المسألة الرابعة : في هذه الآية قولان :
القول الأول : أنها عامة في كل شيء كما يقتضيه ظاهر اللفظ. قالوا : إن
nindex.php?page=treesubj&link=30455_28791_18050الله يمحو من الرزق ويزيد فيه ، وكذا القول في الأجل والسعادة والشقاوة والإيمان والكفر ، وهو مذهب
عمر nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود ، والقائلون بهذا القول كانوا يدعون ويتضرعون إلى الله تعالى في أن يجعلهم سعداء لا أشقياء ، وهذا التأويل رواه
جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والقول الثاني : أن هذه الآية خاصة في بعض الأشقياء دون البعض ، وعلى هذا التقرير ، ففي الآية وجوه :
الأول : المراد من المحو والإثبات : نسخ الحكم المتقدم وإثبات حكم آخر بدلا عن الأول.
الثاني : أنه تعالى يمحو من ديوان الحفظة ما ليس بحسنة ولا سيئة ؛ لأنهم مأمورون بكتابة كل قول وفعل ويثبت غيره ، وطعن
أبو بكر الأصم فيه ، فقال : إنه تعالى وصف الكتاب بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=49لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ) [الكهف : 49] وقال أيضا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=7فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=8ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) [الزلزلة : 7].
أجاب القاضي عنه : بأنه لا يغادر صغيرة ولا كبيرة من الذنوب ، والمباح لا صغيرة ولا كبيرة ،
وللأصم أن يجيب عن هذا الجواب فيقول : إنكم باصطلاحكم خصصتم الصغيرة بالذنب الصغير ، والكبيرة بالذنب الكبير ، وهذا مجرد اصطلاح المتكلمين ، أما في أصل اللغة فالصغير والكبير يتناولان كل فعل وعرض ؛ لأنه إن كان حقيرا فهو صغير ، وإن كان غير ذلك فهو كبير ، وعلى هذا التقرير فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=49لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ) [الكهف : 49] يتناول المباحات أيضا.
الثالث : أنه تعالى أراد بالمحو أن من أذنب أثبت ذلك الذنب في ديوانه ، فإذا تاب عنه محي من ديوانه.
الرابع : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=39يمحوا الله ما يشاء ) وهو من جاء أجله ، ويدع من لم يجئ أجله ويثبته.
الخامس : أنه تعالى يثبت في أول السنة حكم تلك السنة ، فإذا مضت السنة محيت ، وأثبت كتاب آخر للمستقبل.
السادس : يمحو نور القمر ، ويثبت نور الشمس.
السابع : يمحو الدنيا ويثبت الآخرة.
الثامن : أنه في الأرزاق والمحن والمصائب يثبتها في الكتاب ، ثم يزيلها بالدعاء والصدقة ، وفيه حث على الانقطاع إلى الله تعالى .
التاسع : تغير أحوال العبد فما مضى منها فهو المحو ، وما حصل وحضر فهو الإثبات.
العاشر : يزيل ما يشاء ويثبت ما يشاء من حكمه لا يطلع على غيبه أحدا فهو المنفرد بالحكم كما يشاء ، وهو المستقل بالإيجاد والإعدام والإحياء والإماتة والإغناء والإفقار بحيث لا يطلع على تلك الغيوب أحد من خلقه.
واعلم أن هذا الباب فيه مجال عظيم.
فإن قال قائل : ألستم تزعمون أن المقادير سابقة قد جف بها القلم وليس الأمر بأنف ، فكيف يستقيم مع هذا المعنى المحو والإثبات؟
قلنا : ذلك المحو والإثبات أيضا مما جف به القلم ، فلا يمحو إلا ما سبق في علمه وقضائه محوه.
[ ص: 53 ] المسألة الخامسة :
nindex.php?page=treesubj&link=28778_28779_28781قالت الرافضة : البداء جائز على الله تعالى ، وهو أن يعتقد شيئا ، ثم يظهر له أن الأمر بخلاف ما اعتقده ، وتمسكوا فيه بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=39يمحوا الله ما يشاء ويثبت ) .
واعلم أن هذا باطل ؛ لأن علم الله من لوازم ذاته المخصوصة ، وما كان كذلك كان دخول التغير والتبدل فيه محالا.
المسألة السادسة : أما (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=39أم الكتاب ) فالمراد أصل الكتاب ، والعرب تسمي كل ما يجري مجرى الأصل للشيء أما له ، ومنه أم الرأس للدماغ ،
وأم القرى لمكة ، وكل مدينة فهي أم لما حولها من القرى ، فكذلك أم الكتاب هو الذي يكون أصلا لجميع الكتب ، وفيه قولان :
القول الأول : أن
nindex.php?page=treesubj&link=28781_28782أم الكتاب هو اللوح المحفوظ ، وجميع حوادث العالم العلوي والعالم السفلي مثبت فيه ؛ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
كان الله ولا شيء معه ثم خلق اللوح وأثبت فيه أحوال جميع الخلق إلى قيام الساعة قال المتكلمون : الحكمة فيه أن يظهر للملائكة كونه تعالى عالما بجميع المعلومات على سبيل التفصيل ، وعلى هذا التقدير : فعند الله كتابان :
أحدهما : الكتاب الذي يكتبه الملائكة على الخلق ، وذلك الكتاب محل المحو والإثبات.
والكتاب الثاني هو اللوح المحفوظ ، وهو الكتاب المشتمل على تعين جميع الأحوال العلوية والسفلية ، وهو الباقي ، روى
أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013012إن الله سبحانه وتعالى في ثلاث ساعات بقين من الليل ينظر في الكتاب الذي لا ينظر فيه أحد غيره ، فيمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء . وللحكماء في تفسير هذين الكتابين كلمات عجيبة وأسرار غامضة.
والقول الثاني : أن أم الكتاب هو علم الله تعالى ، فإنه تعالى عالم بجميع المعلومات من الموجودات والمعدومات وإن تغيرت ، إلا أن علم الله تعالى بها باق منزه عن التغير ، فالمراد بأم الكتاب هو ذاك. والله أعلم.
المسألة الرَّابِعَةُ : فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلَانِ :
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ : أَنَّهَا عَامَّةٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ كَمَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ اللَّفْظِ. قَالُوا : إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30455_28791_18050اللَّهَ يَمْحُو مِنَ الرِّزْقِ وَيَزِيدُ فِيهِ ، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي الْأَجَلِ وَالسَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ وَالْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ ، وَهُوَ مَذْهَبُ
عُمَرَ nindex.php?page=showalam&ids=10وَابْنِ مَسْعُودٍ ، وَالْقَائِلُونَ بِهَذَا الْقَوْلِ كَانُوا يَدْعُونَ وَيَتَضَرَّعُونَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي أَنْ يَجْعَلَهُمْ سُعَدَاءَ لَا أَشْقِيَاءَ ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ رَوَاهُ
جَابِرٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ خَاصَّةٌ فِي بَعْضِ الْأَشْقِيَاءِ دُونَ الْبَعْضِ ، وَعَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ ، فَفِي الْآيَةِ وُجُوهٌ :
الْأَوَّلُ : الْمُرَادُ مِنَ الْمَحْوِ وَالْإِثْبَاتِ : نَسْخُ الحكم الْمُتَقَدِّمِ وَإِثْبَاتُ حُكْمٍ آخَرَ بَدَلًا عَنِ الْأَوَّلِ.
الثَّانِي : أَنَّهُ تَعَالَى يَمْحُو مِنْ دِيوَانِ الْحَفَظَةِ مَا لَيْسَ بِحَسَنَةٍ وَلَا سَيِّئَةٍ ؛ لِأَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِكِتَابَةِ كُلِّ قَوْلٍ وَفِعْلٍ وَيُثْبِتُ غَيْرَهُ ، وَطَعَنَ
أَبُو بَكْرٍ الْأَصَمُّ فِيهِ ، فَقَالَ : إِنَّهُ تَعَالَى وَصَفَ الْكِتَابَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=49لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ) [الْكَهْفِ : 49] وَقَالَ أَيْضًا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=7فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=8وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) [الزَّلْزَلَةِ : 7].
أَجَابَ الْقَاضِي عَنْهُ : بِأَنَّهُ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً مِنَ الذُّنُوبِ ، وَالْمُبَاحِ لَا صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً ،
وَلِلْأَصَمِّ أَنْ يُجِيبَ عَنْ هَذَا الْجَوَابِ فَيَقُولَ : إِنَّكُمْ بِاصْطِلَاحِكُمْ خَصَّصْتُمُ الصَّغِيرَةَ بِالذَّنَبِ الصَّغِيرِ ، وَالْكَبِيرَةَ بِالذَّنَبِ الْكَبِيرِ ، وَهَذَا مُجَرَّدُ اصْطِلَاحِ الْمُتَكَلِّمِينَ ، أَمَّا فِي أَصْلِ اللُّغَةِ فَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ يَتَنَاوَلَانِ كُلَّ فِعْلٍ وَعَرَضٍ ؛ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ حَقِيرًا فَهُوَ صَغِيرٌ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فَهُوَ كَبِيرٌ ، وَعَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=49لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ) [الْكَهْفِ : 49] يَتَنَاوَلُ الْمُبَاحَاتِ أَيْضًا.
الثَّالِثُ : أَنَّهُ تَعَالَى أَرَادَ بِالْمَحْوِ أَنَّ مَنْ أَذْنَبَ أُثْبِتَ ذَلِكَ الذَّنْبُ فِي دِيوَانِهِ ، فَإِذَا تَابَ عَنْهُ مُحِيَ مِنْ دِيوَانِهِ.
الرَّابِعُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=39يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ ) وَهُوَ مَنْ جَاءَ أَجَلُهُ ، وَيَدَعُ مَنْ لَمْ يَجِئْ أَجَلُهُ وَيُثْبِتُهُ.
الْخَامِسُ : أَنَّهُ تَعَالَى يُثْبِتُ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ حُكْمَ تِلْكَ السَّنَةِ ، فَإِذَا مَضَتِ السَّنَةُ مُحِيَتْ ، وَأُثْبِتَ كِتَابٌ آخَرُ لِلْمُسْتَقْبَلِ.
السَّادِسُ : يَمْحُو نُورَ الْقَمَرِ ، وَيُثْبِتُ نُورَ الشَّمْسِ.
السَّابِعُ : يَمْحُو الدُّنْيَا وَيُثْبِتُ الْآخِرَةَ.
الثَّامِنُ : أَنَّهُ فِي الْأَرْزَاقِ وَالْمِحَنِ وَالْمَصَائِبِ يُثْبِتُهَا فِي الْكِتَابِ ، ثُمَّ يُزِيلُهَا بِالدُّعَاءِ وَالصَّدَقَةِ ، وَفِيهِ حَثٌّ عَلَى الِانْقِطَاعِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى .
التَّاسِعُ : تَغَيُّرُ أَحْوَالِ الْعَبْدِ فَمَا مَضَى مِنْهَا فَهُوَ الْمَحْوُ ، وَمَا حَصَلَ وَحَضَرَ فَهُوَ الْإِثْبَاتُ.
الْعَاشِرُ : يُزِيلُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ مَا يَشَاءُ مِنْ حُكْمِهِ لَا يُطْلِعُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا فَهُوَ الْمُنْفَرِدُ بِالحكم كَمَا يَشَاءُ ، وَهُوَ الْمُسْتَقِلُّ بِالْإِيجَادِ وَالْإِعْدَامِ وَالْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ وَالْإِغْنَاءِ وَالْإِفْقَارِ بِحَيْثُ لَا يَطَّلِعُ عَلَى تِلْكَ الْغُيُوبِ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْبَابَ فِيهِ مَجَالٌ عَظِيمٌ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : أَلَسْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ الْمَقَادِيرَ سَابِقَةٌ قَدْ جَفَّ بِهَا الْقَلَمُ وَلَيْسَ الْأَمْرُ بِأُنُفٍ ، فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ مَعَ هَذَا الْمَعْنَى الْمَحْوُ وَالْإِثْبَاتُ؟
قُلْنَا : ذَلِكَ الْمَحْوُ وَالْإِثْبَاتُ أَيْضًا مِمَّا جَفَّ بِهِ الْقَلَمُ ، فَلَا يَمْحُو إِلَّا مَا سَبَقَ فِي عِلْمِهِ وَقَضَائِهِ مَحْوُهُ.
[ ص: 53 ] المسألة الْخَامِسَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=28778_28779_28781قَالَتِ الرَّافِضَةُ : الْبَدَاءُ جَائِزٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَهُوَ أَنْ يَعْتَقِدَ شَيْئًا ، ثُمَّ يَظْهَرُ لَهُ أَنَّ الْأَمْرَ بِخِلَافِ مَا اعْتَقَدَهُ ، وَتَمَسَّكُوا فِيهِ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=39يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ) .
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ عِلْمَ اللَّهِ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ الْمَخْصُوصَةِ ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ دُخُولُ التَّغَيُّرِ وَالتَّبَدُّلِ فِيهِ مُحَالًا.
المسألة السَّادِسَةُ : أَمَّا (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=39أُمُّ الْكِتَابِ ) فَالْمُرَادُ أَصْلُ الْكِتَابِ ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ مَا يَجْرِي مَجْرَى الْأَصْلِ لِلشَّيْءِ أُمًّا لَهُ ، وَمِنْهُ أُمُّ الرَّأْسِ لِلدِّمَاغِ ،
وَأُمُّ الْقُرَى لِمَكَّةَ ، وَكُلُّ مَدِينَةٍ فَهِيَ أُمٌّ لِمَا حَوْلَهَا مِنَ الْقُرَى ، فَكَذَلِكَ أُمُّ الْكِتَابِ هُوَ الَّذِي يَكُونُ أَصْلًا لِجَمِيعِ الْكُتُبِ ، وَفِيهِ قَوْلَانِ :
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28781_28782أُمَّ الْكِتَابِ هُوَ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ ، وَجَمِيعُ حَوَادِثِ الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَالْعَالَمِ السُّفْلِيِّ مُثْبَتٌ فِيهِ ؛ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :
كَانَ اللَّهُ وَلَا شَيْءَ مَعَهُ ثُمَّ خَلَقَ اللَّوْحَ وَأَثْبَتَ فِيهِ أَحْوَالَ جَمِيعِ الْخَلْقِ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ قَالَ الْمُتَكَلِّمُونَ : الْحِكْمَةُ فِيهِ أَنْ يُظْهِرَ لِلْمَلَائِكَةِ كَوْنَهُ تَعَالَى عَالِمًا بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ عَلَى سَبِيلِ التَّفْصِيلِ ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ : فَعِنْدَ اللَّهِ كِتَابَانِ :
أَحَدُهُمَا : الْكِتَابُ الَّذِي يَكْتُبُهُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى الْخَلْقِ ، وَذَلِكَ الْكِتَابُ مَحَلُّ الْمَحْوِ وَالْإِثْبَاتِ.
وَالْكِتَابُ الثَّانِي هُوَ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ ، وَهُوَ الْكِتَابُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى تَعَيُّنِ جَمِيعِ الْأَحْوَالِ الْعُلْوِيَّةِ وَالسُّفْلِيَّةِ ، وَهُوَ الْبَاقِي ، رَوَى
أَبُو الدَّرْدَاءِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013012إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي ثَلَاثِ سَاعَاتٍ بَقِينَ مِنَ اللَّيْلِ يَنْظُرُ فِي الْكِتَابِ الَّذِي لَا يَنْظُرُ فِيهِ أَحَدٌ غَيْرُهُ ، فَيَمْحُو مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ مَا يَشَاءُ . وَلِلْحُكَمَاءِ فِي تَفْسِيرِ هَذَيْنِ الْكِتَابَيْنِ كَلِمَاتٌ عَجِيبَةٌ وَأَسْرَارٌ غَامِضَةٌ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ أُمَّ الْكِتَابِ هُوَ عِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى ، فَإِنَّهُ تَعَالَى عَالِمٌ بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ مِنَ الْمَوْجُودَاتِ وَالْمَعْدُومَاتِ وَإِنْ تَغَيَّرَتْ ، إِلَّا أَنَّ عِلْمَ اللَّهِ تَعَالَى بِهَا بَاقٍ مُنَزَّهٌ عَنِ التَّغَيُّرِ ، فَالْمُرَادُ بِأُمِّ الْكِتَابِ هُوَ ذَاكَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.