فضيلة الإخلاص وحقيقته    : 
قال الله - تعالى - : ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين    ) [ البينة : 5 ] وقال - تعالى - : ( ألا لله الدين الخالص    ) [ الزمر : 3 ] وقال - تعالى - : ( إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله    ) [ النساء : 146 ] وقال - تعالى - : ( فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا    ) [ الكهف : 110 ] وعن "  علي     " كرم الله وجهه : "لا تهتموا لقلة العمل واهتموا للقبول فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال "  لمعاذ بن جبل     " : "أخلص العمل يجزك منه القليل   " وقال "  يعقوب المكفوف     " : "المخلص من يكتم حسناته كما يكتم سيئاته "   . 
واعلم أن كل شيء يتصور أن يشوبه غيره ، فإذا صفا عن شوبه وخلص عنه سمي خالصا ، ويسمى الفعل المصفي المخلص : إخلاصا ، والإخلاص يضاده الإشراك ، فمن ليس مخلصا فهو مشرك ، إلا أن الشرك درجات ، وقد جرى العرف على تخصيص اسم الإخلاص بتجريد قصد التقرب إلى الله - تعالى - عن جميع الشوائب ، فإذا امتزج قصد التقرب بباعث آخر من رياء أو غيره من حظوظ النفس فقد خرج عن الإخلاص ، ومثاله أن يصوم لينتفع بالحمية الحاصلة بالصوم مع قصد التقرب  ، أو يحج ليصح مزاجه بحركة السفر  ، أو ليتخلص من عدو له ، أو يصلي بالليل لغرض دنيوي  ، أو يتعلم العلم أو يخدم العلماء والصوفية لذلك ، أو يعود مريضا ليعاد إذا مرض  أو يشيع جنازة ليشيع جنائز أهله  ، أو يفعل شيئا من ذلك ليعرف بالخير ويذكر   [ ص: 302 ] به ، وينظر إليه بعين الصلاح والوقار . 
فمهما كان باعثه التقرب إلى الله - تعالى - ولكن انضاف إليه خطرة من هذه الخطرات حتى صار العمل أخف عليه بسبب هذه الأمور ، فقد خرج عمله عن حد الإخلاص وخرج عن أن يكون خالصا لوجه الله - تعالى - وتطرق إليه الشرك . 
وبالجملة كل حظ من حظوظ الدنيا تستريح إليه النفس ويميل إليه القلب قل أم كثر إذا تطرق إلى العمل تكدر به صفوه وزال به إخلاصه ، فإن الخالص من العمل  هو الذي لا باعث عليه إلا طلب القرب من الله تعالى ، وهذا لا يتصور إلا من محب لله لم يبق لحب الدنيا في قلبه قرار ، ولذا كان علاج الإخلاص كسر حظوظ النفس وقطع الطمع عن الدنيا والتجرد للآخرة بحيث يغلب ذلك على القلب ، فإذ ذاك يتيسر الإخلاص . 
وكم من أعمال يتعب الإنسان فيها ويظن أنها خالصة لوجه الله ويكون فيها مغرورا ؛ لأنه لا يرى وجه الآفة فيها . فليكن العبد شديد التفقد والمراقبة لهذه الدقائق ، وإلا التحق بأتباع الشياطين وهو لا يشعر . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					