[ ص: 115 ]   [ سورة الطارق ] 
سبع عشرة آية مكية وهي مشتملة على الترغيب في معرفة المبدأ والمعاد 
بسم الله الرحمن الرحيم 
( والسماء والطارق  وما أدراك ما الطارق  النجم الثاقب  إن كل نفس لما عليها حافظ    ) 
بسم الله الرحمن الرحيم 
( والسماء والطارق  وما أدراك ما الطارق  النجم الثاقب  إن كل نفس لما عليها حافظ    ) 
اعلم أنه تعالى أكثر في كتابه ذكر السماء والشمس والقمر ; لأن أحوالها في أشكالها وسيرها ومطالعها ومغاربها عجيبة ، وأما الطارق فهو كل ما أتاك ليلا سواء كان كوكبا أو غيره فلا يكون الطارق نهارا ، والدليل عليه قول المسلمين في دعائهم : نعوذ بالله من طوارق الليل وروي أنه عليه السلام : " نهى عن أن يأتي الرجل أهله طروقا   " والعرب تستعمل الطروق في صفة الخيال لأن تلك الحالة إنما تحصل في الأكثر في الليل ، ثم إنه تعالى لما قال : ( والطارق    ) كان هذا مما لا يستغني سامعه عن معرفة المراد منه ، فقال : ( وما أدراك ما الطارق    ) قال  سفيان بن عيينة    : كل شيء في القرآن ما أدراك فقد أخبر الرسول به وكل شيء فيه ما يدريك لم يخبر به كقوله : ( وما يدريك لعل الساعة قريب    ) [ الشورى : 17 ] ثم قال : ( النجم الثاقب    ) أي هو طارق عظيم الشأن ، رفيع القدر وهو النجم الذي يهتدى به في ظلمات البر والبحر ويوقف به على أوقات الأمطار ، وهاهنا مسائل : 
المسألة الأولى : إنما وصف النجم بكونه ثاقبا لوجوه : 
أحدها : أنه يثقب الظلام بضوئه فينفذ فيه كما قيل : دري لأنه يدرؤه أي يدفعه . 
وثانيها : أنه يطلع من المشرق نافذا في الهواء كالشيء الذي يثقب الشيء . 
وثالثها : أنه الذي يرى به الشيطان فيثقبه أي ينفذ فيه ويحرقه . 
ورابعها : قال الفراء    : " النجم الثاقب " هو النجم المرتفع على النجوم ، والعرب تقول للطائر إذا لحق ببطن السماء ارتفاعا : قد ثقب . 
المسألة الثانية : إنما وصف النجم بكونه طارقا ، لأنه يبدو بالليل ، وقد عرفت أن ذلك يسمى طارقا ، أو لأنه يطرق الجني ، أي يصكه . 
المسألة الثالثة : اختلفوا في قوله : ( النجم الثاقب    ) قال بعضهم : أشير به إلى جماعة النحو فقيل   [ ص: 116 ] الطارق ، كما قيل : ( إن الإنسان لفي خسر    ) [ العصر : 2 ] وقال آخرون : إنه نجم بعينه ، ثم قال ابن زيد    : إنه الثريا ، وقال الفراء    : إنه زحل ، لأنه يثقب بنوره سمك سبع سماوات ، وقال آخرون : إنه الشهب التي يرجم بها الشياطين ، لقوله تعالى : ( فأتبعه شهاب ثاقب    ) [ الصافات : 10 ] . 
المسألة الرابعة : روي أن أبا طالب  أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأتحفه بخبز ولبن ، فبينما هو جالس يأكل إذ انحط نجم فامتلأ ماء ثم نارا ، ففزع أبو طالب  ، وقال : أي شيء هذا ؟ فقال : هذا نجم رمي به ، وهو آية من آيات الله ، فعجب أبو طالب  ، ونزلت السورة   . 
واعلم أنه تعالى لما ذكر المقسم به أتبعه بذكر المقسم عليه : ( إن كل نفس لما عليها حافظ    ) وفيه مسائل : 
المسألة الأولى : في قوله : ( لما ) قراءتان : 
إحداهما : قراءة ابن كثير  وأبي عمرو  ونافع  والكسائي  ، وهي بتخفيف الميم . 
والثانية : قراءة عاصم  وحمزة   والنخعي  بتشديد الميم . قال أبو علي الفارسي    : من خفف كانت " إن " عنده المخففة من الثقيلة ، واللام في " لما " هي التي تدخل مع هذه المخففة لتخلصها من إن النافية ، وما صلة كالتي في قوله : ( فبما رحمة من الله    ) [ آل عمران : 159 ] ( وعما قليل ) وتكون ( إن ) متلقية للقسم ، كما تتلقاه مثقلة . وأما من ثقل فتكون ( إن ) عنده النافية ، كالتي في قوله : ( فيما إن مكناكم    ) [ الأحقاف : 26 ] و( لما ) في معنى ألا ، قال : وتستعمل ( لما ) بمعنى ألا في موضعين . 
أحدهما : هذا والآخر : في باب القسم ، تقول : سألتك بالله لما فعلت ، بمعنى ألا فعلت . وروي عن الأخفش  والكسائي  وأبي عبيدة  أنهم قالوا : لم توجد لما بمعنى ألا في كلام العرب . قال ابن عون    : قرأت عند ابن سيرين    " لما " بالتشديد ، فأنكره وقال : سبحان الله ، سبحان الله ، وزعم العتبي  أن " لما " بمعنى ألا ، مع أن الخفيفة التي تكون بمعنى ما موجودة في لغة هذيل . 
المسألة الثانية : ليس في الآية بيان أن هذا الحافظ من هو ، وليس فيها أيضا بيان أن الحافظ يحفظ النفس عماذا . أما الأول : ففيه قولان : الأول : قول بعض المفسرين : إن ذلك الحافظ هو الله تعالى . أما في التحقيق فلأن كل وجود سوى الله ممكن ، وكل ممكن فإنه لا يترجح وجوده على عدمه إلا لمرجح وينتهي ذلك إلى الواجب لذاته ، فهو سبحانه القيوم الذي بحفظه وإبقائه تبقى الموجودات ، ثم إنه تعالى بين هذا المعنى في السماوات والأرض على العموم في قوله : ( إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا    ) [ فاطر : 41 ] وبينه في هذه الآية في حق الإنسان على الخصوص وحقيقة الكلام ترجع إلى أنه تعالى أقسم أن كل ما سواه ، فإنه ممكن الوجود محدث محتاج مخلوق مربوب ، هذا إذا حملنا النفس على مطلق الذات ، أما إذا حملناها على النفس المتنفسة وهي النفس الحيوانية أمكن أن يكون المراد من كونه تعالى حافظا لها كونه تعالى عالما بأحوالها وموصلا إليها جميع منافعها ودافعا عنها جميع مضارها . 
والقول الثاني : أن ذلك الحافظ هم الملائكة كما قال : ( ويرسل عليكم حفظة    ) [ الأنعام : 61 ] وقال : ( عن اليمين وعن الشمال قعيد  ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد    ) [ ق : 17 - 18 ] وقال : ( وإن عليكم لحافظين  كراما كاتبين    ) [ الانفطار : 10 ] وقال : ( له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله    ) [ الرعد : 11 ] . 
 [ ص: 117 ] وأما البحث الثاني : وهو أنه ما الذي يحفظه هذا الحافظ ؟ ففيه وجوه : 
أحدها : أن هؤلاء الحفظة يكتبون عليه أعماله دقيقها وجليلها حتى تخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا    . 
وثانيها : ( إن كل نفس لما عليها حافظ    ) يحفظ عملها ورزقها وأجلها ، فإذا استوفى الإنسان أجله ورزقه قبضه إلى ربه ، وحاصله يرجع إلى وعيد الكفار وتسلية النبي - صلى الله عليه وسلم - كقوله : ( فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا    ) [ مريم : 84 ] ثم ينصرفون عن قريب إلى الآخرة فيجازون بما يستحقونه . 
وثالثها : إن كل نفس لما عليها حافظ ، يحفظها من المعاطب والمهالك فلا يصيبها إلا ما قدر الله عليها . 
ورابعها : قال الفراء    : إن كل نفس لما عليها حافظ يحفظها حتى يسلمها إلى المقابر ، وهذا قول الكلبي    . 
واعلم أنه تعالى لما أقسم على أن لكل نفس حافظا يراقبها ويعد عليها أعمالها ، فحينئذ يحق لكل أحد أن يجتهد ويسعى في تحصيل أهم المهمات ، وقد تطابقت الشرائع والعقول على أن أهم المهمات معرفة المبدأ ومعرفة المعاد ، واتفقوا على أن معرفة المبدأ مقدمة على معرفة المعاد ، فلهذا السبب بدأ الله تعالى بعد ذلك بما يدل على المبدأ . 
				
						
						
