المسألة الأولى : قوله تعالى : ( لكل أجل كتاب    ) فيه أقوال : 
الأول : أن لكل شيء وقتا مقدرا  ، فالآيات التي سألوها لها وقت معين حكم الله به وكتبه في اللوح المحفوظ ، فلا يتغير عن ذلك الحكم بسبب تحكماتهم الفاسدة ، ولو أن الله أعطاهم ما التمسوا لكان فيه أعظم الفساد. 
الثاني : أن لكل حادث وقتا معينا قضى الله حصوله فيه كالحياة والموت والغنى والفقر والسعادة والشقاوة ، ولا يتغير البتة عن ذلك الوقت. 
والثالث : أن هذا من المقلوب ، والمعنى : أن لكل كتاب منزل من السماء أجلا ينزله فيه ، أي لكل كتاب وقت يعمل به ، فوقت العمل بالتوراة والإنجيل قد انقضى ووقت العمل بالقرآن قد أتى وحضر. 
والرابع : لكل أجل معين كتاب عند الملائكة الحفظة فللإنسان أحوال أولها نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم يصير شابا ثم شيخا ، وكذا القول في جميع الأحوال من الإيمان والكفر والسعادة والشقاوة والحسن والقبح. 
الخامس : كل وقت معين مشتمل على مصلحة خفية ومنفعة لا يعلمها إلا الله تعالى ، فإذا جاء ذلك الوقت حدث ذلك الحادث ولا يجوز حدوثه في غيره. 
واعلم أن هذه الآية صريحة في أن الكل بقضاء الله وبقدره ، وأن الأمور مرهونة بأوقاتها ؛ لأن قوله : ( لكل أجل كتاب    ) معناه : أن تحت كل أجل حادثا معينا ، ويستحيل أن يكون ذلك التعيين لأجل خاصية الوقت فإن ذلك محال ؛ لأن الأجزاء المعروضة في الأوقات المتعاقبة متساوية ، فوجب أن يكون اختصاص كل وقت بالحادث الذي يحدث فيه بفعل الله تعالى واختياره ، وذلك يدل على أن الكل من الله تعالى وهو نظير قوله عليه السلام : جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة   . 
المسألة الثانية : ( يمحوا الله ما يشاء ويثبت    ) قرأ ابن كثير  وأبو عمرو  وعاصم    [ويثبت] ساكنة الثاء خفيفة الباء من أثبت يثبت ، والباقون بفتح الثاء وتشديد الباء من التثبيت ، وحجة من خفف أن ضد المحو الإثبات لا التثبيت ؛ ولأن التشديد للتكثير ، وليس القصد بالمحو التكثير ، فكذلك ما يكون في مقابلته ، ومن شدد احتج بقوله : ( وأشد تثبيتا    ) [النساء : 66] وقوله : ( فثبتوا    ) [الأنفال : 12]. 
 [ ص: 52 ] المسألة الثالثة : المحو ذهاب أثر الكتابة ، يقال : محاه يمحوه محوا إذا أذهب أثره ، وقوله : ( ويثبت    ) قال النحويون : أراد ويثبته إلا أنه استغنى بتعدية الفعل الأول عن تعدية الثاني ، وهو كقوله تعالى : ( والحافظين فروجهم والحافظات    ) [الأحزاب : 35]. 
				
						
						
