وقوله : ( على ما فرطنا فيها    ) فيه بحثان : 
البحث الأول : قال أبو عبيدة  يقال : فرطت في الشيء أي ضيعته فقوله : ( فرطنا ) أي تركنا وضيعنا وقال الزجاج    : فرطنا أي قدمنا العجز ، جعله من قولهم فرط فلان إذا سبق وتقدم ، وفرط الشيء إذا قدمه . قال الواحدي    : فالتفريط عنده تقديم التقصير . 
والبحث الثاني : أن الضمير في قوله : ( فيها ) إلى ماذا يعود فيه وجوه : 
الأول : قال  ابن عباس  في الدنيا ، والسؤال عليه أنه لم يجر للدنيا ذكر فكيف يمكن عود هذا الضمير إليها . وجوابه : أن العقل دل على أن موضع التقصير ليس إلا الدنيا ، فحسن عود الضمير إليها لهذا المعنى . 
الثاني : قال الحسن  المراد يا حسرتنا على ما فرطنا في الساعة ، والمعنى : على ما فرطنا في إعداد الزاد للساعة وتحصيل الأهبة لها    . 
والثالث : أن تعود الكناية إلى معنى ما في قوله : ( فرطنا ) أي حسرتنا على الأعمال والطاعات التي فرطنا فيها . 
والرابع : قال  محمد بن جرير الطبري    : الكناية تعود إلى الصفقة ؛ لأنه تعالى لما ذكر الخسران دل ذلك على حصول الصفقة والمبايعة . 
ثم قال تعالى : ( وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم    ) فاعلم أن المراد من قولهم يا حسرتنا على ما فرطنا فيها إشارة إلى أنهم لم يحصلوا لأنفسهم ما به يستحقون الثواب ، وقوله : ( وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم    ) إشارة إلى أنهم حصلوا لأنفسهم ما به استحقوا العذاب العظيم ، ولا شك أن ذلك نهاية الخسران . قال  ابن عباس    : الأوزار الآثام والخطايا   . قال أهل اللغة : الوزر الثقل وأصله من الحمل يقال : وزرت الشيء أي حملته أزره وزرا ، ثم قيل للذنوب : أوزار ؛ لأنها تثقل ظهر من عملها ، وقوله : ( ولا تزر وازرة وزر أخرى    ) [ الأنعام : 164 ] أي : لا تحمل نفس حاملة . قال أبو عبيدة    : يقال للرجل إذا بسط ثوبه فجعل فيه المتاع : احمل وزرك ، وأوزار الحرب : أثقالها من السلاح ، ووزير السلطان الذي يزر عنه أثقال ما يسند إليه من تدبير الولاية أي يحمل . قال الزجاج    : وهم يحملون أوزارهم أي يحملون ثقل ذنوبهم ، واختلفوا في كيفية حملهم الأوزار  ، فقال المفسرون : إن المؤمن إذا خرج من قبره استقبله شيء هو أحسن الأشياء صورة وأطيبها ريحا ويقول : أنا عملك الصالح طالما ركبتك في الدنيا فاركبني أنت اليوم فذلك قوله : ( يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا    ) [ مريم : 85 ] قالوا ركبانا ، وإن الكافر إذا خرج من قبره استقبله شيء هو أقبح الأشياء صورة وأخبثها ريحا ، فيقول : أنا عملك الفاسد طالما ركبتني في الدنيا فأنا أركبك اليوم فذلك قوله : ( وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم    ) وهذا قول قتادة  والسدي    . وقال الزجاج    : الثقل كما يذكر في المنقول ، فقد يذكر أيضا في الحال والصفة يقال : ثقل علي خطاب فلان ، والمعنى كرهته فالمعنى أنهم يقاسون عذاب ذنوبهم مقاساة ثقل ذلك عليهم . وقال آخرون : معنى قوله : ( وهم يحملون أوزارهم    ) أي لا تزايلهم أوزارهم كما تقول : شخصك نصب عيني أي ذكرك ملازم لي . 
ثم قال تعالى : ( ألا ساء ما يزرون    ) والمعنى بئس الشيء الذي يزرونه أي يحملونه ، والاستقصاء في تفسير هذا اللفظ مذكور في سورة النساء في قوله : ( وساء سبيلا    ) [ سورة النساء : 22 ] . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					