وأما قول ابن عباس : " إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "تزوج ميمونة ، وهو محرم ، وبنى بها وهو حلال " فمما استدرك عليه ، وعد من وهمه ، قال سعيد بن المسيب : ووهم ابن عباس وإن كانت خالته ، ما تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا بعد ما حل . ذكره البخاري .
وقال يزيد بن الأصم عن ميمونة : " تزوجني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن حلالان بسرف " رواه مسلم .
وقال أبو رافع : " تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ميمونة وهو حلال ، وبنى بها وهو حلال ، وكنت الرسول بينهما " صح ذلك عنه .
وقال سعيد بن المسيب : هذا عبد الله بن عباس يزعم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نكح [ ص: 330 ] ميمونة ، وهو محرم ، وإنما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة ، وكان الحل والنكاح جميعا ، فشبه ذلك على الناس .
وقد قيل : إنه تزوجها قبل أن يحرم ، وفي هذا نظر إلا أن يكون وكل في العقد عليها قبل إحرامه ، وأظن الشافعي ذكر ذلك قولا ، فالأقوال ثلاثة .
أحدها : أنه تزوجها بعد حله من العمرة ، وهو قول ميمونة نفسها ، وقول السفير بينها وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو أبو رافع ، وقول سعيد بن المسيب ، وجمهور أهل النقل .
والثاني : أنه تزوجها وهو محرم ، وهو قول ابن عباس وأهل الكوفة وجماعة .
والثالث : أنه تزوجها قبل أن يحرم .
وقد حمل قول ابن عباس أنه "تزوجها وهو محرم " على أنه تزوجها في الشهر الحرام ، لا في حال الإحرام ، قالوا : ويقال : أحرم الرجل : إذا عقد الإحرام ، وأحرم : إذا دخل في الشهر الحرام ، وإن كان حلالا بدليل قول الشاعر :
قتلوا ابن عفان الخليفة محرما ورعا فلم أر مثله مقتولا
وإنما قتلوه في المدينة حلالا في الشهر الحرام .وقد روى مسلم في "صحيحه" من حديث عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب " .
ولو قدر تعارض القول والفعل هاهنا ، لوجب تقديم القول ؛ لأن الفعل موافق [ ص: 331 ] للبراءة الأصلية ، والقول ناقل عنها ، فيكون رافعا لحكم البراءة الأصلية ، وهذا موافق لقاعدة الأحكام ، ولو قدم الفعل ، لكان رافعا لموجب القول ، والقول رافع لموجب البراءة الأصلية ، فيلزم تغيير الحكم مرتين ، وهو خلاف قاعدة الأحكام ، والله أعلم .


