حدثنا ، ثنا أبو بكر محمد بن الحسين الآجري عباس بن يوسف الشكلي ، ثنا محمد بن الحسن بن العلاء البلخي قال : سمعت يقول : " يحيى بن معاذ الرازي ، ورجل شغله معاشه لمعاده فتلك درجة الفائزين ، ورجل شغله معاشه عن معاده فتلك درجة الهالكين " . الناس ثلاثة : فرجل شغله معاده عن معاشه فتلك درجة الصالحين
سمعت أبا الحسن بن مقسم يقول : سمعت أبا العباس بن حكويه الرازي يقول : سمعت يقول : " يحيى بن معاذ " . لا تسكن إلى نفسك وإن دعتك إلى الرغائب
سمعت أبا الحسن يقول : سمعت أبا العباس يقول : سمعت يقول : يحيى بن معاذ " . " الدنيا بحر التلف والنجاة منها الزهد فيها
سمعت أبا الحسن يقول : سمعت أبا العباس يقول : سمعت يقول : " يا جهول يا غفول يحيى بن معاذ . قال : وسمعت لو سمعت صرير القلم حين يجري في اللوح المحفوظ بذكرك لمت طربا يحيى يقول : استشعرت الفقر فاتهمته ، ووثقت بعبد مثلك فقير فائتمنته ، ثم صرخ وقال : واسوأتاه منك إذا شاهدتني وهمتي تسبق إلى سواك أم كيف لا أضنى في طلب رضاك . قال : وسمعت يحيى يقول : وتكلمه لدغات الشوق والخفقان . قال : وسمعته يقول : قلب المحب يهيم بالطيران ، إلهي لا أقول لا أعود لما أعرف من خلقي وضعفي ، إلهي إنك إن أحببتني غفرت سيئاتي وإن مقتني لم تقبل حسناتي ، ثم قال : أواه قبل استحقاق قول أواه . قال : وسمعت إلهي إن كانت ذنوبي عظمت في جنب نهيك فإنها قد صغرت في جنب عفوك يحيى يقول : ، ولو سمعت الخليقة دمدمة النار على الخليقة لتصدعت القلوب فرقا " . لو سمع الخلق صوت النياحة على الدنيا في الغيب من ألسنة الفناء لتساقطت القلوب منهم حزنا
[ ص: 57 ] أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد في كتابه ، وحدثني عنه ، عثمان ، ثنا عبد الله بن سهل الرازي ، قال : سمعت يقول : " يحيى بن معاذ ولكن اجعلها عبادتك لتنال بها الآخرة ، وإذا شكرك أبناء الدنيا ومدحوك فاصرف أمرهم على الخرافات ، وقال : ترى الخلق متعلقين بالأسباب ، والعارف متعلق بولي الأسباب ، إنما حديثه عن عظمة الله وقدرته وكرمه ورحمته يحترف بهذا دهره ، ويدخل به قبره ، وسمعته يقول : من كانت الحياة قيده كان طلاقه منها موته ، وسمعته يقول : الدنيا لا قدر لها عند ربها وهي له ، فما ينبغي أن يكون قدرها عندك وليست لك قال : وسئل لا تجعل الزهد حرفتك لتكتسب بها الدنيا يحيى عن الوسوسة ، فقال : إن كانت الدنيا سجنك كان جسدك لها سجنا ، وإن كانت الدنيا روضتك كان جسدك لها بستانا ، وقيل ليحيى : كيف يتعبد الرجل من غير بضاعة تعينه على العبادة ؟ قال : أولئك بضاعتهم مولاهم وزادهم تقواهم وشغلهم ذكراهم ، ومن اهتم بعشائه لم يتهن بغدائه ، ومن أراد تسكين قلبه بشيء دون مولاه لم يزده استكثاره من ذلك إلا اضطرابا " .
حدثنا أبو الحسن محمد بن عمرو ، ثنا الحسن بن علويه ، سمعت يقول : " لو لم يكن للعارفين إلا هاتان النعمتان لكفاهم منه ، يحيى بن معاذ " . متى رجعوا إليه وجدوه ، ومتى ما شاءوا ذكروه
حدثنا أبو الحسن ، ثنا الحسن قال : سمعت يحيى يقول : " من شيئان : ما مضى وما كان ، وفيما هو وما أعلم وكيف أعمل ، وبعده ما يكون ؟ فكيف تكون هذه الثلاثة الأيام أمس واليوم وغدا ؟ قد زل عن قلبه عجب عمله ، ولازمه خوف ذنبه . قال : وسمعت صفة العارف يحيى يقول : من صفة العارف جسم ناعم وقلب هائم وشوق دائم وذكر لازم . قال : وسمعت يحيى يقول : عبادة العارف في ثلاثة أشياء : معاشرة الخلق بالجميل ، وإدامة الذكر للجليل ، وصحة جسم بين جنبيه قلب عليل . وسمعته يقول : سبحان من طيب الدنيا للعارفين بمعرفته ، وسبحان من طيب لهم الآخرة بمعذرته ، فتلذذوا أيام الحياة بالذكر في مجالس معرفته ، وغدا يتلذذون في رياض القدس بشراب مغفرته ، فلهم في الدنيا زرع ذكر [ ص: 58 ] ولهم في الآخرة ربيع بر ، ساروا على المطايا من شكره حتى وصلوا إلى العطايا من ذخره ، فإنه ملك كريم " .
سمعت يقول : سمعت محمد بن محمد بن عبيد الله محمد بن محمد بن مسعود البدشي يقول : سمعت يقول : " يحيى بن معاذ ، ومجالس العطايا ، وعن منازعة الأضداد ، في مجالس البلايا . قال : وسمعت العارف قد يشتغل بربه عن مفاخرة الأشكال يقول : يحيى بن معاذ ، وأصدق الظنون حسن الظن بالله " . أوثق الرجاء رجاء العبد ربه
سمعت يقول : سمعت محمد بن محمد بن عبيد الله أحمد بن محمد بن مسعود يقول : سمعت يقول : " يحيى بن معاذ ، والفقر منيته ، والعزلة شهوته ، والآخرة همته ، وطلب العيش بلغته ، وجعل الموت فكرته ، وشغل بالزهد نيته ، وأمات بالذل عزته ، وجعل إلى الرب حاجته ، يذكر في الخلوات خطيئته ، وأرسل على الوجنة عبرته ، وشكا إلى الله غربته ، وسأله بالتوبة رحمته ، طوبى لمن كان ذلك صفته ، وعلى الذنوب ندامته جأر الليل والنهار ، وبكاء إلى الله بالأسحار ، يناجي الرحمن ويطلب الجنان ويخاف النيران " . طوبى لعبد أصبحت العبادة حرفته
سمعت محمد بن محمد يقول : سمعت محمد بن أحمد بن مسعود البدشي يقول : سمعت يقول : " يحيى بن معاذ : من بادر بعمله ، وتسوف بأمله ، واستعد لأجله " . قال : وسمعت الكيس من فيه ثلاثة خصال يحيى يقول : من فيه ثلاثة خصال : من قرض أيامه بالبطالات ، وبسط جوارحه على الحسرات ، ومات قبل إفاقته من السكرات . قال : وسمعت المغبون يوم القيامة يقول : سبحان الله ، فلعل لا إله إلا الله تستوهبه من أهل لا إله إلا الله ، يحيى بن معاذ " . فليس ما أتى به من الذنب عصيانا أكثر مما أتى به من التوحيد إيمانا
سمعت يقول : سمعت محمد بن محمد بن عبيد الله محمد بن أحمد سنة خمس وثلاثمائة يقول : سمعت يقول : " إن يحيى بن معاذ ، وعلى قدر توقيره لأمره يوقره خلقه ، وعلى قدر [ ص: 59 ] التشاغل منه بأمره يشغل به خلقه ، وعلى قدر سكون قلبه على وعده يطيب له عيشه ، وعلى قدر إدامته لطاعته يحليها في صدره ، وعلى قدر لهجته بذكره يديم ألطاف بره ، وعلى قدر استيحاشه من خلقه يؤنسه بعطائه ، فلو لم يكن لابن العبد على قدر حبه لمولاه يحببه إلى خلقه آدم من الثواب على عمله إلا ما عجل له في دنياه لكان كثيرا ، سوى ما يريد أن يصير إليه من جزيل جزائه وعظيم إعطائه ما لا يحيط به إحصاء ولا تبلغه منى ، إذ كان يعطي على قدر ما هو أهله ، إنه ملك كريم " .
أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد البغدادي في كتابه ، وحدثني عنه عثمان بن محمد ، ثنا عبد الله بن سهل قال : سمعت يقول : " يحيى بن معاذ ، وخصمي لا فهم له ، قيل له : من خصمك ؟ قال : خصمي نفسي لا فهم لها تبيع الجنة بما فيها من النعيم المقيم ، والخلود فيها بشهوة ساعة في دار الدنيا . قال : وسمعت من سعادة المرء أن يكون خصمه فهما يحيى يقول : . قال : وسمعته يقول : يا ابن لا تعرفه حتى تعمى عن الخلق آدم إنك لا تشتاق إلى ربك إلا بالاستيحاش من خلقه قال : وسمعت يحيى يقول : في جميع أفخاره فرح الله بتوبته . قال : وسمعت للتائب فخر لا يعادله فخر يحيى يقول : . قال : وسمعت من ادعى حبه فهو طالب ، فإذا أحبه سكت يحيى يقول : ، قيل له : وكيف يحجبهم ؟ قال : يحجبهم عن أبناء الدنيا بأستار الآخرة وعن أبناء الآخرة بأستار الدنيا ، وهذا مشهور . قال : وسمعت إذا اصطفاهم لنفسه وأمكنهم من أنسه حجبهم عن خلقه بالمعروف من رفقه يحيى يقول :
مجد إلهك يحيى إنه ملك مهيمن صمد للذنب غفار اشكر له حكما آتاكها مننا
تترى توافقها في الدين آثار
قال : وسمعت يحيى يقول : لو لم يسكنهم ببلواه لطارت بهم نعماه ، ولم يصل إليه من لم يرض بقسمه ، ولم يعرفه من لم يتمتع بنعمه ، ولم يحبه من لم يته في كرمه . وسمعته يقول : حين خاطروا بالنفوس اقتربوا ، وهذا طعم الخبر فكيف طعم النظر ؟ " .
سمعت أبا الحسن محمد بن عمرو الجرجاني يقول : سمعت أبا محمد الحسن [ ص: 60 ] بن محمد الرازي المذكر يقول : سمعت أبي يقول : سمعت يقول : " يحيى بن معاذ ، وشفاهها مغاليقها ، وأسنانها مخالبها ، فإذا فتح الرجل باب حانوته تبين لك العطار من البيطار . قال : وسمعت أفواه الرجال حوانيتها يحيى يقول : قد ، إنك إن أجبته من دنياك دخلتها ، وإن أجبته من قبرك منعتها . قال : وسمعت دعاك إلى دار السلام فانظر من أين تجيبه ؟ أمن الدنيا أم من قبرك يحيى يقول : إن الدرهم عقرب ، فإن لم تحسن رقيته فلا تأخذه بيدك ، فإنه إن لدغك قتلك . قال : وسمعته يقول : ، فخذوا منها حسب ما يؤخذ السم في الأدوية ؛ لعلكم تسلمون " . الدنيا سم الله القتال لعباده
أخبرنا محمد بن الحسين بن موسى ، في كتابه قال : سمعت يقول : سمعت منصور بن عبد الله الحسن بن علويه يقول : سمعت يقول : " يحيى بن معاذ ، وأحباؤه عبيد مننه فهم عبيد محبة لا يعتقون ، ورهائن كرم لا يفكون ، وأسراء نعم لا يطلقون " . أولياؤه أسراء نعمه ، وأصفياؤه رهائن كرمه
أخبرنا محمد بن الحسين قال : سمعت محمد بن علي النهاوندي يقول : سمعت موسى بن محمد يقول : سمعت يقول : " يحيى بن معاذ لا يأنسون إلى أحد ، والزاهدون غرباء في الدنيا والعارفون غرباء في الآخرة . قال : وسمعت أهل المعرفة وحش الله في الأرض يحيى يقول : آدم ما لك تأسف على مفقود لا يرده عليك الغوث ؟ وما لك تفرح بموجود لا يتركه في يدك الموت " . ابن
أخبرنا عبد الواحد بن بكر ، حدثني أحمد بن محمد بن علي البردعي ، ثنا طاهر بن إسماعيل الرازي قال : قيل : ليحيى بن معاذ ، قال : كيف هو ؟ قال : ملك قادر ؟ قال : أين هو ؟ قال : بالمرصاد ، قال : ليس عن هذا أسألك قال أخبرني عن الله ما هو ؟ قال : إله واحد يحيى : فذاك صفة المخلوق فأما صفة الخالق فقد أخبرتك " .
حدثنا عثمان بن محمد العثماني قال : سمعت أبا بكر البغدادي يقول : سمعت عبد الله بن سهل الرازي يقول : سمعت يقول : " يحيى بن معاذ ، وأعجب منه من صبر عليه كيف لا ينقطع ؟ ثم قال : عجبت لمن يصبر عن ذكر الله
ندافع عيشنا بالجهد جهدا مدافعة إلى جهد المنايا
[ ص: 61 ] قال : وسمعت يحيى يقول : من خصلتان : ألا يذيع حاله لأحد ولا يفتش أحد عن حاله ، ومن علامة المريد الرضا بالقضاء ، والثقة بالوعد ، والعمل بالإخلاص ، والشكر على البلاء ، والتوبة من كل ذنب ، وامتحان الإرادات . قال : وسمعت صفة العارف يحيى يقول : سبحان من جعل الأرواح روحانية نورانية والأنفس جولانية هوائية ، " . فالأرواح تحن إلى عليين معدنها ، والأنفس تحن إلى سجين محبسها
حدثنا عثمان بن محمد قال : قرئ على أبي حسن أحمد بن محمد بن عيسى قال : سمعت إسماعيل بن معاذ يقول : سمعت يقول : " يحيى بن معاذ ، وبساتين من المناجاة بين رياض الأطراب ، وقصور الهيبة ، وفناء مجال الأنس معانقي عرائس الحكمة بصدور الأفهام ، مناعي زفرات الوجد وجوه الآخرة بفنون الأفراح تعاطوا بينهم كئوس حبه ، سقاهم فيها وغوتهم على شربها فرقان الشجى ، تجري في الأكباد تديم عليهم ذكر الحبيب ويبلبلهم معها هيمان الوجود ، قال : وأنشدني قوم على فرش من الذكر في مجلس من الشوق إسماعيل بن معاذ لأخيه : يحيى بن معاذ
مع الحب يدوم طرب الحب على الحب
عجبا لمن رأيناه على الحب يلوم
حول حب الله ما عشت مع الشوق أحوم
وبه أقعد ما عشت حياتي وأقوم
وقال أيضا رحمه الله :
نفس المحب إلى الحبيب تطلع وفؤاده من حبه يتقطع
عز الحبيب إذا خلا في ليله بحبيبه يشكو إليه ويضرع
ويقوم في المحراب يشكو بثه والقلب منه إلى المحبة ينزع