فصل في غزوة بدر الكبرى 
فلما كان في رمضان من هذه السنة بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر العير المقبلة من الشام  لقريش  صحبة أبي سفيان  ، وهي العير التي خرجوا في طلبها لما خرجت من مكة  ، وكانوا نحو أربعين رجلا ، وفيها أموال عظيمة لقريش  ، فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس للخروج إليها ، وأمر من كان ظهره حاضرا بالنهوض ، ولم يحتفل لها احتفالا بليغا ؛ لأنه خرج مسرعا في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا ، ولم يكن معهم من الخيل إلا فرسان : فرس  للزبير بن العوام  ، وفرس للمقداد بن الأسود الكندي  ، وكان معهم سبعون بعيرا يعتقب الرجلان والثلاثة على البعير الواحد ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعلي  ، ومرثد بن أبي مرثد الغنوي  يعتقبون بعيرا ،  وزيد بن حارثة  وابنه وكبشة موالي رسول الله  صلى الله عليه وسلم يعتقبون بعيرا ،  [ ص: 154 ] وأبو بكر  وعمر   وعبد الرحمن بن عوف  يعتقبون بعيرا ، واستخلف على المدينة  وعلى الصلاة  ابن أم مكتوم  ، فلما كان بالروحاء  رد أبا لبابة بن عبد المنذر  ، واستعمله على المدينة  ، ودفع اللواء إلى  مصعب بن عمير  ، والراية الواحدة إلى  علي بن أبي طالب  ، والأخرى التي للأنصار  إلى  سعد بن معاذ  ، وجعل على الساقة قيس بن أبي صعصعة  ، وسار فلما قرب من الصفراء  بعث بسبس بن عمرو الجهني  ، وعدي بن أبي الزغباء  إلى بدر  يتجسسان أخبار العير . 
وأما أبو سفيان  ، فإنه بلغه مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقصده إياه فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري  إلى مكة  مستصرخا لقريش  بالنفير إلى عيرهم ؛ ليمنعوه من محمد  وأصحابه ، وبلغ الصريخ أهل مكة  ، فنهضوا مسرعين وأوعبوا في الخروج ، فلم يتخلف من أشرافهم أحد سوى أبي لهب  ، فإنه عوض عنه رجلا كان له عليه دين ، وحشدوا فيمن حولهم من قبائل العرب ، ولم يتخلف عنهم أحد من بطون قريش  إلا بني عدي  ، فلم يخرج معهم منهم أحد ، وخرجوا من ديارهم كما قال تعالى : ( بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله   ) [ الأنفال : 47 ] وأقبلوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( بحدهم وحديدهم ، تحاده وتحاد رسوله  ) ، وجاءوا على حرد قادرين ، وعلى حمية ، وغضب ، وحنق على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، لما يريدون من أخذ عيرهم ، وقتل من فيها ، وقد أصابوا بالأمس عمرو بن الحضرمي  ، والعير التي كانت معه ، فجمعهم الله على غير ميعاد كما قال الله تعالى : ( ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا   ) [ الأنفال : 42 ] . 
ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خروج قريش  استشار أصحابه ، فتكلم المهاجرون  فأحسنوا ، ثم استشارهم ثانيا ، فتكلم المهاجرون  فأحسنوا ، ثم استشارهم ثالثا ،  [ ص: 155 ] ففهمت الأنصار  أنه يعنيهم ، فبادر  سعد بن معاذ  ، فقال : يا رسول الله ! كأنك تعرض بنا ؟ وكان إنما يعنيهم ، لأنهم بايعوه على أن يمنعوه من الأحمر والأسود في ديارهم ، فلما عزم على الخروج ، استشارهم ليعلم ما عندهم ، فقال له سعد   : لعلك تخشى أن تكون الأنصار  ترى حقا عليها أن لا ينصروك إلا في ديارها ، وإني أقول عن الأنصار  ، وأجيب عنهم : فاظعن حيث شئت ، وصل حبل من شئت ، واقطع حبل من شئت ، وخذ من أموالنا ما شئت ، وأعطنا ما شئت ، وما أخذت منا كان أحب إلينا مما تركت ، وما أمرت فيه من أمر فأمرنا تبع لأمرك ، فوالله لئن سرت حتى تبلغ البرك من غمدان لنسيرن معك ، ووالله لئن استعرضت بنا هذا البحر خضناه معك . 
وقال له المقداد   : لا نقول لك كما قال قوم موسى  لموسى   : اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ، ولكنا نقاتل عن يمينك ، وعن شمالك ، ومن بين يديك ، ومن خلفك . فأشرق وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسر بما سمع من أصحابه ، وقال : ( سيروا وأبشروا ، فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين ، وإني قد رأيت مصارع القوم  ) . 
 [ ص: 156 ] 
				
						
						
