(
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=5ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بأيام الله إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=6وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم ) .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=5ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بأيام الله إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=6وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم ) .
[ ص: 66 ] وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أنه تعالى لما بين أنه إنما أرسل
محمدا صلى الله عليه وسلم إلى الناس ليخرجهم من الظلمات إلى النور ، وذكر كمال إنعامه عليه وعلى قومه في ذلك الإرسال وفي تلك البعثة ، أتبع ذلك بشرح بعثة سائر الأنبياء إلى أقوامهم وكيفية معاملة أقوامهم معهم ؛ تصبيرا للرسول عليه السلام على أذى قومه وإرشادا له إلى كيفية مكالمتهم ومعاملتهم ، فذكر تعالى على العادة المألوفة قصص بعض الأنبياء عليهم السلام فبدأ بذكر قصة
موسى عليه السلام ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=5ولقد أرسلنا موسى بآياتنا ) قال
الأصم :
nindex.php?page=treesubj&link=31908_32016_31942آيات موسى عليه السلام هي : العصا واليد والجراد والقمل والضفادع والدم وفلق البحر وانفجار العيون من الحجر وإظلال الجبل وإنزال المن والسلوى . وقال
الجبائي : أرسل الله تعالى
موسى عليه السلام إلى قومه من
بني إسرائيل بآياته وهي دلالاته وكتبه المنزلة عليه ، وأمره أن يبين لهم الدين . وقال
أبو مسلم الأصفهاني : إنه تعالى قال في صفة
محمد صلى الله عليه وسلم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=1كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور ) وقال في حق
موسى عليه السلام : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=5أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور ) والمقصود : بيان أن المقصود من البعثة واحد في حق جميع الأنبياء عليهم السلام ، وهو أن يسعوا في إخراج الخلق من ظلمات الضلالات إلى أنوار الهدايات .
المسألة الثانية : قال
الزجاج : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=5أن أخرج قومك ) أي بأن أخرج قومك . ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=5أن ) ههنا تصلح أن تكون مفسرة بمعنى أي ، ويكون المعنى : ولقد أرسلنا
موسى بآياتنا أي أخرج قومك ، كأن المعنى قلنا له : أخرج قومك . ومثله قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=6وانطلق الملأ منهم أن امشوا ) [ ص : 6 ] أي امشوا ، والتأويل : قيل لهم امشوا ، وتصلح أيضا أن تكون المخففة التي هي للخبر ، والمعنى : أرسلناه بأن يخرج قومه إلا أن الجار حذف ووصلت [ أن ] بلفظ الأمر ، ونظيره قولك : كتبت إليه أن قم وأمرته أن قم ، ثم إن
الزجاج حكى هذين القولين عن
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه .
أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=5وذكرهم بأيام الله ) فاعلم أنه تعالى أمر
موسى عليه السلام في هذا المقام بشيئين :
أحدهما : أن يخرجهم من ظلمات الكفر .
والثاني : أن يذكرهم بأيام الله ، وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : قال
الواحدي : أيام جمع يوم ، واليوم هو مقدار المدة من طلوع الشمس إلى غروبها ، وكانت الأيام في الأصل " أيوام " فاجتمعت الياء والواو وسبقت إحداهما بالسكون ، فأدغمت إحداهما في الأخرى وغلبت الياء .
المسألة الثانية : أنه يعبر بالأيام عن الوقائع العظيمة التي وقعت فيها . يقال : فلان عالم بأيام العرب ويريد وقائعها ، وفي المثل : من ير يوما ير له ؛ معناه من رئي في يوم مسرورا بمصرع غيره ير في يوم آخر حزينا بمصرع نفسه ، وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=140وتلك الأيام نداولها بين الناس ) [ آل عمران : 140 ] .
إذا عرفت هذا فالمعنى : عظهم بالترغيب والترهيب والوعد والوعيد ، فالترغيب والوعد أن يذكرهم ما أنعم الله عليهم وعلى من قبلهم ممن آمن بالرسل في سائر ما سلف من الأيام ، والترهيب والوعيد : أن
nindex.php?page=treesubj&link=32016_32026_30532يذكرهم بأس الله وعذابه وانتقامه ممن كذب الرسل ممن سلف من الأمم فيما سلف من الأيام ، مثل ما نزل
بعاد وثمود وغيرهم من العذاب ، ليرغبوا في الوعد فيصدقوا ويحذروا من الوعيد فيتركوا التكذيب .
واعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=31908أيام الله في حق موسى عليه السلام منها ما كان أيام المحنة والبلاء وهي الأيام التي كانت
بنو [ ص: 67 ] إسرائيل فيها تحت قهر
فرعون ، ومنها ما كان أيام الراحة والنعماء مثل إنزال المن والسلوى وانفلاق البحر وتظليل الغمام .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=5إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ) والمعنى أن في ذلك
nindex.php?page=treesubj&link=19572_19607_19280التذكير والتنبيه دلائل لمن كان صبارا شكورا ؛ لأن الحال إما أن يكون حال محنة وبلية أو حال منحة وعطية ، فإن كان الأول كان المؤمن صبارا ، وإن كان الثاني كان شكورا . وهذا تنبيه على أن المؤمن يجب أن لا يخلو زمانه عن أحد هذين الأمرين ، فإن جرى الوقت على ما يلائم طبعه ويوافق إرادته كان مشغولا بالشكر ، وإن جرى بما لا يلائم طبعه كان مشغولا بالصبر .
فإن قيل : إن تلك التذكيرات آيات للكل ، فلماذا خص الصبار الشكور بها ؟
قلنا : فيه وجوه :
الأول : أنهم لما كانوا هم المنتفعون بتلك الآيات صارت كأنها ليست آيات إلا لهم كما في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2هدى للمتقين ) [ البقرة : 2 ] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=45إنما أنت منذر من يخشاها ) [ النازعات : 45 ] .
والثاني : لا يبعد أن يقال : الانتفاع بهذا النوع من التذكير لا يمكن حصوله إلا لمن كان صابرا أو شاكرا . أما الذي لا يكون كذلك لم ينتفع بهذه الآيات .
واعلم أنه تعالى لما ذكر أنه أمر
موسى عليه السلام بأن يذكرهم بأيام الله تعالى ، حكى عن
موسى عليه السلام أنه ذكرهم بها فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=6وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ) فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=6إذ أنجاكم ) ظرف للنعمة بمعنى الإنعام ، أي اذكروا إنعام الله عليكم في ذلك الوقت .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=5وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=6وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ ) .
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=5وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=6وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ ) .
[ ص: 66 ] وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ :
المسألة الْأُولَى : اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ أَنَّهُ إِنَّمَا أَرْسَلَ
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى النَّاسِ لِيُخْرِجَهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ، وَذَكَرَ كَمَالَ إِنْعَامِهِ عَلَيْهِ وَعَلَى قَوْمِهِ فِي ذَلِكَ الْإِرْسَالِ وَفِي تِلْكَ الْبَعْثَةِ ، أَتْبَعَ ذَلِكَ بِشَرْحِ بِعْثَةِ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ إِلَى أَقْوَامِهِمْ وَكَيْفِيَّةِ مُعَامَلَةِ أَقْوَامِهِمْ مَعَهُمْ ؛ تَصْبِيرًا لِلرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى أَذَى قَوْمِهِ وَإِرْشَادًا لَهُ إِلَى كَيْفِيَّةِ مُكَالَمَتِهِمْ وَمُعَامَلَتِهِمْ ، فَذَكَرَ تَعَالَى عَلَى الْعَادَةِ الْمَأْلُوفَةِ قَصَصَ بَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ فَبَدَأَ بِذِكْرِ قِصَّةِ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=5وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا ) قَالَ
الْأَصَمُّ :
nindex.php?page=treesubj&link=31908_32016_31942آيَاتُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ هِيَ : الْعَصَا وَالْيَدُ وَالْجَرَادُ وَالْقُمَّلُ وَالضَّفَادِعُ وَالدَّمُ وَفَلْقُ الْبَحْرِ وَانْفِجَارُ الْعُيُونِ مِنَ الْحَجَرِ وَإِظْلَالُ الْجَبَلِ وَإِنْزَالُ الْمَنِّ وَالسَّلْوَى . وَقَالَ
الْجُبَّائِيُّ : أَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى قَوْمِهِ مِنْ
بَنِي إِسْرَائِيلَ بِآيَاتِهِ وَهِيَ دَلَالَاتُهُ وَكُتُبُهُ الْمُنَزَّلَةُ عَلَيْهِ ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُمُ الدِّينَ . وَقَالَ
أَبُو مُسْلِمٍ الْأَصْفَهَانِيُّ : إِنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي صِفَةِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=1كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ) وَقَالَ فِي حَقِّ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=5أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ) وَالْمَقْصُودُ : بَيَانُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْبِعْثَةِ وَاحِدٌ فِي حَقِّ جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ ، وَهُوَ أَنْ يَسْعَوْا فِي إِخْرَاجِ الْخَلْقِ مِنْ ظُلُمَاتِ الضَّلَالَاتِ إِلَى أَنْوَارِ الْهِدَايَاتِ .
المسألة الثَّانِيَةُ : قَالَ
الزَّجَّاجُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=5أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ ) أَيْ بِأَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ . ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=5أَنْ ) هَهُنَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ مُفَسِّرَةً بِمَعْنَى أَيْ ، وَيَكُونَ الْمَعْنَى : وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا
مُوسَى بِآيَاتِنَا أَيْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ ، كَأَنَّ الْمَعْنَى قُلْنَا لَهُ : أَخْرِجْ قَوْمَكَ . وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=6وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا ) [ ص : 6 ] أَيِ امْشُوا ، وَالتَّأْوِيلُ : قِيلَ لَهُمُ امْشُوا ، وَتَصْلُحُ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ الْمُخَفَّفَةَ الَّتِي هِيَ لِلْخَبَرِ ، وَالْمَعْنَى : أَرْسَلْنَاهُ بِأَنْ يُخْرِجَ قَوْمَهُ إِلَّا أَنَّ الْجَارَّ حُذِفَ وَوُصِلَتْ [ أَنْ ] بِلَفْظِ الْأَمْرِ ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُكَ : كَتَبْتُ إِلَيْهِ أَنْ قُمْ وَأَمَرْتُهُ أَنْ قُمْ ، ثُمَّ إِنَّ
الزَّجَّاجَ حَكَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ .
أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=5وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ ) فَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي هَذَا الْمَقَامِ بِشَيْئَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ يُخْرِجَهُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْكُفْرِ .
وَالثَّانِي : أَنْ يُذَكِّرَهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ ، وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ :
المسألة الْأُولَى : قَالَ
الْوَاحِدِيُّ : أَيَّامٌ جَمْعُ يَوْمٍ ، وَالْيَوْمُ هُوَ مِقْدَارُ الْمُدَّةِ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إِلَى غُرُوبِهَا ، وَكَانَتِ الْأَيَّامُ فِي الْأَصْلِ " أَيْوَامٌ " فَاجْتَمَعَتِ الْيَاءُ وَالْوَاوُ وَسُبِقَتْ إِحْدَاهُمَا بِالسُّكُونِ ، فَأُدْغِمَتْ إِحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى وَغَلَبَتِ الْيَاءُ .
المسألة الثَّانِيَةُ : أَنَّهُ يُعَبَّرُ بِالْأَيَّامِ عَنِ الْوَقَائِعِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا . يُقَالُ : فُلَانٌ عَالِمٌ بِأَيَّامِ الْعَرَبِ وَيُرِيدُ وَقَائِعَهَا ، وَفِي الْمَثَلِ : مَنْ يُرَ يَوْمًا يُرَ لَهُ ؛ مَعْنَاهُ مَنْ رُئِيَ فِي يَوْمٍ مَسْرُورًا بِمَصْرَعِ غَيْرِهِ يُرَ فِي يَوْمٍ آخَرَ حَزِينًا بِمَصْرَعِ نَفْسِهِ ، وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=140وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ) [ آلِ عِمْرَانَ : 140 ] .
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَالْمَعْنَى : عِظْهُمْ بِالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ ، فَالتَّرْغِيبُ وَالْوَعْدُ أَنْ يُذَكِّرَهُمْ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى مَنْ قَبْلَهُمْ مِمَّنْ آمَنَ بِالرُّسُلِ فِي سَائِرِ مَا سَلَفَ مِنَ الْأَيَّامِ ، وَالتَّرْهِيبُ وَالْوَعِيدُ : أَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=32016_32026_30532يُذَكِّرَهُمْ بَأْسَ اللَّهِ وَعَذَابَهُ وَانْتِقَامَهُ مِمَّنْ كَذَّبَ الرُّسُلَ مِمَّنْ سَلَفَ مِنَ الْأُمَمِ فِيمَا سَلَفَ مِنَ الْأَيَّامِ ، مِثْلُ مَا نَزَلَ
بِعَادٍ وَثَمُودَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْعَذَابِ ، لِيَرْغَبُوا فِي الْوَعْدِ فَيُصَدِّقُوا وَيَحْذَرُوا مِنَ الْوَعِيدِ فَيَتْرُكُوا التَّكْذِيبَ .
وَاعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=31908أَيَّامَ اللَّهِ فِي حَقِّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْهَا مَا كَانَ أَيَّامَ الْمِحْنَةِ وَالْبَلَاءِ وَهِيَ الْأَيَّامُ الَّتِي كَانَتْ
بَنُو [ ص: 67 ] إِسْرَائِيلَ فِيهَا تَحْتَ قَهْرِ
فِرْعَوْنَ ، وَمِنْهَا مَا كَانَ أَيَّامَ الرَّاحَةِ وَالنَّعْمَاءِ مِثْلَ إِنْزَالِ الْمَنِّ وَالسَّلْوَى وَانْفِلَاقِ الْبَحْرِ وَتَظْلِيلِ الْغَمَامِ .
ثم قال تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=5إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ) وَالْمَعْنَى أَنَّ فِي ذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=19572_19607_19280التَّذْكِيرِ وَالتَّنْبِيهِ دَلَائِلَ لِمَنْ كَانَ صَبَّارًا شَكُورًا ؛ لِأَنَّ الْحَالَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ حَالَ مِحْنَةٍ وَبَلِيَّةٍ أَوْ حَالَ مِنْحَةٍ وَعَطِيَّةٍ ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ كَانَ الْمُؤْمِنُ صَبَّارًا ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ كَانَ شَكُورًا . وَهَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَجِبُ أَنْ لَا يَخْلُوَ زَمَانُهُ عَنْ أَحَدِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ ، فَإِنْ جَرَى الْوَقْتُ عَلَى مَا يُلَائِمُ طَبْعَهُ وَيُوَافِقُ إِرَادَتَهُ كَانَ مَشْغُولًا بِالشُّكْرِ ، وَإِنْ جَرَى بِمَا لَا يُلَائِمُ طَبْعَهُ كَانَ مَشْغُولًا بِالصَّبْرِ .
فَإِنْ قِيلَ : إِنَّ تِلْكَ التَّذْكِيرَاتِ آيَاتٌ لِلْكُلِّ ، فَلِمَاذَا خَصَّ الصَّبَّارَ الشَّكُورَ بِهَا ؟
قُلْنَا : فِيهِ وُجُوهٌ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُمْ لَمَّا كَانُوا هُمُ الْمُنْتَفِعُونَ بِتِلْكَ الْآيَاتِ صَارَتْ كَأَنَّهَا لَيْسَتْ آيَاتٍ إِلَّا لَهُمْ كَمَا فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ) [ الْبَقَرَةِ : 2 ] وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=45إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا ) [ النَّازِعَاتِ : 45 ] .
وَالثَّانِي : لَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ : الِانْتِفَاعُ بِهَذَا النوع مِنَ التَّذْكِيرِ لَا يُمْكِنُ حُصُولُهُ إِلَّا لِمَنْ كَانَ صَابِرًا أَوْ شَاكِرًا . أَمَّا الَّذِي لَا يَكُونُ كَذَلِكَ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهَذِهِ الْآيَاتِ .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ أَمَرَ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَنْ يُذَكِّرَهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ تَعَالَى ، حَكَى عَنْ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ ذَكَّرَهُمْ بِهَا فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=6وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ) فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=6إِذْ أَنْجَاكُمْ ) ظَرْفٌ لِلنِّعْمَةِ بِمَعْنَى الْإِنْعَامِ ، أَيِ اذْكُرُوا إِنْعَامَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ .