الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال بعد ذلك : ( وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون ) وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : قوله تعالى : ( وتلك حدود الله ) إشارة إلى ما بينه من التكاليف، وقوله : ( يبينها ) إشارة إلى الاستقبال ، والجمع بينهما متناقض ، وعندي أن هذه النصوص التي تقدمت أكثرها عامة يتطرق إليها تخصيصات كثيرة، وأكثر تلك المخصصات إنما عرفت بالسنة، فكان المراد والله أعلم أن هذه الأحكام التي تقدمت هي حدود الله ، وسيبينها الله تعالى كمال البيان على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ، وهو كقوله تعالى : ( لتبين للناس ما نزل إليهم ) [النحل : 44].

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : قرأ عاصم في رواية أبان : "نبينها" بالنون ، وهي نون التعظيم ، والباقون بالياء على أنه يرجع على اسم الله تعالى.

                                                                                                                                                                                                                                            والمسألة الثالثة : إنما خص العلماء بهذا البيان لوجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : أنهم هم الذين ينتفعون بالآيات ، فغيرهم بمنزلة من لا يعتد به، وهو كقوله : ( هدى للمتقين ) [البقرة : 2] .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : أنه خصهم بالذكر كقوله : ( وملائكته ورسله وجبريل وميكال ) [البقرة : 98] .

                                                                                                                                                                                                                                            والثالث : يعني به العرب لعلمهم باللسان .

                                                                                                                                                                                                                                            والرابع : يريد من له عقل وعلم، كقوله : ( وما يعقلها إلا العالمون ) [ العنكبوت : 43 ] والمقصود أنه لا يكلف إلا عاقلا عالما بما يكلفه؛ لأنه متى كان كذلك فقد أزيح عذر المكلف .

                                                                                                                                                                                                                                            والخامس : أن قوله : ( وتلك حدود الله ) يعني ما تقدم ذكره من الأحكام يبينها الله لمن يعلم أن الله أنزل الكتاب وبعث الرسول ليعملوا بأمره وينتهوا عما نهوا عنه.

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية