[ ص: 131 ]   ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير  وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير    ) 
قوله تعالى :( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير  وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير    ) . 
اعلم أنه تعالى لما بين أن هؤلاء الكفار إن انتهوا عن كفرهم حصل لهم الغفران ، وإن عادوا فهم متوعدون بسنة الأولين ، أتبعه بأن أمر بقتالهم إذا أصروا فقال :( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة    ) قال  عروة بن الزبير    : كان المؤمنون في مبدأ الدعوة يفتنون عن دين الله ، فافتتن من المسلمين بعضهم وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يخرجوا إلى الحبشة  ، وفتنة ثانية وهو أنه لما بايعت الأنصار  رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة ، تآمرت قريش  أن يفتنوا المؤمنين بمكة  عن دينهم ، فأصاب المؤمنين جهد شديد ، فهذا هو المراد من الفتنة ، فأمر الله تعالى بقتالهم حتى تزول هذه الفتنة ، وفيه وجه آخر ، وهو أن مبالغة الناس في حبهم أديانهم أشد من مبالغتهم في حبهم أرواحهم ، فالكافر أبدا يسعى بأعظم وجوه السعي في إيذاء المؤمنين وفي إلقاء الشبهات في قلوبهم ، وفي إلقائهم في وجوه المحنة والمشقة ، وإذا وقعت المقاتلة زال الكفر والمشقة ، وخلص الإسلام وزالت تلك الفتن بالكلية ، قال القاضي : إنه تعالى أمر بقتالهم ثم بين العلة التي بها أوجب قتالهم ، فقال :( حتى لا تكون فتنة    ) ويخلص الدين الذي هو دين الله من سائر الأديان ، وإنما يحصل هذا المقصود إذا زال الكفر بالكلية ، إذا عرفت هذا فنقول : إما أن يكون المراد من الآية( وقاتلوهم    ) لأجل أن يحصل هذا المعنى ، أو يكون المراد( وقاتلوهم    ) لغرض أن يحصل هذا المعنى ، فإن كان المراد من الآية هو الأول وجب أن يحصل هذا المعنى من القتال ، فوجب أن يكون المراد( ويكون الدين كله    ) في أرض مكة  وما حواليها ؛ لأن المقصود حصل هنا ، قال عليه السلام : " لا يجتمع دينان في جزيرة العرب   " ، ولا يمكن حمله على جميع البلاد ، إذ لو كان ذلك مرادا لما بقي الكفر فيها مع حصول القتال الذي أمر الله به ، وأما إذا كان المراد من الآية هو الثاني ، وهو قوله : قاتلوهم لغرض أن يكون الدين كله لله ، فعلى هذا التقدير لم يمتنع حمله على إزالة الكفر عن جميع العالم ؛ لأنه ليس كل ما كان غرضا للإنسان فإنه يحصل ، فكان المراد الأمر بالقتال لحصول هذا الغرض سواء حصل في نفس الأمر أو لم يحصل . 
ثم قال :( فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير     ) والمعنى( فإن انتهوا    ) عن الكفر وسائر المعاصي بالتوبة والإيمان( فإن الله بما يعملون بصير    ) عالم لا يخفى عليه شيء يوصل إليهم ثوابهم( وإن تولوا    ) يعني عن التوبة والإيمان( فاعلموا أن الله مولاكم    ) أي وليكم الذي يحفظكم ويرفع البلاء عنكم ، ثم بين أنه تعالى( نعم المولى ونعم النصير     ) وكل ما كان في حماية هذا المولى وفي حفظه وكفايته ، كان آمنا من الآفات مصونا عن المخوفات . 
				
						
						
