[ ص: 325 ] فصل 
في سرية  عبد الله بن حذافة السهمي   
ثبت في " الصحيحين " من حديث  سعيد بن جبير  ، عن  ابن عباس  قال : نزل قوله تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم   ) [ النساء : 59 ] ، في  عبد الله بن حذافة السهمي  ، بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سرية . 
وثبت في " الصحيحين " أيضا من حديث  الأعمش  ، عن سعيد بن عبيدة  ، عن  أبي عبد الرحمن السلمي  ، عن علي   - رضي الله عنه - قال : استعمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلا من الأنصار  على سرية ، بعثهم وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا ، قال : فأغضبوه في شيء ، فقال : اجمعوا لي حطبا ، فجمعوا ، فقال : أوقدوا نارا ، فأوقدوا ، ثم قال : ألم يأمركم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تسمعوا لي وتطيعوا ؟ قالوا : بلى ، قال : فادخلوها ، قال : فنظر بعضهم إلى بعض ، وقالوا : إنما فررنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من النار ، فسكن غضبه وطفئت النار ، فلما قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكروا ذلك له ، فقال : "لو دخلوها ما خرجوا منها ، إنما الطاعة في المعروف  " وهذا هو  عبد الله بن حذافة السهمي   . 
 [ ص: 326 ] فإن قيل : فلو دخلوها دخلوها طاعة لله ورسوله في ظنهم ، فكانوا متأولين مخطئين ، فكيف يخلدون فيها ؟ قيل : لما كان إلقاء نفوسهم في النار معصية يكونون بها قاتلي أنفسهم ، فهموا بالمبادرة إليها من غير اجتهاد منهم : هل هو طاعة وقربة أو معصية ؟ كانوا مقدمين على ما هو محرم عليهم ، ولا تسوغ طاعة ولي الأمر فيه ؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق  ، فكانت طاعة من أمرهم بدخول النار معصية لله ورسوله ، فكانت هذه الطاعة هي سبب العقوبة ؛ لأنها نفس المعصية ، فلو دخلوها لكانوا عصاة لله ورسوله ، وإن كانوا مطيعين لولي الأمر ، فلم تدفع طاعتهم لولي الأمر معصيتهم لله ورسوله ؛ لأنهم قد علموا أن من قتل نفسه فهو مستحق للوعيد ، والله قد نهاهم عن قتل أنفسهم ، فليس لهم أن يقدموا على هذا النهي طاعة لمن لا تجب طاعته إلا في المعروف . 
فإذا كان هذا حكم من عذب نفسه طاعة لولي الأمر ، فكيف من عذب مسلما لا يجوز تعذيبه طاعة لولي الأمر . 
وأيضا فإذا كان الصحابة المذكورون لو دخلوها لما خرجوا منها مع قصدهم طاعة الله ورسوله بذلك الدخول ، فكيف بمن حمله على ما لا يجوز من الطاعة الرغبة والرهبة الدنيوية . 
وإذا كان هؤلاء لو دخلوها لما خرجوا منها ، مع كونهم قصدوا طاعة الأمير ، وظنوا أن ذلك طاعة لله ورسوله ، فكيف بمن دخلها من هؤلاء الملبسين  [ ص: 327 ] إخوان الشياطين ، وأوهموا الجهال أن ذلك ميراث من إبراهيم الخليل  ، وأن النار قد تصير عليهم بردا وسلاما ، كما صارت على إبراهيم  ، وخيار هؤلاء ملبوس عليه يظن أنه دخلها بحال رحماني ، وإنما دخلها بحال شيطاني ، فإذا كان لا يعلم بذلك ، فهو ملبوس عليه ، وإن كان يعلم به ، فهو ملبس على الناس يوهمهم أنه من أولياء الرحمن ، وهو من أولياء الشيطان ، وأكثرهم يدخلها بحال بهتاني وتحيل إنساني ، فهم في دخولها في الدنيا ثلاثة أصناف : ملبوس عليه ، وملبس ، ومتحيل ، ونار الآخرة أشد عذابا وأبقى . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					