(
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=31ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعا أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى يأتي وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد ) .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=31ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعا أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى يأتي وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد ) .
اعلم أنه روي
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013010أن أهل مكة قعدوا في فناء مكة ، فأتاهم الرسول صلى الله عليه وسلم وعرض الإسلام عليهم ، فقال له عبد الله بن أمية المخزومي : سير لنا جبال مكة حتى ينفسح المكان علينا واجعل لنا فيها أنهارا نزرع فيها ، أو أحي لنا بعض أمواتنا لنسألهم أحق ما تقول أو باطل ، فقد كان عيسى يحيي الموتى ، أو سخر لنا الريح حتى نركبها ونسير في البلاد فقد كانت الريح مسخرة لسليمان ، فلست بأهون على ربك من سليمان ، فنزل قوله : ( nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=31ولو أن قرآنا سيرت به الجبال ) أي من أماكنها (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=31أو قطعت به الأرض ) أي شققت فجعلت أنهارا وعيونا (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=31أو كلم به الموتى ) لكان هو هذا القرآن الذي أنزلناه عليك. وحذف جواب "لو" لكونه معلوما ، وقال
الزجاج : المحذوف هو أنه (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=31ولو أن قرآنا سيرت به الجبال ) وكذا وكذا لما آمنوا به ، كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=111ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى ) [الأنعام : 111].
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=31بل لله الأمر جميعا ] يعني إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل ، وليس لأحد أن يتحكم عليه في أفعاله وأحكامه .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=31أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ) وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=31أفلم ييأس ) قولان :
[ ص: 43 ] القول الأول : أفلم يعلموا وعلى هذا التقدير ، ففيه وجهان :
الوجه الأول : [ييأس] يعلم في لغة النخع ، وهذا قول أكثر المفسرين مثل
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد والحسن وقتادة . واحتجوا عليه بقول الشاعر :
ألم ييأس الأقوام أني أنا ابنه وإن كنت عن أرض العشيرة نائيا
وأنشد
أبو عبيدة :
أقول لهم بالشعب إذ يأسرونني ألم تيأسوا أني ابن فارس زهدم
أي ألم تعلموا. وقال
الكسائي : ما وجدت العرب تقول : يئست بمعنى علمت البتة.
والوجه الثاني : ما روي أن
عليا nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس كانا يقرآن : [ أفلم يأس الذين آمنوا ] فقيل
nindex.php?page=showalam&ids=11لابن عباس : أفلم ييأس ، فقال : أظن أن الكاتب كتبها وهو ناعس ، إنه كان في الخط يأس فزاد الكاتب سنة واحدة ، فصار ييأس ، فقرئ ييأس ، وهذا القول بعيد جدا ؛ لأنه يقتضي
nindex.php?page=treesubj&link=28740_28741كون القرآن محلا للتحريف والتصحيف ، وذلك يخرجه عن كونه حجة ، قال صاحب الكشاف : ما هذا القول - والله - إلا فرية بلا مرية.
والقول الثاني : قال
الزجاج : المعنى أو يئس الذين آمنوا من إيمان هؤلاء ؛ لأن الله لو شاء لهدى الناس جميعا ، وتقريره أن العلم بأن الشيء لا يكون يوجب اليأس من كونه ، والملازمة توجب حسن المجاز ، فلهذا السبب حسن إطلاق لفظ اليأس لإرادة العلم.
المسألة الثانية : احتج أصحابنا بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=31أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ) وكلمة "لو" تفيد انتفاء الشيء لانتفاء غيره ، والمعنى : أنه تعالى ما شاء هداية جميع الناس ،
والمعتزلة تارة يحملون هذه المشيئة على مشيئة الإلجاء ، وتارة يحملون الهداية على الهداية إلى طريق الجنة ، وفيهم من يجري الكلام على الظاهر ، ويقول : إنه تعالى ما شاء هداية جميع الناس ؛ لأنه ما شاء هداية الأطفال والمجانين ، فلا يكون شائيا لهداية جميع الناس. والكلام في هذه المسألة قد سبق مرارا.
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=31ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم ) ففيه مسألتان :
المسألة الأولى : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=31الذين كفروا ) فيه قولان :
القول الأول : قيل : أراد به جميع الكفار ؛ لأن الوقائع الشديدة التي وقعت لبعض الكفار من القتل والسبي أوجب حصول الغم في قلب الكل ، وقيل : أراد بعض الكفار وهم جماعة معينون ، والألف واللام في لفظ الكفار للمعهود السابق ، وهو ذلك الجمع المعين.
المسألة الثانية : في الآية وجهان :
الأول : ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا من كفرهم وسوء أعمالهم قارعة داهية تقرعهم بما يحل الله بهم في كل وقت من صنوف البلايا والمصائب في نفوسهم وأولادهم وأموالهم ، أو تحل القارعة قريبا منهم ، فيفزعون ويضطربون ويتطاير إليهم شرارها ويتعدى إليهم شرورها حتى يأتي وعد الله وهو موتهم أو القيامة.
[ ص: 44 ] والقول الثاني : ولا يزال
nindex.php?page=treesubj&link=30532_30525_29468كفار مكة تصيبهم بما صنعوا برسول الله صلى الله عليه وسلم من العداوة والتكذيب قارعة ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يزال يبعث السرايا فتغير حول
مكة وتختطف منهم وتصيب مواشيهم ، أو تحل أنت يا
محمد قريبا من دراهم بجيشك كما حل
بالحديبية حتى يأتي وعد الله وهو فتح
مكة ، وكان الله قد وعده ذلك.
ثم قال (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=31إن الله لا يخلف الميعاد ] والغرض منه تقوية قلب الرسول صلى الله عليه وسلم وإزالة الحزن عنه ، قال القاضي : وهذا يدل على بطلان قول من يجوز الخلف على الله تعالى في ميعاده ، وهذه الآية وإن كانت واردة في حق الكفار إلا أن
nindex.php?page=treesubj&link=20768_20767العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، إذ بعمومه يتناول كل وعيد ورد في حق الفساق.
وجوابنا : أن الخلف غير ، وتخصيص العموم غير ، ونحن لا نقول بالخلف ، ولكنا نخصص عمومات الوعيد بالآيات الدالة على العفو.
(
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=31وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ) .
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=31وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ) .
اعْلَمْ أَنَّهُ رُوِيَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013010أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ قَعَدُوا فِي فِنَاءِ مَكَّةَ ، فَأَتَاهُمُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَرَضَ الْإِسْلَامَ عَلَيْهِمْ ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيُّ : سَيِّرْ لَنَا جِبَالَ مَكَّةَ حَتَّى يَنْفَسِحَ الْمَكَانُ عَلَيْنَا وَاجْعَلْ لَنَا فِيهَا أَنْهَارًا نَزْرَعُ فِيهَا ، أَوْ أَحْيِ لَنَا بَعْضَ أَمْوَاتِنَا لِنَسْأَلَهُمْ أَحَقٌّ مَا تَقُولُ أَوْ بَاطِلٌ ، فَقَدْ كَانَ عِيسَى يُحْيِي الْمَوْتَى ، أَوْ سَخِّرْ لَنَا الرِّيحَ حَتَّى نَرْكَبَهَا وَنَسِيرَ فِي الْبِلَادِ فَقَدْ كَانَتِ الرِّيحُ مُسَخَّرَةً لِسُلَيْمَانَ ، فَلَسْتَ بِأَهْوَنَ عَلَى رَبِّكَ مِنْ سُلَيْمَانَ ، فَنَزَلَ قَوْلُهُ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=31وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ ) أَيْ مِنْ أَمَاكِنِهَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=31أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ ) أَيْ شُقِّقَتْ فَجُعِلَتْ أَنْهَارًا وَعُيُونًا (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=31أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى ) لَكَانَ هُوَ هَذَا الْقُرْآنُ الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ عَلَيْكَ. وَحُذِفَ جَوَابُ "لَوْ" لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا ، وَقَالَ
الزَّجَّاجُ : الْمَحْذُوفُ هُوَ أَنَّهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=31وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ ) وَكَذَا وَكَذَا لَمَا آمَنُوا بِهِ ، كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=111وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى ) [الْأَنْعَامِ : 111].
ثم قال تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=31بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا ] يَعْنِي إِنْ شَاءَ فَعَلَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَفْعَلْ ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَحَكَّمَ عَلَيْهِ فِي أَفْعَالِهِ وَأَحْكَامِهِ .
ثم قال تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=31أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا ) وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ :
المسألة الْأُولَى : فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=31أَفَلَمْ يَيْأَسِ ) قَوْلَانِ :
[ ص: 43 ] الْقَوْلُ الْأَوَّلُ : أَفَلَمْ يَعْلَمُوا وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ ، فَفِيهِ وَجْهَانِ :
الوجه الْأَوَّلُ : [يَيْأَسُ] يَعْلَمُ فِي لُغَةِ النَّخَعِ ، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ مِثْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ . وَاحْتَجُّوا عَلَيْهِ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ :
أَلَمْ يَيْأَسِ الْأَقْوَامُ أَنِّي أَنَا ابْنُهُ وَإِنْ كُنْتَ عَنْ أَرْضِ الْعَشِيرَةِ نَائِيًا
وَأَنْشَدَ
أَبُو عُبَيْدَةَ :
أَقُولُ لَهُمْ بِالشِّعْبِ إِذْ يَأْسِرُونَنِي أَلَمْ تَيْأَسُوا أَنِّي ابْنُ فَارِسِ زَهْدَمِ
أَيْ أَلَمْ تَعْلَمُوا. وَقَالَ
الْكِسَائِيُّ : مَا وَجَدَتِ الْعَرَبَ تَقُولُ : يَئِسْتُ بِمَعْنَى عَلِمْتُ الْبَتَّةَ.
وَالوجه الثَّانِي : مَا رُوِيَ أَنَّ
عَلِيًّا nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنَ عَبَّاسٍ كَانَا يَقْرَآنِ : [ أَفَلَمْ يَأْسَ الَّذِينَ آمَنُوا ] فَقِيلَ
nindex.php?page=showalam&ids=11لِابْنِ عَبَّاسٍ : أَفَلَمْ يَيْأَسْ ، فَقَالَ : أَظُنُّ أَنَّ الْكَاتِبَ كَتَبَهَا وَهُوَ نَاعِسٌ ، إِنَّهُ كَانَ فِي الْخَطِّ يَأْسَ فَزَادَ الْكَاتِبُ سِنَّةً وَاحِدَةً ، فَصَارَ يَيْأَسُ ، فَقُرِئَ يَيْأَسُ ، وَهَذَا الْقَوْلُ بَعِيدٌ جِدًّا ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي
nindex.php?page=treesubj&link=28740_28741كَوْنَ الْقُرْآنِ مَحَلًّا لِلتَّحْرِيفِ وَالتَّصْحِيفِ ، وَذَلِكَ يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ حُجَّةً ، قَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ : مَا هَذَا الْقَوْلُ - وَاللَّهِ - إِلَّا فِرْيَةٌ بِلَا مِرْيَةٍ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : قَالَ
الزَّجَّاجُ : الْمَعْنَى أَوْ يَئِسَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ إِيمَانِ هَؤُلَاءِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ لَوْ شَاءَ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْعِلْمَ بِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَكُونُ يُوجِبُ الْيَأْسَ مِنْ كَوْنِهِ ، وَالْمُلَازَمَةُ تُوجِبُ حُسْنَ الْمَجَازِ ، فَلِهَذَا السَّبَبِ حَسُنَ إِطْلَاقُ لَفْظِ الْيَأْسِ لِإِرَادَةِ الْعِلْمِ.
المسألة الثَّانِيَةُ : احْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=31أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا ) وَكَلِمَةُ "لَوْ" تُفِيدُ انْتِفَاءَ الشَّيْءِ لِانْتِفَاءِ غَيْرِهِ ، وَالْمَعْنَى : أَنَّهُ تَعَالَى مَا شَاءَ هِدَايَةَ جَمِيعِ النَّاسِ ،
وَالْمُعْتَزِلَةُ تَارَةً يَحْمِلُونَ هَذِهِ الْمَشِيئَةَ عَلَى مَشِيئَةِ الْإِلْجَاءِ ، وَتَارَةً يَحْمِلُونَ الْهِدَايَةَ عَلَى الْهِدَايَةِ إِلَى طَرِيقِ الْجَنَّةِ ، وَفِيهِمْ مَنْ يُجْرِي الْكَلَامَ عَلَى الظَّاهِرِ ، وَيَقُولُ : إِنَّهُ تَعَالَى مَا شَاءَ هِدَايَةَ جَمِيعِ النَّاسِ ؛ لِأَنَّهُ مَا شَاءَ هِدَايَةَ الْأَطْفَالِ وَالْمَجَانِينِ ، فَلَا يَكُونُ شَائِيًا لِهِدَايَةِ جَمِيعِ النَّاسِ. وَالْكَلَامُ فِي هَذِهِ المسألة قَدْ سَبَقَ مِرَارًا.
أما قوله تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=31وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ ) فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ :
المسألة الْأُولَى : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=31الَّذِينَ كَفَرُوا ) فِيهِ قَوْلَانِ :
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ : قِيلَ : أَرَادَ بِهِ جَمِيعَ الْكُفَّارِ ؛ لِأَنَّ الْوَقَائِعَ الشَّدِيدَةَ الَّتِي وَقَعَتْ لِبَعْضِ الْكُفَّارِ مِنَ الْقَتْلِ وَالسَّبْيِ أَوْجَبَ حُصُولَ الْغَمِّ فِي قَلْبِ الْكُلِّ ، وَقِيلَ : أَرَادَ بَعْضَ الْكُفَّارِ وَهُمْ جَمَاعَةٌ مُعَيَّنُونَ ، وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي لَفْظِ الْكُفَّارِ لِلْمَعْهُودِ السَّابِقِ ، وَهُوَ ذَلِكَ الْجَمْعُ الْمُعَيَّنُ.
المسألة الثَّانِيَةُ : فِي الْآيَةِ وَجْهَانِ :
الْأَوَّلُ : وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا مِنْ كُفْرِهُمْ وَسُوءِ أَعْمَالِهِمْ قَارِعَةٌ دَاهِيَةٌ تَقْرَعُهُمْ بِمَا يُحِلُّ اللَّهُ بِهِمْ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ صُنُوفِ الْبَلَايَا وَالْمَصَائِبِ فِي نُفُوسِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ ، أَوْ تَحُلُّ الْقَارِعَةُ قَرِيبًا مِنْهُمْ ، فَيَفْزَعُونَ وَيَضْطَرِبُونَ وَيَتَطَايَرُ إِلَيْهِمْ شَرَارُهَا وَيَتَعَدَّى إِلَيْهِمْ شُرُورُهَا حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ وَهُوَ مَوْتُهُمْ أَوِ الْقِيَامَةُ.
[ ص: 44 ] وَالْقَوْلُ الثَّانِي : وَلَا يَزَالُ
nindex.php?page=treesubj&link=30532_30525_29468كُفَّارُ مَكَّةَ تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْعَدَاوَةِ وَالتَّكْذِيبِ قَارِعَةٌ ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَزَالُ يَبْعَثُ السَّرَايَا فَتُغِيرُ حَوْلَ
مَكَّةَ وَتَخْتَطِفُ مِنْهُمْ وَتُصِيبُ مَوَاشِيَهُمْ ، أَوْ تَحِلُّ أَنْتَ يَا
مُحَمَّدُ قَرِيبًا مِنْ دَرَاهِمْ بِجَيْشِكَ كَمَا حَلَّ
بِالْحُدَيْبِيَةِ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ وَهُوَ فَتْحُ
مَكَّةَ ، وَكَانَ اللَّهُ قَدْ وَعَدَهُ ذَلِكَ.
ثم قال (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=31إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ] وَالْغَرَضُ مِنْهُ تَقْوِيَةُ قَلْبِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِزَالَةُ الْحُزْنِ عَنْهُ ، قَالَ الْقَاضِي : وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ مَنْ يُجَوِّزُ الْخُلْفَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي مِيعَادِهِ ، وَهَذِهِ الْآيَةُ وَإِنْ كَانَتْ وَارِدَةً فِي حَقِّ الْكُفَّارِ إِلَّا أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=20768_20767الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ ، إِذْ بِعُمُومِهِ يَتَنَاوَلُ كُلَّ وَعِيدٍ وَرَدَ فِي حَقِّ الْفُسَّاقِ.
وَجَوَابُنَا : أَنَّ الْخُلْفَ غَيْرٌ ، وَتَخْصِيصَ الْعُمُومِ غَيْرٌ ، وَنَحْنُ لَا نَقُولُ بِالْخُلْفِ ، وَلَكِنَّا نُخَصِّصُ عُمُومَاتِ الْوَعِيدِ بِالْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى الْعَفْوِ.