[ ص: 456 ] فصل 
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم في سفره الاقتصار على الفرض  ، ولم يحفظ عنه أنه صلى سنة الصلاة قبلها ولا بعدها إلا ما كان من الوتر ، وسنة الفجر فإنه لم يكن ليدعهما حضرا ولا سفرا . قال  ابن عمر  وقد سئل عن ذلك : فقال : ( صحبت النبي صلى الله عليه وسلم فلم أره يسبح في السفر ، وقال الله عز وجل ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة   )  ) [ الأحزاب : 21 ] ومراده بالتسبيح : السنة الراتبة ، وإلا فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يسبح على ظهر راحلته حيث كان وجهه . 
وفي " الصحيحين " عن  ابن عمر  ، قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في السفر على راحلته حيث توجهت يومئ إيماء صلاة الليل ، إلا الفرائض ويوتر على راحلته  ) . 
قال  الشافعي  رحمه الله : وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يتنفل ليلا وهو يقصر ، وفي " الصحيحين " : عن  عامر بن ربيعة  ، أنه ( رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي السبحة بالليل في السفر على ظهر راحلته  ) فهذا قيام الليل . 
وسئل  الإمام أحمد  رحمه الله عن التطوع في السفر  ؟ فقال : أرجو أن لا يكون بالتطوع في السفر بأس ، وروي عن الحسن  قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسافرون فيتطوعون قبل المكتوبة وبعدها ، وروي هذا عن  [ ص: 457 ] عمر  ، وعلي  ،  وابن مسعود  ، وجابر  ، وأنس  ،  وابن عباس  ، وأبي ذر   . 
وأما  ابن عمر  فكان لا يتطوع قبل الفريضة ولا بعدها إلا من جوف الليل مع الوتر ، وهذا هو الظاهر من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه كان لا يصلي قبل الفريضة المقصورة ولا بعدها شيئا ، ولكن لم يكن يمنع من التطوع قبلها ولا بعدها ، فهو كالتطوع المطلق ، لا أنه سنة راتبة للصلاة كسنة صلاة الإقامة ، ويؤيد هذا أن الرباعية قد خففت إلى ركعتين تخفيفا على المسافر فكيف يجعل لها سنة راتبة يحافظ عليها وقد خفف الفرض إلى ركعتين ، فلولا قصد التخفيف على المسافر ، وإلا كان الإتمام أولى به ، ولهذا قال  عبد الله بن عمر   : ( لو كنت مسبحا لأتممت  ) وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى يوم الفتح ثمان ركعات ضحى وهو إذ ذاك مسافر  . 
وأما ما رواه أبو داود  ،  والترمذي  في السنن من حديث الليث  ، عن  صفوان بن سليم  ، عن أبي بسرة الغفاري  ، عن  البراء بن عازب  ، قال : ( سافرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر سفرا ، فلم أره ترك ركعتين عند زيغ الشمس قبل الظهر  ) قال  الترمذي   : هذا حديث غريب . قال : وسألت محمدا  عنه ، فلم يعرفه إلا من حديث  الليث بن سعد  ، ولم يعرف اسم أبي بسرة  ورآه حسنا . وبسرة : بالباء الموحدة المضمومة وسكون السين المهملة . 
وأما حديث  عائشة  رضي الله عنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم ( كان لا يدع أربعا قبل الظهر وركعتين بعدها  ) فرواه  البخاري  في " صحيحه " ولكنه ليس بصريح في فعله ذلك في السفر ، ولعلها أخبرت عن أكثر أحواله وهو الإقامة ، والرجال أعلم بسفره من النساء ، وقد أخبر  ابن عمر  أنه لم يزد على ركعتين ،  [ ص: 458 ] ولم يكن  ابن عمر  يصلي قبلها ولا بعدها شيئا . والله أعلم . 
				
						
						
