المسألة الثالثة : إنما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=3يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ) لأن فيه إضمارا ، والتقدير :
nindex.php?page=treesubj&link=29497_30200يستحبون الحياة الدنيا ويؤثرونها على الآخرة ، فجمع تعالى بين هذين الوصفين ليتبين بذلك أن الاستحباب للدنيا وحده لا يكون مذموما إلا بعد أن يضاف إليه إيثارها على الآخرة ، فأما من أحبها ليصل بها إلى منافع النفس وإلى خيرات الآخرة ، فإن ذلك لا يكون مذموما حتى إذا آثرها على آخرته بأن اختار منها ما يضره في آخرته ، فهذه المحبة هي المحبة المذمومة.
النوع الثاني : من الصفات التي وصف الله الكفار بها قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=3ويصدون عن سبيل الله ) .
واعلم أن من كان موصوفا باستحباب الدنيا فهو ضال ، ومن
nindex.php?page=treesubj&link=32025_31825_30549منع الغير من الوصول إلى سبيل الله ودينه فهو مضل ، فالمرتبة الأولى إشارة إلى كونهم ضالين ، وهذه المرتبة الثانية وهي كونهم صادين عن سبيل الله إشارة إلى كونهم مضلين.
والنوع الثالث من تلك الصفات قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=3ويبغونها عوجا ) واعلم أن الإضلال على مرتبتين :
المرتبة الأولى : أنه يسعى في صد الغير ومنعه من الوصول إلى المنهج القويم والصراط المستقيم.
والمرتبة الثانية : أن
nindex.php?page=treesubj&link=30549_32025_31825يسعى في إلقاء الشكوك والشبهات في المذهب الحق ، ويحاول تقبيح صفته بكل ما يقدر عليه من الحيل ، وهذا هو النهاية في الضلال والإضلال ، وإليه الإشارة بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=3ويبغونها عوجا ) قال صاحب "الكشاف" : الأصل في الكلام أن يقال : ويبغون لها عوجا ، فحذف الجار وأوصل الفعل ، ولما ذكر الله تعالى هذه المراتب الثلاثة لأحوال هؤلاء الكفار قال في صفتهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=3أولئك في ضلال بعيد ] وإنما وصف هذا الضلال بالبعد لوجوه :
الوجه الأول : أنا بينا أن أقصى مراتب الضلال هو الذي وصفه الله تعالى في هذه المرتبة ، فهذه المرتبة في غاية البعد عن طريق الحق ، فإن شرط الضدين أن يكونا في غاية التباعد ، مثل السواد والبياض ، فكذا هاهنا الضلال الذي يكون واقعا على هذا الوجه يكون في غاية البعد عن الحق ، فإنه لا يعقل ضلال أقوى وأكمل من هذا الضلال.
والوجه الثاني : أن يكون المراد أن يبعد ردهم عن طريقة الضلال إلى الهدى ؛ لأنه قد تمكن ذلك في نفوسهم.
والوجه الثالث : أن يكون المراد من الضلال الهلاك ، والتقدير : أولئك في هلاك يطول عليهم فلا ينقطع ، وأراد بالبعد امتداده وزوال انقطاعه.
المسألة الثَّالِثَةُ : إِنَّمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=3يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ ) لِأَنَّ فِيهِ إِضْمَارًا ، وَالتَّقْدِيرُ :
nindex.php?page=treesubj&link=29497_30200يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَيُؤْثِرُونَهَا عَلَى الْآخِرَةِ ، فَجَمَعَ تَعَالَى بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ لِيَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّ الِاسْتِحْبَابَ لِلدُّنْيَا وَحْدَهُ لَا يَكُونُ مَذْمُومًا إِلَّا بَعْدَ أَنْ يُضَافَ إِلَيْهِ إِيثَارُهَا عَلَى الْآخِرَةِ ، فَأَمَّا مَنْ أَحَبَّهَا لِيَصِلَ بِهَا إِلَى مَنَافِعِ النَّفْسِ وَإِلَى خَيْرَاتِ الْآخِرَةِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ مَذْمُومًا حَتَّى إِذَا آثَرَهَا عَلَى آخِرَتِهِ بِأَنِ اخْتَارَ مِنْهَا مَا يَضُرُّهُ فِي آخِرَتِهِ ، فَهَذِهِ الْمَحَبَّةُ هِيَ الْمَحَبَّةُ الْمَذْمُومَةُ.
النوع الثَّانِي : مِنَ الصِّفَاتِ الَّتِي وَصَفَ اللَّهُ الْكُفَّارَ بِهَا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=3وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) .
وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ كَانَ مَوْصُوفًا بِاسْتِحْبَابِ الدُّنْيَا فَهُوَ ضَالٌّ ، وَمَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=32025_31825_30549مَنَعَ الْغَيْرَ مِنَ الْوُصُولِ إِلَى سَبِيلِ اللَّهِ وَدِينِهِ فَهُوَ مُضِلٌّ ، فَالْمَرْتَبَةُ الْأُولَى إِشَارَةٌ إِلَى كَوْنِهِمْ ضَالِّينَ ، وَهَذِهِ الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ كَوْنُهُمْ صَادِّينَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِشَارَةٌ إِلَى كَوْنِهِمْ مُضِلِّينَ.
وَالنوع الثَّالِثُ مِنْ تِلْكَ الصِّفَاتِ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=3وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا ) وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِضْلَالَ عَلَى مَرْتَبَتَيْنِ :
الْمَرْتَبَةُ الْأُولَى : أَنَّهُ يَسْعَى فِي صَدِّ الْغَيْرِ وَمَنْعِهِ مِنَ الْوُصُولِ إِلَى الْمَنْهَجِ الْقَوِيمِ وَالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ.
وَالْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ : أَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=30549_32025_31825يَسْعَى فِي إِلْقَاءِ الشُّكُوكِ وَالشُّبَهَاتِ فِي الْمَذْهَبِ الْحَقِّ ، وَيُحَاوِلَ تَقْبِيحَ صِفَتِهِ بِكُلِّ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنَ الْحِيَلِ ، وَهَذَا هُوَ النِّهَايَةُ فِي الضَّلَالِ وَالْإِضْلَالِ ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=3وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا ) قَالَ صَاحِبُ "الْكَشَّافِ" : الْأَصْلُ فِي الْكَلَامِ أَنْ يُقَالَ : وَيَبْغُونَ لَهَا عِوَجًا ، فَحُذِفَ الْجَارُّ وَأُوصِلَ الْفِعْلُ ، وَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْمَرَاتِبَ الثَّلَاثَةَ لِأَحْوَالِ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ قَالَ فِي صِفَتِهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=3أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ ] وَإِنَّمَا وُصِفَ هَذَا الضَّلَالُ بِالْبُعْدِ لِوُجُوهٍ :
الوجه الْأَوَّلُ : أَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ أَقْصَى مَرَاتِبِ الضَّلَالِ هُوَ الَّذِي وَصَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ ، فَهَذِهِ الْمَرْتَبَةُ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ ، فَإِنَّ شَرْطَ الضِّدَّيْنِ أَنْ يَكُونَا فِي غَايَةِ التَّبَاعُدِ ، مِثْلَ السَّوَادِ وَالْبَيَاضِ ، فَكَذَا هَاهُنَا الضَّلَالُ الَّذِي يَكُونُ وَاقِعًا عَلَى هَذَا الوجه يَكُونُ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ عَنِ الْحَقِّ ، فَإِنَّهُ لَا يُعْقَلُ ضَلَالٌ أَقْوَى وَأَكْمَلُ مِنْ هَذَا الضَّلَالِ.
وَالوجه الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنْ يَبْعُدَ رَدُّهُمْ عَنْ طَرِيقَةِ الضَّلَالِ إِلَى الْهُدَى ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَمَكَّنَ ذَلِكَ فِي نُفُوسِهِمْ.
وَالوجه الثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ الضَّلَالِ الْهَلَاكَ ، وَالتَّقْدِيرُ : أُولَئِكَ فِي هَلَاكٍ يَطُولُ عَلَيْهِمْ فَلَا يَنْقَطِعُ ، وَأَرَادَ بِالْبُعْدِ امْتِدَادَهُ وَزَوَالَ انْقِطَاعِهِ.