الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            القيد الثامن : قوله تعالى : ( وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ) وفيه مسألتان :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : قال الحسن : المراد الزكاة المفروضة ، فإن لم يتهم بترك أداء الزكاة ، فالأولى أداؤها سرا ، وإن اتهم بترك الزكاة فالأولى أداؤها في العلانية ، وقيل السر ما يؤديه بنفسه والعلانية ما يؤديه إلى الإمام ، وقال آخرون : بل المراد الزكاة الواجبة والصدقة التي يؤتى بها على صفة التطوع فقوله : ( سرا ) يرجع إلى التطوع وقوله : ( وعلانية ) يرجع إلى الزكاة الواجبة.

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : قالت المعتزلة : إنه تعالى رغب في الإنفاق من كل ما كان رزقا ، وذلك يدل على أنه لا رزق إلا الحلال ؛ إذ لو كان الحرام رزقا لكان قد رغب تعالى في إنفاق الحرام ، وإنه لا يجوز.

                                                                                                                                                                                                                                            القيد التاسع : قوله : ( ويدرءون بالحسنة السيئة ) وفيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أنهم إذا أتوا بمعصية درءوها ودفعوها بالتوبة ، كما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل : "إذا عملت سيئة فاعمل بجنبها حسنة تمحها".

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : أن المراد أنهم لا يقابلون الشر بالشر ، بل يقابلون الشر بالخير ، كما قال تعالى : ( وإذا مروا باللغو مروا كراما ) [الفرقان : 72] وعن ابن عمر رضي الله عنهما : ليس الوصول من وصل ، ثم وصل ، تلك المجازاة لكنه من قطع ثم وصل وعطف على من لم يصله ، وليس الحليم من ظلم ثم حلم حتى إذا هيجه قوم اهتاج ، لكن الحليم من قدر ثم عفا ، وعن الحسن : هم الذين إذا حرموا أعطوا وإذا ظلموا عفوا ، ويروى أن شقيق بن إبراهيم البلخي دخل على عبد الله بن المبارك متنكرا ، فقال : من أين أنت؟ فقال : من بلخ ، فقال : وهل تعرف شقيقا؟ قال : نعم ، فقال : كيف طريقة أصحابه؟ فقال : إذا منعوا صبروا وإن أعطوا شكروا ، فقال عبد الله : طريقة كلابنا هكذا ، فقال : وكيف ينبغي أن يكون؟ فقال : الكاملون هم الذين إذا منعوا شكروا وإذا أعطوا آثروا .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية