ثم قال تعالى :( يسألونك كأنك حفي عنها    ) وفيه مسألتان : 
المسألة الأولى : في الحفي وجوه : 
الأول : الحفي البار اللطيف قال  ابن الأعرابي    : يقال حفى بي حفاوة وتحفى بي تحفيا ، والحفى الكلام واللقاء الحسن ، ومنه قوله تعالى :( إنه كان بي حفيا    ) أي بارا لطيفا يجيب دعائي إذا دعوته ، فعلى هذا التقدير يسألونك كأنك بار بهم لطيف العشرة معهم وعلى هذا قول الحسن  وقتادة  والسدي  ، ويؤيد هذا القول ما روي في تفسيره أن قريشا  قالت لمحمد  عليه السلام : إن بيننا وبينك قرابة ، فاذكر لنا متى الساعة ، فقال تعالى :( يسألونك كأنك حفي عنها    ) أي كأنك صديق لهم بار بمعنى أنك لا تكون حفيا بهم ما داموا على كفرهم . 
والقول الثاني :( حفي عنها    ) أي كثير السؤال عنها شديد الطلب لمعرفتها ، وعلى هذا القول( حفي    ) فعيل من الإحفاء وهو الإلحاح والإلحاف في السؤال ، ومن أكثر السؤال والبحث عن الشيء علمه ، قال أبو عبيدة  هو من قولهم تحفى في المسألة ، أي استقصى ، فقوله :( كأنك حفي عنها    ) أي كأنك أكثرت السؤال عنها وبالغت في طلب علمها ، قال صاحب الكشاف : هذا الترتيب يفيد المبالغة ومنه إحفاء الشارب ، وإحفاء البقل استئصاله ، وأحفى في المسألة إذا ألحف ، وحفي بفلان وتحفى به بالغ في البر به ، وعلى هذا التقدير : فالقولان الأولان متقاربان . 
المسألة الثانية : في قوله :( عنها    ) وجهان : 
الأول : أن يكون فيه تقديم وتأخير والتقدير : يسألونك عنها كأنك حفي بها ثم حذف قوله : "بها" لطول الكلام ولأنه معلوم لا يحصل الالتباس بسبب حذفه . 
والثاني : أن يكون التقدير : يسألونك كأنك حفي بهم لأن لفظ الحفي يجوز أن يعدى تارة بالباء وأخرى بكلمة عن ويؤكد هذا الوجه بقراءة ابن مسعود    ( كأنك حفي بها ) . 
المسألة الثالثة : قوله :( يسألونك عن الساعة أيان مرساها    ) سؤال عن وقت قيام الساعة  وقوله ثانيا :( يسألونك كأنك حفي عنها    ) سؤال عن كنه ثقل الساعة وشدتها ومهابتها ، فلم يلزم التكرار . 
أجاب عن الأول بقوله :( إنما علمها عند ربي    ) . 
 [ ص: 68 ] وأجاب عن الثاني بقوله :( إنما علمها عند الله    ) والفرق بين الصورتين أن السؤال الأول كان واقعا عن وقت قيام الساعة ، والسؤال الثاني كان واقعا عن مقدار شدتها ومهابتها ، وأعظم أسماء الله مهابة وعظمة هو قوله عند السؤال عن مقدار شدة القيامة الاسم الدال على غاية المهابة وهو قولنا : "الله" ، ثم إنه تعالى ختم هذه الآية بقوله :( ولكن أكثر الناس لا يعلمون    ) وفيه وجوه : 
أحدها : ولكن أكثر الناس لا يعلمون السبب الذي لأجله أخفيت معرفة وقته المعين عن الخلق . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					