أما قوله :( ويذهب عنكم رجز الشيطان    )  ففيه وجوه : 
الأول : أن المراد منه الاحتلام لأن ذلك من وساوس الشيطان . 
الثاني : أن الكفار لما نزلوا على الماء وسوس الشيطان إليهم وخوفهم من الهلاك ، فلما نزل المطر زالت تلك الوسوسة ، روي أنهم لما ناموا واحتلم أكثرهم تمثل لهم إبليس وقال : أنتم تزعمون أنكم على الحق وأنتم تصلون على الجنابة ، وقد عطشتم ، ولو كنتم على الحق لما غلبوكم على الماء ، فأنزل الله تعالى المطر حتى جرى الوادي واتخذ المسلمون حياضا واغتسلوا وتلبد الرمل حتى ثبتت عليه الأقدام . 
الثالث : أن المراد من رجز الشيطان سائر ما يدعو الشيطان إليه من معصية وفساد . 
فإن قيل : فأي هذه الوجوه الثلاثة أولى ؟ . 
قلنا : قوله :( ليطهركم    ) معناه ليزيل الجنابة عنكم ، فلو حملنا قوله :( ويذهب عنكم رجز الشيطان    ) على الجنابة لزم منه التكرير وأنه خلاف الأصل ، ويمكن أن يجاب عنه فيقال : المراد من قوله :( ليطهركم    ) حصول الطهارة الشرعية ، والمراد من قوله :( ويذهب عنكم رجز الشيطان    ) إزالة جوهر المني عن أعضائهم فإنه شيء مستخبث ، ثم نقول : حمله على إزالة أثر الاحتلام أولى من حمله على إزالة الوسوسة ؛ وذلك لأن تأثير الماء في إزالة العين عن العضو تأثير حقيقي ، أما تأثيره في إزالة الوسوسة عن القلب فتأثير مجازي ، وحمل اللفظ على الحقيقة أولى من حمله على المجاز ، واعلم أنا إذا حملنا الآية على هذا الوجه لزم القطع بأن المني رجز الشيطان ، وذلك يوجب الحكم بكونه نجسا مطلقا لقوله تعالى :( والرجز فاهجر    ) [المدثر : 5] . 
النوع الثالث : من النعم المذكورة في هذه الآية قوله تعالى :( وليربط على قلوبكم    ) والمراد أن بسبب نزول هذا المطر قويت قلوبهم وزال الخوف والفزع عنهم ، ومعنى الربط في اللغة الشد  ، وقد ذكرنا ذلك في قوله تعالى :( ورابطوا    ) ويقال لكل من صبر على أمر ربط قلبه عليه ، كأنه حبس قلبه عن أن يضطرب ، يقال : رجل رابط أي حابس . قال الواحدي    : ويشبه أن يكون( على    ) ههنا صلة ، والمعنى وليربط قلوبكم بالنصر ، وما وقع من تفسيره يشبه أن لا يكون صلة لأن كلمة( على    ) تفيد الاستعلاء ، فالمعنى أن القلوب امتلأت من ذلك الربط حتى كأنه علا عليها وارتفع فوقها . 
والنوع الرابع : من النعم المذكورة ههنا قوله تعالى :( ويثبت به الأقدام    ) وذكروا فيه وجوها : 
أحدها : أن ذلك المطر لبد ذلك الرمل وصيره بحيث لا تغوص أرجلهم فيه ، فقدروا على المشي عليه كيف أرادوا ، ولولا هذا المطر لما قدروا عليه ، وعلى هذا التقدير فالضمير في قوله :( به    ) عائد إلى المطر . 
وثانيها : أن المراد أن ربط قلوبهم أوجب ثبات أقدامهم ، لأن من كان قلبه ضعيفا فر ولم يقف ، فلما قوى الله تعالى قلوبهم لا جرم ثبت أقدامهم ، وعلى هذا التقدير فالضمير في قوله :( به    ) عائد إلى الربط . 
وثالثها : روي أنه لما نزل المطر حصل للكافرين ضد ما حصل للمؤمنين ، وذلك لأن الموضع الذي نزل الكفار فيه كان موضع التراب والوحل ، فلما نزل المطر عظم الوحل ، فصار ذلك مانعا لهم من المشي كيفما أرادوا ، فقوله :( ويثبت به الأقدام    ) يدل دلالة المفهوم على أن حال الأعداء كانت بخلاف ذلك . 
 [ ص: 109 ] 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					