فصل 
في هديه صلى الله عليه وسلم عند قضاء الحاجة 
( كان إذا دخل الخلاء قال : اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث   )  [ ص: 164 ] الرجس النجس الشيطان الرجيم . ( وكان إذا خرج يقول : غفرانك  ) وكان يستنجي بالماء تارة ، ويستجمر بالأحجار تارة ، ويجمع بينهما تارة . 
وكان إذا ذهب في سفره للحاجة انطلق حتى يتوارى عن أصحابه ، وربما كان يبعد نحو الميلين . 
وكان يستتر للحاجة بالهدف تارة ، وبحائش النخل تارة ، وبشجر الوادي تارة . 
وكان إذا أراد أن يبول في عزاز من الأرض - وهو الموضع الصلب - أخذ عودا من الأرض فنكت به حتى يثرى ثم يبول 
وكان يرتاد لبوله الموضع الدمث - وهو اللين الرخو من الأرض   - وأكثر ما كان يبول وهو قاعد حتى قالت  عائشة   : ( من حدثكم أنه كان يبول قائما فلا تصدقوه ، ما كان يبول إلا قاعدا  ) ، وقد روى  مسلم  في صحيحه من حديث  [ ص: 165 ] حذيفة   ( أنه بال قائما  ) فقيل : هذا بيان للجواز ، وقيل : إنما فعله من وجع كان بمأبضيه . وقيل فعله استشفاء . 
قال  الشافعي  رحمه الله : والعرب تستشفي من وجع الصلب بالبول قائما . والصحيح أنه إنما فعل ذلك تنزها وبعدا من إصابة البول ، فإنه إنما فعل هذا لما أتى سباطة قوم - وهو ملقى الكناسة - وتسمى المزبلة ، وهي تكون مرتفعة ، فلو بال فيها الرجل قاعدا لارتد عليه بوله ، وهو صلى الله عليه وسلم استتر بها وجعلها بينه وبين الحائط فلم يكن بد من بوله قائما والله أعلم . 
وقد ذكر  الترمذي  عن (  عمر بن الخطاب  قال : رآني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبول قائما فقال : يا عمر  لا تبل قائما  ، قال : فما بلت قائما بعد  ) ، قال  الترمذي   : وإنما رفعه  عبد الكريم بن أبي المخارق  ، وهو ضعيف عند أهل الحديث . 
وفي مسند  البزار  وغيره من حديث  عبد الله بن بريدة  عن أبيه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ثلاث من الجفاء : أن يبول الرجل قائما ، أو يمسح جبهته قبل أن يفرغ من صلاته ، أو ينفخ في سجوده  ) ورواه  الترمذي  وقال : هو غير  [ ص: 166 ] محفوظ ، وقال  البزار   : لا نعلم من رواه عن  عبد الله بن بريدة  إلا سعيد بن عبيد الله  ، ولم يجرحه بشيء . وقال  ابن أبي حاتم   : هو بصري ثقة مشهور . 
وكان يخرج من الخلاء فيقرأ القرآن ، وكان يستنجي ويستجمر بشماله ، ولم يكن يصنع شيئا مما يصنعه المبتلون بالوسواس من نتر الذكر ، والنحنحة ، والقفز ، ومسك الحبل ، وطلوع الدرج ، وحشو القطن في الإحليل ، وصب الماء فيه وتفقده الفينة بعد الفينة ، ونحو ذلك من بدع أهل الوسواس . 
وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا بال نتر ذكره ثلاثا   . وروي أنه أمر به ، ولكن لا يصح من فعله ولا أمره . قاله  أبو جعفر العقيلي   . 
( وكان إذا سلم عليه أحد وهو يبول لم يرد عليه  ) ذكره  مسلم  في صحيحه عن  ابن عمر   . وروى  البزار  في مسنده في هذه القصة أنه ( رد عليه ثم قال : إنما رددت عليك خشية أن تقول سلمت عليه فلم يرد علي سلاما ، فإذا رأيتني هكذا فلا تسلم علي فإني لا أرد عليك السلام  ) 
وقد قيل : لعل هذا كان مرتين ، وقيل : حديث  مسلم  أصح ؛ لأنه من حديث الضحاك بن عثمان  عن نافع  عن  ابن عمر  ، وحديث  البزار  من رواية أبي بكر   - رجل من أولاد  عبد الله بن عمر   - عن نافع  عنه . قيل : وأبو بكر هذا : هو أبو بكر بن عمر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر   [ ص: 167 ] روى عنه مالك  وغيره ، والضحاك  أوثق منه . 
وكان إذا استنجى بالماء ضرب يده بعد ذلك على الأرض ، وكان إذا جلس لحاجته لم يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض . 
				
						
						
