الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            فإن قيل : فما معنى قوله : ( بغير الحق ) والبغي لا يكون بحق ؟

                                                                                                                                                                                                                                            قلنا : البغي قد يكون بالحق ، وهو استيلاء المسلمين على أرض الكفرة وهدم دورهم وإحراق زروعهم وقطع أشجارهم ، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ببني قريظة . ثم إنه تعالى بين أن هذا البغي أمر باطل يجب على العاقل أن يحترز منه فقال : ( ياأيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا ) وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : قرأ الأكثرون : (متاع) برفع العين ، وقرأ حفص عن عاصم : ( متاع ) بنصب العين ، أما الرفع ففيه وجهان ، الأول : أن يكون قوله : ( بغيكم على أنفسكم ) مبتدأ ، وقوله : (متاع الحياة الدنيا) خبرا . والمراد من قوله : ( بغيكم على أنفسكم ) بغي بعضكم على بعض ، كما في قوله : ( فاقتلوا أنفسكم ) [ البقرة : 54 ] ومعنى الكلام أن بغي بعضكم على بعض منفعة الحياة الدنيا ولا بقاء لها . والثاني : أن قوله : ( بغيكم ) مبتدأ ، وقوله : ( على أنفسكم ) خبره ، وقوله : (متاع الحياة الدنيا) خبر مبتدأ محذوف ، والتقدير : هو متاع الحياة الدنيا . وأما القراءة بالنصب فوجهها أن نقول : إن قوله : ( بغيكم ) مبتدأ ، وقوله : ( على أنفسكم ) خبره ، وقوله : ( متاع الحياة الدنيا ) في موضع المصدر المؤكد ، والتقدير : تتمتعون متاع الحياة الدنيا .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : البغي من منكرات المعاصي . قال عليه الصلاة والسلام : " أسرع الخير ثوابا صلة الرحم ، وأعجل الشر عقابا البغي واليمين الفاجرة " وروي : " ثنتان يعجلهما الله في الدنيا : البغي وعقوق الوالدين " وعن ابن عباس رضي الله عنهما : لو بغى جبل على جبل لاندك الباغي . وكان المأمون يتمثل بهذين البيتين في أخيه :


                                                                                                                                                                                                                                            يا صاحب البغي إن البغي مصرعة فاربع فخير فعال المرء أعدله     فلو بغى جبل يوما على جبل
                                                                                                                                                                                                                                            لاندك منه أعاليه وأسفله



                                                                                                                                                                                                                                            وعن محمد بن كعب القرظي : ثلاث من كن فيه كن عليه : البغي والنكث والمكر ، قال تعالى : ( إنما بغيكم على أنفسكم ) .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : حاصل الكلام في قوله تعالى : ( ياأيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم ) أي : لا يتهيأ لكم بغي بعضكم على بعض إلا أياما قليلة ، وهي مدة حياتكم مع قصرها وسرعة انقضائها ( ثم إلينا ) أي ما وعدنا من المجازاة على أعمالكم ( مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون ) في الدنيا ، والإنباء هو الإخبار ، وهو في هذا الموضع وعيد بالعذاب كقول الرجل لغيره : سأخبرك بما فعلت .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية