فصل 
في هديه صلى الله عليه وسلم في الجمعة وذكر خصائص يومها 
ثبت في " الصحيحين " عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( نحن الآخرون الأولون السابقون يوم القيامة ، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا ، ثم هذا يومهم الذي  [ ص: 354 ] فرض الله عليهم ، فاختلفوا فيه فهدانا الله له ، والناس لنا فيه تبع ، اليهود  غدا والنصارى  بعد غد  ) . 
وفي " صحيح  مسلم   " عن  أبي هريرة  ، وحذيفة  رضي الله عنهما قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا ، فكان لليهود  يوم السبت ، وكان للنصارى  يوم الأحد ، فجاء الله بنا فهدانا ليوم الجمعة ، فجعل الجمعة والسبت والأحد ، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة ، نحن الآخرون من أهل الدنيا ، والأولون يوم القيامة ، المقضي لهم قبل الخلائق  ) . 
وفي " المسند " والسنن من حديث أوس بن أوس  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( من أفضل أيامكم يوم الجمعة ، فيه خلق الله آدم ، وفيه قبض ، وفيه النفخة ، وفيه الصعقة ، فأكثروا علي من الصلاة فيه ، فإن صلاتكم معروضة علي " قالوا : يا رسول الله ، وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت ؟ ( يعني : قد بليت ) قال : " إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء  ) . ورواه الحاكم  في " المستدرك "  وابن حبان  في " صحيحه " . 
 [ ص: 355 ] وفي " جامع  الترمذي   " من حديث  أبي هريرة  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة ، فيه خلق الله آدم ، وفيه أدخل الجنة ، وفيه أخرج منها ، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة  ) . قال : حديث حسن صحيح ، وصححه الحاكم   . 
وفي " المستدرك " أيضا عن  أبي هريرة  مرفوعا ( سيد الأيام يوم الجمعة ، فيه خلق آدم  ، وفيه أدخل الجنة ، وفيه أخرج منها ، ولا تقوم الساعة إلا يوم الجمعة  ) . 
وروى مالك  في " الموطأ " عن  أبي هريرة  مرفوعا ( خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة ، فيه خلق آدم  ، وفيه أهبط ، وفيه تيب عليه ، وفيه مات ، وفيه تقوم الساعة ، وما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة من حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقا من الساعة إلا الجن والإنس ، وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه . قال كعب   : ذلك في كل سنة يوم ، فقلت : بل في كل جمعة ، فقرأ كعب  التوراة ، فقال صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال  أبو هريرة   : ثم لقيت  عبد الله بن سلام  فحدثته بمجلسي مع كعب  ، قال : قد علمت أية ساعة هي ، قلت فأخبرني بها ، قال : هي آخر ساعة في يوم الجمعة . فقلت كيف وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي ) وتلك الساعة لا يصلى فيها ؟ فقال ابن سلام   : ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم " من جلس مجلسا ينتظر الصلاة ، فهو في  [ ص: 356 ] صلاة حتى يصلي " ؟  . 
وفي " صحيح  ابن حبان   " مرفوعا ( لا تطلع الشمس على يوم خير من يوم الجمعة  ) . 
وفي " مسند  الشافعي   " من حديث  أنس بن مالك  رضي الله عنه ، قال : ( أتى جبريل  عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمرآة بيضاء ، فيها نكتة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما هذه ؟ فقال : " هذه يوم الجمعة ، فضلت بها أنت وأمتك ، والناس لكم فيها تبع ، اليهود  والنصارى  ، ولكم فيها خير ، وفيها ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يدعو الله بخير إلا استجيب له وهو عندنا يوم المزيد ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا جبريل ! ما يوم المزيد ؟ قال إن ربك اتخذ في الفردوس واديا أفيح فيه كثب من مسك ، فإذا كان يوم الجمعة أنزل الله سبحانه ما شاء من ملائكته ، وحوله منابر من نور عليها مقاعد النبيين ، وحف تلك المنابر بمنابر من ذهب مكللة بالياقوت والزبرجد ، عليها الشهداء والصديقون ، فجلسوا من ورائهم على تلك الكثب " ، فيقول الله عز وجل " أنا ربكم قد صدقتكم وعدي ، فسلوني أعطكم ، فيقولون : ربنا نسألك رضوانك ، فيقول قد رضيت عنكم ولكم ما تمنيتم ولدي مزيد ، فهم يحبون يوم الجمعة لما يعطيهم فيه  [ ص: 357 ] ربهم من الخير ، وهو اليوم الذي استوى فيه ربك تبارك وتعالى على العرش ، وفيه خلق آدم ، وفيه تقوم الساعة  ) . 
رواه  الشافعي  عن إبراهيم بن محمد  ، حدثني  موسى بن عبيدة  ، قال : حدثني أبو الأزهر  معاوية بن إسحاق بن طلحة  ، عن عبد الله بن عبيد  ، عن عمير بن أنس   . 
ثم قال : وأخبرنا إبراهيم  قال : حدثني أبو عمران إبراهيم بن الجعد  عن أنس  شبيها به . 
وكان  الشافعي  حسن الرأي في شيخه إبراهيم  هذا ، لكن قال فيه  الإمام أحمد  رحمه الله : معتزلي جهمي قدري كل بلاء فيه . 
ورواه  أبو اليمان الحكم بن نافع  ، حدثنا صفوان   : قال : قال أنس   : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " أتاني جبريل  فذكره " ورواه  محمد بن شعيب  ، عن عمر مولى غفرة  ، عن أنس   . ورواه أبو ظبية  ، عن عثمان بن عمير  ، عن أنس   . وجمع  أبو بكر بن أبي داود  طرقه . 
وفي " مسند أحمد   " من حديث علي بن أبي طلحة  ، عن  أبي هريرة  قال : قيل للنبي صلى الله عليه وسلم : لأي شيء سمي يوم الجمعة ؟ قال : ( لأن فيه طبعت طينة أبيك آدم  ، وفيه الصعقة ، والبعثة ، وفيه البطشة ، وفي آخره ثلاث ساعات منها ساعة من دعا الله فيها استجيب له )  . 
 [ ص: 358 ] وقال  الحسن بن سفيان النسوي  في " مسنده " : حدثنا أبو مروان هشام بن خالد الأزرق   : حدثنا الحسن بن يحيى الخشني  ، حدثنا عمر بن عبد الله مولى غفرة  ، حدثني  أنس بن مالك  ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( أتاني جبريل  وفي يده كهيئة المرآة البيضاء ، فيها نكتة سوداء ، فقلت : ما هذه يا جبريل  ؟ فقال : هذه الجمعة بعثت بها إليك تكون عيدا لك ولأمتك من بعدك . فقلت : وما لنا فيها يا جبريل  ؟ قال : لكم فيها خير كثير ، أنتم الآخرون السابقون يوم القيامة ، وفيها ساعة لا يوافقها عبد مسلم يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه . قلت فما هذه النكتة السوداء يا جبريل  ؟ قال : هذه الساعة تكون في يوم الجمعة وهو سيد الأيام ، ونحن نسميه عندنا يوم المزيد . قلت : وما يوم المزيد يا جبريل  ؟ قال : ذلك بأن ربك اتخذ في الجنة واديا أفيح من مسك أبيض ، فإذا كان يوم الجمعة من أيام الآخرة هبط الرب عز وجل من عرشه إلى كرسيه ، ويحف الكرسي بمنابر من النور فيجلس عليها النبيون ، وتحف المنابر بكراسي من ذهب ، فيجلس عليها الصديقون والشهداء ، ويهبط أهل الغرف من غرفهم ، فيجلسون على كثبان المسك لا يرون لأهل المنابر والكراسي فضلا في المجلس ، ثم يتبدى لهم ذو الجلال والإكرام تبارك وتعالى ، فيقول : سلوني ، فيقولون بأجمعهم : نسألك الرضى يا رب ، فيشهد لهم على الرضى ، ثم يقول : سلوني ، فيسألونه حتى تنتهي نهمة كل عبد منهم ، قال : ثم يسعى عليهم بما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، ثم يرتفع الجبار من كرسيه إلى عرشه ، ويرتفع أهل الغرف إلى غرفهم ، وهي غرفة من لؤلؤة بيضاء أو ياقوتة حمراء أو زمردة خضراء ، ليس فيها فصم ولا وصم منورة ، فيها أنهارها ، أو قال مطردة متدلية فيها ثمارها ، فيها أزواجها وخدمها ومساكنها قال : فأهل الجنة  [ ص: 359 ] يتباشرون في الجنة بيوم الجمعة ، كما يتباشر أهل الدنيا في الدنيا بالمطر  ) . 
وقال  ابن أبي الدنيا  في كتاب " صفة الجنة " : حدثني أزهر بن مروان الرقاشي  ، حدثني عبد الله بن عرادة الشيباني  ، حدثنا القاسم بن مطيب  ، عن  الأعمش  ، عن أبي وائل  ، عن حذيفة  ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أتاني جبريل  وفي كفه مرآة كأحسن المرائي وأضوئها ، وإذا في وسطها لمعة سوداء ، فقلت : ما هذه اللمعة التي أرى فيها ؟ قال هذه الجمعة ، قلت : وما الجمعة ؟ قال يوم من أيام ربك عظيم ، وسأخبرك بشرفه وفضله في الدنيا ، وما يرجى فيه لأهله ، وأخبرك باسمه في الآخرة ، فأما شرفه وفضله في الدنيا ، فإن الله عز وجل جمع فيه أمر الخلق ، وأما ما يرجى فيه لأهله ، فإن فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم أو أمة مسلمة يسألان الله تعالى فيها خيرا إلا أعطاهما إياه ، وأما شرفه وفضله في الآخرة واسمه ، فإن الله تبارك وتعالى إذا صير أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار ، جرت عليهم هذه الأيام وهذه الليالي ، ليس فيها ليل ولا نهار إلا قد علم الله عز وجل مقدار ذلك وساعاته ، فإذا كان يوم الجمعة حين يخرج أهل الجمعة إلى جمعتهم ، نادى أهل الجنة مناد ، يا أهل الجنة ! اخرجوا إلى وادي المزيد ، ووادي المزيد لا يعلم سعة طوله وعرضه إلا الله ، فيه كثبان المسك رؤوسها في السماء قال : فيخرج غلمان الأنبياء بمنابر من نور ، ويخرج غلمان المؤمنين بكراسي من ياقوت ، فإذا وضعت لهم ، وأخذ القوم مجالسهم ، بعث الله عليهم ريحا تدعى المثيرة ، تثير ذلك المسك ، وتدخله من تحت ثيابهم ، وتخرجه في وجوههم وأشعارهم ، تلك الريح أعلم كيف تصنع بذلك المسك من امرأة أحدكم ، لو دفع إليها كل طيب على وجه الأرض . قال : ثم يوحي الله تبارك وتعالى إلى حملة عرشه : ضعوه بين أظهرهم ، فيكون أول ما يسمعونه منه :  [ ص: 360 ] إلي يا عبادي الذين أطاعوني بالغيب ولم يروني ، وصدقوا رسلي ، واتبعوا أمري ، سلوني فهذا يوم المزيد ، فيجتمعون على كلمة واحدة : رضينا عنك فارض عنا ، فيرجع الله إليهم : أن يا أهل الجنة إني لو لم أرض عنكم لم أسكنكم داري فسلوني فهذا يوم المزيد ، فيجتمعون على كلمة واحدة : يا ربنا وجهك ننظر إليه ، فيكشف تلك الحجب ، فيتجلى لهم عز وجل فيغشاهم من نوره شيء لولا أنه قضى ألا يحترقوا لاحترقوا لما يغشاهم من نوره ، ثم يقال لهم : ارجعوا إلى منازلكم ، فيرجعون إلى منازلهم وقد أعطى كل واحد منهم الضعف على ما كانوا فيه ، فيرجعون إلى أزواجهم وقد خفوا عليهن وخفين عليهم مما غشيهم من نوره ، فإذا رجعوا تراد النور حتى يرجعوا إلى صورهم التي كانوا عليها ، فتقول لهم أزواجهم لقد خرجتم من عندنا على صورة ورجعتم على غيرها فيقولون : ذلك لأن الله عز وجل تجلى لنا فنظرنا منه , قال وإنه والله ما أحاط به خلق ، ولكنه قد أراهم من عظمته وجلاله ما شاء أن يريهم ، قال : فذلك قولهم فنظرنا منه ، قال : فهم يتقلبون في مسك الجنة ونعيمها في كل سبعة أيام الضعف على ما كانوا فيه . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذلك قوله تعالى : ( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون   )  ) [ السجدة : 17 ] . 
ورواه أبو نعيم  في " صفة الجنة " من حديث عصمة بن محمد  ، حدثنا  موسى بن عقبة  ، عن أبي صالح  عن أنس  شبيها به . 
 [ ص: 361 ] وذكر أبو نعيم  في " صفة الجنة " من حديث المسعودي  عن المنهال  ، عن أبي عبيدة  ، عن عبد الله  قال : ( سارعوا إلى الجمعة في الدنيا ، فإن الله تبارك وتعالى يبرز لأهل الجنة في كل جمعة على كثيب من كافور أبيض فيكونون منه سبحانه بالقرب على قدر سرعتهم إلى الجمعة ، ويحدث لهم من الكرامة شيئا لم يكونوا رأوه قبل ذلك ، فيرجعون إلى أهليهم وقد أحدث لهم )  . 
				
						
						
