[ ص: 44 ] 
( ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا كذلك نجزي القوم المجرمين  ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون    ) 
قوله تعالى : ( ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا كذلك نجزي القوم المجرمين  ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون    ) 
في الآية مسائل : 
المسألة الأولى : في بيان كيفية النظم . اعلم أنه تعالى لما حكى عنهم أنهم كانوا يقولون : ( اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم    ) [ الأنفال : 32 ] ثم إنه أجاب عنه بأن ذكر أنه لا صلاح في إجابة دعائهم ، ثم بين أنهم كاذبون في هذا الطلب لأنه لو نزلت بهم آفة أخذوا في التضرع إلى الله تعالى في إزالتها والكشف لها ، بين في هذه الآية ما يجري مجرى التهديد ، وهو أنه تعالى قد ينزل بهم عذاب الاستئصال ولا يزيله عنهم ، والغرض منه أن يكون ذلك رادعا لهم عن قولهم : إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء ؛ لأنهم متى سمعوا أن الله تعالى قد يجيب دعاءهم وينزل عليهم عذاب الاستئصال ، ثم سمعوا من اليهود  والنصارى  أن ذلك قد وقع مرارا كثيرة ، صار ذلك رادعا لهم وزاجرا عن ذكر ذلك الكلام ، فهذا وجه حسن مقبول في كيفية النظم . 
المسألة الثانية : قال صاحب " الكشاف " : ( لما    ) ظرف لـ ( أهلكنا    ) والواو في قوله : ( وجاءتهم    ) للحال ، أي : ظلموا بالتكذيب . وقد جاءتهم رسلهم بالدلائل والشواهد على صدقهم وهي المعجزات ، وقوله : ( وما كانوا ليؤمنوا    ) يجوز أن يكون عطفا على ( ظلموا    ) وأن يكون اعتراضا ، واللام لتأكيد النفي ، وأن الله قد علم منهم أنهم يصرون على الكفر ، وهذا يدل على أنه تعالى إنما أهلكهم لأجل تكذيبهم الرسل ، فكذلك يجزي كل مجرم ، وهو وعيد لأهل مكة  على تكذيبهم رسول الله  ، وقرئ ( يجزي ) بالياء ، وقوله : ( ثم جعلناكم خلائف    ) الخطاب للذين بعث إليهم محمد  عليه الصلاة والسلام ، أي : استخلفناكم في الأرض بعد القرون التي أهلكناهم ، لننظر كيف تعملون ، خيرا أو شرا ، فنعاملكم على حسب عملكم . بقي في الآية سؤالان : 
السؤال الأول : كيف جاز النظر إلى الله تعالى وفيه معنى المقابلة ؟ 
والجواب : أنه استعير لفظ النظر للعلم الحقيقي الذي لا يتطرق الشك إليه ، وشبه هذا العلم بنظر الناظر وعيان المعاين . 
السؤال الثاني : قوله : ( ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون    ) مشعر بأن الله تعالى ما كان عالما بأحوالهم قبل وجودهم . 
والجواب : المراد منه أنه تعالى يعامل العباد معاملة من يطلب العلم بما يكون منهم ، ليجازيهم بحسبه كقوله : ( ليبلوكم أيكم أحسن عملا    ) [ هود : 7 ] وقد مر نظائر هذا . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الدنيا خضرة حلوة   [ ص: 45 ] وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون    " وقال قتادة : صدق الله ربنا ، ما جعلنا خلفاء إلا لينظر إلى أعمالنا ، فأروا الله من أعمالكم خيرا ، بالليل والنهار   . 
المسألة الثالثة : قال الزجاج    : موضع ( كيف ) نصب بقوله : ( تعملون ) لأنها حرف استفهام ، والاستفهام لا يعمل فيه ما قبله ، ولو قلت : لننظر خيرا تعملون أم شرا ، كان العامل في (خير وشر) (تعملون) . 
				
						
						
