المسألة الثانية : في تفسير ألفاظ الآية وفيها مباحث : 
البحث الأول : قوله :( هو الذي خلقكم من نفس واحدة    ) المشهور أنها نفس آدم  وقوله :( وخلق منها زوجها    ) المراد حواء  ، قالوا : ومعنى كونها مخلوقة من نفس آدم  ، أنه تعالى خلقها من ضلع من أضلاع آدم  ، قالوا : والحكمة فيه أن الجنس إلى الجنس أميل ، والجنسية علة الضم ، وأقول هذا الكلام مشكل لأنه تعالى لما كان قادرا على أن يخلق آدم  ابتداء فما الذي حملنا على أن نقول إنه تعالى خلق حواء  من جزء من أجزاء آدم  ؟ ولم لا نقول : إنه تعالى خلق حواء   أيضا ابتداء ؟ وأيضا الذي يقدر على خلق إنسان من عظم واحد فلم لا يقدر على خلقه ابتداء ؟ وأيضا الذي يقال : إن عدد أضلاع الجانب الأيسر أنقص من عدد أضلاع الجانب الأيمن فيه مؤاخذة تنبي عن خلاف الحس والتشريح ، بقي أن يقال : إذا لم نقل بذلك ، فما المراد من كلمة   [ ص: 73 ]   " من " في قوله :( وخلق منها زوجها    ) فنقول : قد ذكرنا أن الإشارة إلى الشيء تارة بحسب شخصه ، وأخرى بحسب نوعه ، قال عليه الصلاة والسلام : "هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به   " وليس المراد ذلك الفرد المعين بل المراد ذلك النوع . وقال عليه الصلاة والسلام في يوم عاشوراء : " هذا هو اليوم الذي أظهر الله فيه موسى  على فرعون    " والمراد خلق من النوع الإنساني زوجة آدم  ، والمقصود التنبيه على أنه تعالى جعل زوج آدم  إنسانا مثله . قوله :( فلما تغشاها    ) أي جامعها ، والغشيان إتيان الرجل المرأة وقد غشاها وتغشاها إذا علاها ، وذلك لأنه إذا علاها فقد صار كالغاشية لها ، ومثله يجللها ، وهو يشبه التغطي واللبس ، قال تعالى :( هن لباس لكم وأنتم لباس لهن    ) [البقرة : 187] وقوله :( حملت حملا خفيفا    ) قالوا يريد النطفة والمني ، والحمل بالفتح ما كان في البطن أو على رأس الشجر ، والحمل بكسر الحاء ما حمل على ظهر أو على الدابة . وقوله :( فمرت به    ) أي استمرت بالماء والحمل على سبيل الخفة ، والمراد أنها كانت تقوم وتقعد وتمشي من غير ثقل . قال صاحب الكشاف : وقرأ  يحيى بن يعمر    ( فمرت به ) بالتخفيف ، وقرأ غيره ( فمارت به ) من المرية ، كقوله :( أفتمارونه    ) [النجم : 12] معناه وقع في نفسها ظن الحمل وارتابت فيه( فلما أثقلت    ) أي صارت إلى حال الثقل ودنت ولادتها( دعوا الله ربهما    ) يعني آدم  وحواء    ( لئن آتيتنا صالحا    ) أي ولدا سويا مثلنا( لنكونن من الشاكرين    ) لآلائك ونعمائك( فلما آتاهما    ) الله( صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما    ) والكلام في تفسيره قد مر بالاستقصاء . قرأ ابن كثير  ، وابن عامر  ، وأبو عمرو  ، وحمزة  ، والكسائي  ، وعاصم  ، في رواية حفص  عنه ( شركاء ) بصيغة الجمع ، وقرأ نافع  وعاصم  في رواية أبي بكر  عنه ( شركا ) بكسر الشين وتنوين الكاف ، ومعناه جعلا له نظراء ذوي شرك وهم الشركاء ، أو يقال معناه أحدثا لله إشراكا في الولد ، ومن قرأ ( شركاء ) فحجته قوله :( أم جعلوا لله شركاء خلقوا    ) [الرعد : 16] وأراد بالشركاء في هذه الآية إبليس ؛ لأن من أطاع إبليس فقد أطاع جميع الشياطين ، هذا إذا حملنا هذه الآية على القصة المشهورة ، أما إذا لم نقل به فلا حاجة إلى التأويل والله أعلم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					