيَّ إِلَى
مَرْوِ الرُّوذِ بِإِظْهَارِ الدَّعْوَةِ فِي رَمَضَانَ ، وَوَجَّهَ
أَبَا عَاصِمٍ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سُلَيْمٍ إِلَى
الطَّالَقَانِ ، وَوَجَّهَ
أَبَا الْجَهْمِ بْنَ عَطِيَّةَ إِلَى
الْعَلَاءِ بْنِ حُرَيْثٍ بِخَوَارِزْمَ بِإِظْهَارِ الدَّعْوَةِ فِي رَمَضَانَ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْهُ ، فَإِنْ أَعْجَلَهُمْ عَدُوُّهُمْ دُونَ الْوَقْتِ بِالْأَذَى وَالْمَكْرُوهِ ، فَقَدْ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَدْفَعُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَيُجَرِّدُوا
[ ص: 360 ] السُّيُوفَ وَيُجَاهِدُوا أَعْدَاءَ اللَّهِ ، وَمَنْ شَغَلَهُ مِنْهُمْ عَدُوُّهُمْ عَنِ الْوَقْتِ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَظْهَرُوا بَعْدَ الْوَقْتِ .
ثُمَّ تَحَوَّلَ
أَبُو مُسْلِمٍ مِنْ عِنْدِ
أَبِي الْحَكَمِ ، فَنَزَلَ قَرْيَةَ
سَفِيذَنْجَ ، فَنَزَلَ عَلَى
سُلَيْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ الْخُزَاعِيِّ لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ رَمَضَانَ ،
وَالْكَرْمَانِيُّ وَشَيْبَانُ يُقَاتِلَانِ
nindex.php?page=showalam&ids=17204نَصْرَ بْنَ سَيَّارٍ ، فَبَثَّ
أَبُو مُسْلِمٍ دُعَاتَهُ فِي النَّاسِ وَأَظْهَرَ أَمْرَهُ ، فَأَتَاهُ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ أَهْلُ سِتِّينَ قَرْيَةً ، فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةُ الْخَمِيسِ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ رَمَضَانَ مِنَ السَّنَةِ عَقَدَ اللِّوَاءَ الَّذِي بَعَثَ بِهِ الْإِمَامُ الَّذِي يُدْعَى الظِّلَّ عَلَى رُمْحٍ طُولُهُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ ذِرَاعًا ، وَعَقَدَ الرَّايَةَ الَّتِي بَعَثَ بِهَا إِلَيْهِ ، وَهِيَ الَّتِي تُدْعَى السَّحَابَ عَلَى رُمْحٍ طُولُهُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ ذِرَاعًا ، وَهُوَ يَتْلُو :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=39أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ، وَلَبِسُوا السَّوَادَ هُوَ
nindex.php?page=showalam&ids=16046وَسُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ وَإِخْوَةُ
سُلَيْمَانَ وَمَوَالِيهِ وَمَنْ كَانَ أَجَابَ الدَّعْوَةَ مِنْ أَهْلِ
سَفِيذَنْجَ ، وَأَوْقَدُوا النِّيرَانَ لِلَيْلَتِهِمْ لِشِيعَتِهِمْ مِنْ سُكَّانِ رَبْعِ خَرْقَانَ ، وَكَانَتْ عَلَامَتُهُمْ ، فَتَجَمَّعُوا إِلَيْهِ حِينَ أَصْبَحُوا مُغِدِّينَ ، وَتَأَوُّلُ الظِّلِّ وَالسَّحَابِ أَنَّ السَّحَابَ يُطْبِقُ عَلَى الْأَرْضِ ، وَأَنَّ الْأَرْضَ كَمَا لَا تَخْلُو مِنَ الظِّلِّ ، كَذَلِكَ لَا تَخْلُو مِنْ خَلِيفَةٍ عَبَّاسِيٍّ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ .
وَقَدِمَ عَلَى
أَبِي مُسْلِمٍ الدُّعَاةُ بِمَنْ أَجَابَ الدَّعْوَةَ ، فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْهِ أَهْلَ التَّقَادُمِ مَعَ
أَبِي الْوَضَّاحِ فِي تِسْعِمِائَةِ رَاجِلٍ وَأَرْبَعَةِ فُرْسَانَ ، وَمِنْ أَهْلِ هُرْمُزْفَرَّه جَمَاعَةٌ وَقَدِمَ أَهْلُ التَّقَادُمِ مَعَ
أَبِي الْقَاسِمِ مُحْرِزِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْجُوبَانِيِّ فِي أَلْفٍ وَثَلَاثِمِائَةِ رَاجِلٍ وَسِتَّةَ عَشَرَ فَارِسًا ، فِيهِمْ مِنَ الدُّعَاةِ
أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَرْوَزِيُّ . فَجَعَلَ أَهْلُ التَّقَادُمِ يُكَبِّرُونَ مِنْ نَاحِيَتِهِمْ ، وَيُجِيبُهُمْ أَهْلُ التَّقَادُمِ بِالتَّكْبِيرِ ، فَدَخَلُوا عَسْكَرَ
أَبِي مُسْلِمٍ بِسَفِيذَنْجَ بَعْدَ ظُهُورِهِ بِيَوْمَيْنِ . وَحَصَّنَ
أَبُو مُسْلِمٍ حِصْنَ
سَفِيذَنْجَ وَرَمَّهُ وَسَدَّ دُرُوبَهَا .
فَلَمَّا حَضَرَ عِيدُ الْفِطْرِ أَمَرَ
أَبُو مُسْلِمٍ nindex.php?page=showalam&ids=16046سُلَيْمَانَ بْنَ كَثِيرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ
وَبِالشِّيعَةِ ، وَنَصَبَ لَهُ مِنْبَرًا بِالْعَسْكَرِ ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ ، وَكَانَ
بَنُو أُمَيَّةَ يَبْدَءُونَ بِالْخُطْبَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَبِالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ ، وَأَمَرَ
أَبُو مُسْلِمٍ أَيْضًا
nindex.php?page=showalam&ids=16046سُلَيْمَانَ بْنَ كَثِيرٍ بِسِتِّ تَكْبِيرَاتٍ تِبَاعًا ، ثُمَّ يَقْرَأُ وَيَرْكَعُ بِالسَّابِعَةِ ، وَيُكَبِّرُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ تِبَاعًا ، ثُمَّ يَقْرَأُ وَيَرْكَعُ بِالسَّادِسَةِ ، وَيَفْتَحُ الْخُطْبَةَ بِالتَّكْبِيرِ ثُمَّ يَخْتِمُهَا بِالْقُرْآنِ .
وَكَانَ
بَنُو أُمَيَّةَ يُكَبِّرُونَ فِي الْأُولَى أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ يَوْمَ الْعِيدِ وَفِي الثَّانِيَةِ ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ .
[ ص: 361 ] فَلَمَّا قَضَى
سُلَيْمَانُ الصَّلَاةَ انْصَرَفَ
أَبُو مُسْلِمٍ وَالشِّيعَةُ إِلَى طَعَامٍ قَدْ أَعَدَّهُ لَهُمْ ، فَأَكَلُوا مُسْتَبْشِرِينَ .
وَكَانَ
أَبُو مُسْلِمٍ وَهُوَ فِي الْخَنْدَقِ إِذَا كَتَبَ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=17204نَصْرِ بْنِ سَيَّارٍ كِتَابًا يَكْتُبُ لِلْأَمِيرِ
نَصْرٍ ، فَلَمَّا قَوِيَ
أَبُو مُسْلِمٍ بِمَنِ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ بَدَأَ بِنَفْسِهِ ، فَكَتَبَ إِلَى
نَصْرٍ : أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَتْ أَسْمَاؤُهُ عَيَّرَ أَقْوَامًا فِي الْقُرْآنِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=42وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=43اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا ) . فَتَعَاظَمَ
نَصْرٌ الْكِتَابَ وَكَسَرَ لَهُ إِحْدَى عَيْنَيْهِ وَقَالَ : هَذَا كِتَابٌ مَا لَهُ جَوَابٌ .
وَكَانَ مِنَ الْأَحْدَاثِ
وَأَبُو مُسْلِمٍ بِسَفِيذَنْجَ أَنَّ
نَصْرًا وَجَّهَ مَوْلًى لَهُ يُقَالُ لَهُ
يَزِيدُ لِمُحَارَبَةِ
أَبِي مُسْلِمٍ بَعْدَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ ظُهُورِهِ ، فَوَجَّهَ إِلَيْهِ
أَبُو مُسْلِمٍ مَالِكَ بْنَ الْهَيْثَمِ الْخُزَاعِيَّ ، فَالْتَقَوْا بِقَرْيَةِ
أَلْيَنَ ، فَدَعَاهُمْ
مَالِكٌ إِلَى الرِّضَاءِ مِنْ آلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْتَكْبَرُوا عَنْ ذَلِكَ ، فَقَاتَلَهُمْ
مَالِكٌ ، وَهُوَ فِي نَحْوِ مِائَتَيْنِ ، مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إِلَى الْعَصْرِ ، وَقَدِمَ عَلَى
أَبِي مُسْلِمٍ صَالِحُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضَّبِّيُّ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ زَيْدٍ وَزِيَادُ بْنُ عِيسَى ، فَسَيَّرَهُمْ إِلَى
مَالِكٍ ، فَقَوِيَ بِهِمْ ، وَكَانَ قُدُومُهُمْ إِلَيْهِ مَعَ الْعَصْرِ ، فَقَالَ مَوْلَى
نَصْرٍ : إِنْ تَرَكْنَا هَؤُلَاءِ اللَّيْلَةَ أَتَتْهُمْ أَمْدَادُهُمْ ، فَاحْمِلُوا عَلَى الْقَوْمِ . فَحَمَلُوا عَلَيْهِمْ ، وَاشْتَدَّ الْقِتَالُ ، فَحَمَلَ
عَبْدُ اللَّهِ الطَّائِيُّ عَلَى مَوْلَى
نَصْرٍ فَأَسَرَهُ وَانْهَزَمَ أَصْحَابُهُ ، فَأَرْسَلَ
الطَّائِيُّ بِأَسِيرِهِ إِلَى
أَبِي مُسْلِمٍ وَمَعَهُ رُءُوسُ الْقَتْلَى ، فَنَصَبَ الرُءُوسَ ، وَأَحْسَنَ إِلَى
يَزِيدَ مَوْلَى نَصْرٍ ، وَعَالَجَهُ حَتَّى انْدَمَلَتْ جِرَاحُهُ ، وَقَالَ لَهُ : إِنْ شِئْتَ أَنْ تُقِيمَ مَعَنَا فَقَدْ أَرْشَدَكَ اللَّهُ ، وَإِنْ كَرِهْتَ فَارْجِعْ إِلَى مَوْلَاكَ سَالِمًا ، وَأَعْطِنَا عَهْدَ اللَّهِ أَنَّكَ لَا تُحَارِبُنَا ، وَلَا تَكْذِبُ عَلَيْنَا ، وَأَنْ تَقُولَ فِينَا مَا رَأَيْتَ . فَرَجَعَ إِلَى مَوْلَاهُ . وَقَالَ
أَبُو مُسْلِمٍ : إِنَّ هَذَا سَيَرُدُّ عَنْكُمْ أَهْلَ الْوَرَعِ وَالصَّلَاحِ فَمَا نَحْنُ عِنْدَهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ ، وَكَذَلِكَ كَانَ عِنْدَهُمْ يُرْجِفُونَ عَلَيْهِمْ بِعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَاسْتِحْلَالِ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَالْفُرُوجِ .
فَلَمَّا قَدِمَ
يَزِيدُ عَلَى
نَصْرٍ قَالَ : لَا مَرْحَبًا ! فَوَاللَّهِ مَا اسْتَبَقَاكَ الْقَوْمُ إِلَّا لِيَتَّخِذُوكَ حُجَّةً
[ ص: 362 ] عَلَيْنَا . فَقَالَ
يَزِيدُ : هُوَ وَاللَّهِ مَا ظَنَنْتَ ، وَقَدِ اسْتَحْلَفُونِي أَنْ لَا أَكْذِبَ عَلَيْهِمْ ، وَأَنَا أَقُولُ : إِنَّهُمْ وَاللَّهِ يُصَلُّونَ الصَّلَاةَ لِمَوَاقِيتِهَا بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ ، وَيَتْلُونَ الْقُرْآنَ ، وَيَذْكُرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا ، وَيَدْعُونَ إِلَى وِلَايَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا أَحْسَبُ أَمْرَهُمْ إِلَّا سَيَعْلُو ، وَلَوْلَا أَنَّكَ مَوْلَايَ لَمَا رَجَعْتُ إِلَيْكَ وَلَأَقَمْتُ مَعَهُمْ . فَهَذِهِ أَوَّلُ حَرْبٍ كَانَتْ بَيْنَهُمْ .
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ غَلَبَ
خَازِمُ بْنُ خُزَيْمَةَ عَلَى
مَرْوِ الرُّوذِ وَقَتَلَ
عَامِلَ نَصْرِ بْنِ سَيَّارٍ .
وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا أَرَادَ الْخُرُوجَ
بِمَرْوِ الرُّوذِ ، وَهُوَ مِنْ شِيعَةِ
بَنِي الْعَبَّاسِ ، مَنَعَهُ
بَنُو تَمِيمٍ ، فَقَالَ : إِنَّمَا أَنَا رَجُلٌ مِنْكُمْ أُرِيدُ أَنْ أَغْلِبَ عَلَى
مَرْوَ ، فَإِنْ ظَفِرْتُ فَهِيَ لَكُمْ ، وَإِنْ قُتِلْتُ فَقَدْ كُفِيتُمْ أَمْرِي . فَكَفُّوا عَنْهُ ، فَعَسْكَرَ بِقَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا
كُنْجَ رُسْتَاقَ ، وَقَدِمَ عَلَيْهِ مِنْ عِنْدِ
أَبِي مُسْلِمٍ النَّضْرُ بْنُ صُبَيْحٍ ، فَلَمَّا أَمْسَى
خَازِمٌ بَيَّتَ أَهْلَ
مَرْوَ فَقَتَلَ
بِشْرَ بْنَ جَعْفَرٍ السَّعْدِيَّ عَامِلَ نَصْرِ بْنِ سَيَّارٍ عَلَيْهَا فِي أَوَّلِ ذِي الْقَعْدَةِ ، وَبَعَثَ بِالْفَتْحِ إِلَى
أَبِي مُسْلِمٍ مَعَ ابْنِهِ
خُزَيْمَةَ بْنِ خَازِمٍ .
وَقَدْ قِيلَ فِي أَمْرِ
أَبِي مُسْلِمٍ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا ، وَالَّذِي قِيلَ : إِنَّ
إِبْرَاهِيمَ الْإِمَامَ زَوَّجَ
أَبَا مُسْلِمٍ لَمَّا تَوَجَّهَ إِلَى
خُرَاسَانَ ابْنَةَ
أَبِي النَّجْمِ وَسَاقَ عَنْهُ صَدَاقَهَا ، وَكَتَبَ إِلَى النُّقَبَاءِ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ ، وَكَانَ
أَبُو مُسْلِمٍ مِنْ أَهْلِ
خُطَرْنِيَّةَ مِنْ سَوَادِ
الْكُوفَةِ ، وَكَانَ قَهْرَمَانًا
لِإِدْرِيسَ بْنِ مَعْقِلٍ الْعِجْلِيِّ ، فَصَارَ أَمْرُهُ وَمُنْتَهَى وَلَائِهِ
لِمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ، ثُمَّ لِابْنِهِ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، ثُمَّ لِلْأَئِمَّةِ مِنْ وَلَدِ
مُحَمَّدٍ ، فَقَدِمَ
خُرَاسَانَ وَهُوَ حَدِيثُ السِّنِّ ، فَلَمْ يَقْبَلْهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16046سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ وَخَافَ أَنْ لَا يَقْوَى عَلَى أَمْرِهِمْ فَرَدَّهُ .
وَكَانَ
أَبُو دَاوُدَ خَالِدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ غَائِبًا خَلْفَ
نَهْرِ بَلْخٍ ، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى
مَرْوَ أَقْرَءُوهُ كِتَابَ
الْإِمَامِ إِبْرَاهِيمَ ، فَسَأَلَ عَنْ
أَبِي مُسْلِمٍ ، فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=16046سُلَيْمَانَ بْنَ كَثِيرٍ رَدَّهُ ، فَجَمَعَ النُّقَبَاءَ وَقَالَ لَهُمْ : أَتَاكُمْ كِتَابُ الْإِمَامِ فِيمَنْ بَعَثَهُ إِلَيْكُمْ فَرَدَدْتُمُوهُ ، فَمَا حُجَّتُكُمْ ؟ فَقَالَ
سُلَيْمَانُ : حَدَاثَةُ سِنِّهِ وَتَخَوُّفًا أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ ، فَخِفْنَا عَلَى مَنْ دَعَوْنَا وَعَلَى أَنْفُسِنَا . فَقَالَ
أَبُو دَاوُدَ : هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ يُنْكِرُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَ
مُحَمَّدًا ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَاصْطَفَاهُ وَبَعَثَهُ إِلَى جَمِيعِ
[ ص: 363 ] خَلْقِهِ ؟ قَالُوا : لَا . قَالَ : أَفَتَشُكُّونَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابَهُ فِيهِ حَلَالُهُ وَحَرَامُهُ وَشَرَائِعُهُ وَأَنْبَاؤُهُ ، وَأَخْبَرَ بِمَا كَانَ قَبْلَهُ وَبِمَا يَكُونُ بَعْدَهُ ؟ قَالُوا : لَا . قَالَ : أَفَتَشُكُّونَ أَنَّ اللَّهَ قَبَضَهُ إِلَيْهِ بَعْدَ أَنْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ مِنْ رِسَالَةِ رَبِّهِ ؟ قَالُوا : لَا . قَالَ : أَفَتَظُنُّونَ أَنَّ الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْهِ رُفِعَ مَعَهُ أَوْ خَلَّفَهُ ؟ قَالُوا : بَلْ خَلَّفَهُ . قَالَ : أَفَتَظُنُّونَ خَلَّفَهُ عِنْدَ غَيْرِ عِتْرَتِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ ؟ قَالُوا : لَا . قَالَ : أَفَتَشُكُّونَ أَنَّ أَهْلَ هَذَا الْبَيْتِ مَعْدِنُ الْعِلْمِ وَأَصْحَابُ مِيرَاثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي عَلَّمَهُ اللَّهُ ؟ قَالُوا : اللَّهُمَّ لَا . قَالَ : فَأَرَاكُمْ قَدْ شَكَكْتُمْ فِي أَمْرِكُمْ ، وَرَدَدْتُمْ عَلَيْهِمْ عِلْمَهُمْ ، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقُومَ بِأَمْرِهِمْ لَمْ يَبْعَثُوهُ إِلَيْكُمْ . وَهُوَ لَا يُتَّهَمُ فِي نُصْرَتِهِمْ وَمُوَالَاتِهِمْ وَالْقِيَامِ بِحَقِّهِمْ .
فَبَعَثُوا إِلَى
أَبِي مُسْلِمٍ فَرَدُّوهُ مِنْ
قُومِسَ بِقَوْلِ
أَبِي دَاوُدَ وَوَلَّوْهُ أَمْرَهُمْ وَأَطَاعُوهُ ، فَلَمْ تَزَلْ فِي نَفْسِ
أَبِي مُسْلِمٍ عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=16046سُلَيْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ ، وَلَمْ يَزَلْ يَعْرِفُهَا
لِأَبِي دَاوُدَ .
وَبَثَّ الدُّعَاةَ فِي أَقْطَارِ
خُرَاسَانَ ، فَدَخَلَ النَّاسُ أَفْوَاجًا وَكَثُرُوا ، وَفَشَتِ الدُّعَاةُ
بِخُرَاسَانَ كُلِّهَا ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ
إِبْرَاهِيمُ الْإِمَامُ أَنْ يُوَافِيَهُ فِي مَوْسِمِ سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ لِيَأْمُرَهُ بِأَمْرِهِ فِي إِظْهَارِ دَعْوَتِهِ ، وَأَنْ يَقْدَمَ مَعَهُ
قَحْطَبَةُ بْنُ شَبِيبٍ ، وَيَحْمِلَ إِلَيْهِ مَا اجْتَمَعَ عِنْدَهُ مِنَ الْأَمْوَالِ . فَفَعَلَ ذَلِكَ وَسَارَ فِي جَمَاعَةٍ مِنَ النُّقَبَاءِ
وَالشِّيعَةِ ، فَلَقِيَهُ كِتَابُ الْإِمَامِ يَأْمُرُهُ بِالرُّجُوعِ إِلَى
خُرَاسَانَ وَإِظْهَارِ الدَّعْوَةِ بِهَا ، وَذَكَرَ قَرِيبًا مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ تَسْيِيرِ الْمَالِ مَعَ
قَحْطَبَةَ ، وَأَنَّ
قَحْطَبَةَ سَارَ فَنَزَلَ بِنَوَاحِي
جُرْجَانَ ، فَاسْتَدْعَى
nindex.php?page=showalam&ids=15794خَالِدَ بْنَ بَرْمَكَ وَأَبَا عَوْنٍ ، فَقَدِمَا عَلَيْهِ وَمَعَهُمَا مَا اجْتَمَعَ عِنْدَهُمَا مِنْ مَالِ
الشِّيعَةِ ، فَأَخَذَ مِنْهُمَا وَسَارَ نَحْوَ
إِبْرَاهِيمَ الْإِمَامِ .