قوله تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : المراد بالصيد قولان ، الأول : أنه الذي توحش سواء كان مأكولا أو لم يكن ، فعلى هذا ، المحرم إذا قتل سبعا لا يؤكل لحمه ضمن ولا يجاوز به قيمة شاة ، وهو قول أبي حنيفة رحمه الله ، وقال [ ص: 73 ] زفر : يجب بالغا ما بلغ .
والقول الثاني : أن الصيد هو ما يؤكل لحمه ، فعلى هذا لا يجب الضمان البتة في قتل السبع ، وهو قول الشافعي رحمه الله ، وسلم أبو حنيفة رحمه الله أنه لا يجب الضمان في قتل الفواسق الخمس وفي قتل الذئب ، حجة الشافعي رحمه الله القرآن والخبر ، أما القرآن فهو أن الذي يحرم أكله ليس بصيد ، فوجب أن لا يضمن ، إنما قلنا إنه ليس بصيد لأن الصيد ما يحل أكله لقوله تعالى بعد هذه الآية : ( أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما ) فهذا يقتضي حل صيد البحر بالكلية وحل صيد البر خارج وقت الإحرام ، فثبت أن الصيد ما يحل أكله والسبع لا يحل أكله ، فوجب أن لا يكون صيدا ، وإذا ثبت أنه ليس بصيد وجب أن لا يكون مضمونا ، لأن الأصل عدم الضمان ، تركنا العمل به في ضمان الصيد بحكم هذه الآية ، فبقي فيما ليس بصيد على وفق الأصل ، وأما الخبر فهو الحديث المشهور وهو قوله عليه السلام : " خمس فواسق لا جناح على المحرم أن يقتلهن في الحل والحرم : الغراب والحدأة والحية والعقرب والكلب العقور " وفي رواية أخرى : والسبع الضاري ، والاستدلال به من وجوه :
أحدها : أن قوله : والسبع الضاري ، نص في المسألة .
وثانيها : أنه عليه السلام وصفها بكونها فواسق ثم حكم بحل قتلها ، والحكم المذكور عقيب الوصف المناسب مشعر بكون الحكم معللا بذلك الوصف ، وهذا يدل على أن كونها فواسق علة لحل قتلها ، ولا معنى لكونها فواسق إلا كونها مؤذية ، وصفة الإيذاء في السباع أقوى فوجب جواز قتلها .
وثالثها : أن الشارع خصها بإباحة القتل ، وإنما خصها بهذا الحكم لاختصاصها بمزيد الإيذاء ، وصفة الإيذاء في السباع أتم ، فوجب القول بجواز قتلها ، وإذا ثبت جواز قتلها وجب أن لا تكون مضمونة لما بيناه في الدليل الأول .
حجة أبي حنيفة رحمه الله : أن السبع صيد فيدخل تحت قوله : ( لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ) وإنما قلنا إنه صيد لقول الشاعر :
ليث تربى ربية فاصطيدا
ولقول علي عليه السلام :
صيد الملوك أرانب وثعالب وإذا ركبت فصيدي الأبطال
والجواب : قد بينا بدلالة الآية أن ما يحرم أكله ليس بصيد ، وذلك لا يعارضه شعر مجهول ، وأما شعر علي عليه السلام فغير وارد ، لأن عندنا الثعلب حلال .
المسألة الثانية : (حرم) جمع حرام ، وفيه ثلاثة أقوال ، الأول : قيل : حرم ؛ أي محرمون بالحج ، وقيل : وقد دخلتم الحرم ، وقيل : هما مرادان بالآية ، وهل يدخل فيه المحرم بالعمرة ؟ فيه خلاف .
المسألة الثالثة : قوله : ( لا تقتلوا ) يفيد المنع من القتل ابتداء والمنع منه تسببا ، فليس له أن يتعرض إلى الصيد ما دام محرما لا بالسلاح ولا بالجوارح من الكلاب والطيور ، سواء كان الصيد صيد الحل أو صيد الحرم ، وأما الحلال فله أن يتصيد في الحل وليس له أن يتصيد في الحرم ، وإذا قلنا : ( وأنتم حرم ) يتناول الأمرين ، أعني من كان محرما ومن كان داخلا في الحرم ، كانت الآية دالة على كل هذه الأحكام .


