ثم قال تعالى : ( أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما    ) وفيه مسائل : 
المسألة الأولى : قرأ نافع  وابن عامر    : (أو كفارة طعام) على إضافة الكفارة إلى الطعام ، والباقون : ( أو كفارة ) بالرفع والتنوين ( طعام ) بالرفع من غير التنوين ، أما وجه القراءة الأولى : فهي أنه تعالى لما خير المكلف بين ثلاثة أشياء : الهدي والصيام والطعام ، حسنت الإضافة ، فكأنه قيل : كفارة طعام لا كفارة هدي ولا كفارة صيام ، فاستقامت الإضافة لكون الكفارة من هذه الأشياء ، وأما وجه قراءة من قرأ : ( أو كفارة ) بالتنوين ، فهو أنه عطف على قوله : ( فجزاء    ) و ( طعام مساكين    ) عطف بيان ؛ لأن الطعام هو الكفارة ولم تضف الكفارة إلى الطعام ؛ لأن الكفارة ليست للطعام ، وإنما الكفارة لقتل الصيد . 
المسألة الثانية : قال  الشافعي  ومالك   وأبو حنيفة  رحمهم الله : كلمة (أو) في هذه الآية للتخيير ، وقال أحمد   وزفر    : للترتيب . 
حجة الأولين أن كلمة ( أو ) في أصل اللغة للتخيير ، والقول بأنها للترتيب ترك للظاهر . 
حجة الباقين : أن كلمة ( أو ) قد تجيء للتخيير ، كما في قوله تعالى : ( أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف    ) [المائدة : 33] فإن المراد منه تخصيص كل واحد من هذه الأحكام بحالة معينة ، فثبت أن هذا اللفظ يحتمل الترتيب ، فنقول : والدليل دل على أن المراد هو الترتيب ؛ لأن الواجب هاهنا شرع على سبيل التغليظ بدليل قوله : ( ليذوق وبال أمره عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه    ) [ المائدة : 95 ] والتخيير ينافي التغليظ . 
والجواب أن إخراج المثل ليس أقوى عقوبة من إخراج الطعام ، فالتخيير لا يقدح في القدر الحاصل من العقوبة في إيجاب المثل . 
المسألة الثالثة : إذا قتل صيدا له مثل  ، قال  الشافعي  رحمه الله : هو مخير بين ثلاثة أشياء : إن شاء أخرج المثل ، وإن شاء قوم المثل بدراهم ويشتري بها طعاما ويتصدق به ، وإن شاء صام ، وأما الصيد الذي لا مثل له ، فهو مخير فيه بين شيئين ، بين أن يقوم الصيد بالدراهم ويشتري بتلك الدراهم طعاما ويتصدق به وبين أن يصوم ، فعلى ما ذكرنا الصيد الذي له مثل إنما يشتري الطعام بقيمة مثله . وقال  أبو حنيفة  ومالك  رحمهما الله : إنما يشتري الطعام بقيمته ، حجة  الشافعي  أن المثل من النعم هو الجزاء والطعام بناء عليه ، فيعدل به كما يعدل عن الصوم بالطعام ، وأيضا تقويم مثل الصيد أدخل في الضبط من تقويم نفس الصيد ، وحجة أبي حنيفة رحمه الله أن مثل المتلف إذا وجب اعتبر بالمتلف لا بغيره ما أمكن ، والطعام إنما وجب مثلا للمتلف فوجب أن يقدر به . 
المسألة الرابعة : اختلفوا في موضع التقويم  ، فقال أكثر الفقهاء : إنما يقوم في المكان الذي قتل الصيد فيه . وقال  الشعبي    : يقوم بمكة  بثمن مكة  لأنه يكفر بها . 
				
						
						
