[ ص: 83 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=18مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=19ألم تر أن الله خلق السماوات والأرض بالحق إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=20وما ذلك على الله بعزيز ) .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=18مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=19ألم تر أن الله خلق السماوات والأرض بالحق إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=20وما ذلك على الله بعزيز ) .
اعلم أنه تعالى لما ذكر أنواع عذابهم في الآية المتقدمة بين في هذه الآية أن أعمالهم بأسرها تصير ضائعة باطلة لا ينتفعون بشيء منها ، وعند هذا يظهر كمال خسرانهم ؛ لأنهم لا يجدون في القيامة إلا العقاب الشديد ، وكل ما عملوه في الدنيا وجدوه ضائعا باطلا ، وذلك هو الخسران الشديد . وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : في ارتفاع قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=18مثل الذين ) وجوه :
الأول : قال
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه : التقدير : وفيما يتلى عليكم مثل الذين كفروا ، أو مثل الذين كفروا فيما يتلى عليكم ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=18كرماد ) جملة مستأنفة على تقدير سؤال سائل يقول : كيف مثلهم ؟ فقيل : أعمالهم كرماد .
الثاني : قال
الفراء : التقدير مثل
nindex.php?page=treesubj&link=30437_28902_30551أعمال الذين كفروا بربهم كرماد فحذف المضاف اعتمادا على ذكره بعد المضاف إليه وهو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=18أعمالهم ) ومثله قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=7الذي أحسن كل شيء خلقه ) [ السجدة : 7 ] أي خلق كل شيء ، وكذا قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=60ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة ) [ الزمر : 60 ] المعنى ترى وجوه الذين كذبوا على الله مسودة .
الثالث : أن يكون التقدير : صفة الذين كفروا أعمالهم كرماد كقولك : صفة زيد عرضه مصون ، وماله مبذول .
الرابع : أن تكون أعمالهم بدلا من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=18مثل الذين كفروا ) والتقدير : مثل أعمالهم ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=18كرماد ) هو الخبر .
الخامس : أن يكون المثل صلة وتقديره : الذين كفروا أعمالهم .
المسألة الثانية : اعلم أن وجه المشابهة بين هذا المثل وبين هذه الأعمال ، هو أن الريح العاصف تطير الرماد وتفرق أجزاءه بحيث لا يبقى لذلك الرماد أثر ولا خبر ، فكذا ههنا أن كفرهم أبطل أعمالهم وأحبطها بحيث لم يبق من تلك الأعمال معهم خبر ولا أثر ، ثم اختلفوا في المراد بهذه الأعمال على وجوه :
الوجه الأول : أن المراد منها ما عملوه من أعمال البر كالصدقة وصلة الرحم وبر الوالدين وإطعام الجائع ، وذلك لأنها تصير محبطة باطلة بسبب كفرهم ، ولولا كفرهم لانتفعوا بها .
والوجه الثاني : أن المراد من تلك الأعمال عبادتهم للأصنام وما تكلفوه من كفرهم الذي ظنوه إيمانا وطريقا إلى الخلاص ، والوجه في خسرانهم أنهم أتعبوا أبدانهم فيها الدهر الطويل لكي ينتفعوا بها فصارت وبالا عليهم .
والوجه الثالث : أن المراد من هذه الأعمال كلا القسمين ؛ لأنهم إذا رأوا الأعمال التي كانت في أنفسها خيرات قد بطلت ، والأعمال التي ظنوها خيرات وأفنوا فيها أعمارهم قد بطلت أيضا وصارت من أعظم الموجبات لعذابهم فلا شك أنه تعظم حسرتهم وندامتهم فلذلك قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=18ذلك هو الضلال البعيد ) .
المسألة الثالثة : قرئ " الرياح في يوم عاصف " جعل العصف لليوم ، وهو لما فيه وهو الريح أو الرياح كقولك : يوم ماطر وليلة ساكرة ، وإنما السكور لريحها ، قال
الفراء : وإن شئت قلت : في يوم ذي عصوف ، وإن
[ ص: 84 ] شئت قلت : في يوم عاصف الريح فحذف ذكر الريح لكونه مذكورا قبل ذلك ، وقرئ " في يوم عاصف " بالإضافة .
المسألة الرابعة : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=18لا يقدرون مما كسبوا على شيء ) أي لا يقدرون مما كسبوا على شيء منتفع به لا في الدنيا ولا في الآخرة ؛ وذلك لأنه ضاع بالكلية وفسد ، وهذه الآية دالة على كون العبد مكتسبا لأفعاله .
[ ص: 83 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=18مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=19أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=20وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ ) .
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=18مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=19أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=20وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ ) .
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ أَنْوَاعَ عَذَابِهِمْ فِي الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ بَيَّنَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ أَعْمَالَهُمْ بِأَسْرِهَا تَصِيرُ ضَائِعَةً بَاطِلَةً لَا يَنْتَفِعُونَ بِشَيْءٍ مِنْهَا ، وَعِنْدَ هَذَا يَظْهَرُ كَمَالُ خُسْرَانِهِمْ ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ فِي الْقِيَامَةِ إِلَّا الْعِقَابَ الشَّدِيدَ ، وَكُلُّ مَا عَمِلُوهُ فِي الدُّنْيَا وَجَدُوهُ ضَائِعًا بَاطِلًا ، وَذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الشَّدِيدُ . وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ :
المسألة الْأُولَى : فِي ارْتِفَاعِ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=18مَثَلُ الَّذِينَ ) وُجُوهٌ :
الْأَوَّلُ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ : التَّقْدِيرُ : وَفِيمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا ، أَوْ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِيمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=18كَرَمَادٍ ) جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ عَلَى تَقْدِيرِ سُؤَالِ سَائِلٍ يَقُولُ : كَيْفَ مَثَلُهُمْ ؟ فَقِيلَ : أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ .
الثَّانِي : قَالَ
الْفَرَّاءُ : التَّقْدِيرُ مَثَلُ
nindex.php?page=treesubj&link=30437_28902_30551أَعْمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ كَرَمَادٍ فَحَذَفَ الْمُضَافَ اعْتِمَادًا عَلَى ذِكْرِهِ بَعْدَ الْمُضَافِ إِلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=18أَعْمَالُهُمْ ) وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=7الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ) [ السَّجْدَةِ : 7 ] أَيْ خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ، وَكَذَا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=60وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ ) [ الزُّمَرِ : 60 ] الْمَعْنَى تَرَى وُجُوهَ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ مُسْوَدَّةً .
الثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ : صِفَةُ الَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ كَقَوْلِكَ : صِفَةُ زَيْدٍ عِرْضُهُ مَصُونٌ ، وَمَالُهُ مَبْذُولٌ .
الرَّابِعُ : أَنْ تَكُونَ أَعْمَالُهُمْ بَدَلًا مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=18مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) وَالتَّقْدِيرُ : مَثَلُ أَعْمَالِهِمْ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=18كَرَمَادٍ ) هُوَ الْخَبَرُ .
الْخَامِسُ : أَنْ يَكُونَ الْمَثَلُ صِلَةً وَتَقْدِيرُهُ : الَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ .
المسألة الثَّانِيَةُ : اعْلَمْ أَنَّ وَجْهَ الْمُشَابَهَةِ بَيْنَ هَذَا الْمَثَلِ وَبَيْنَ هَذِهِ الْأَعْمَالِ ، هُوَ أَنَّ الرِّيحَ الْعَاصِفَ تُطِيرُ الرَّمَادَ وَتُفَرِّقُ أَجْزَاءَهُ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى لِذَلِكَ الرَّمَادِ أَثَرٌ وَلَا خَبَرٌ ، فَكَذَا هَهُنَا أَنَّ كُفْرَهُمْ أَبْطَلَ أَعْمَالَهُمْ وَأَحْبَطَهَا بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ مِنْ تِلْكَ الْأَعْمَالِ مَعَهُمْ خَبَرٌ وَلَا أَثَرٌ ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِهَذِهِ الْأَعْمَالِ عَلَى وُجُوهٍ :
الوجه الْأَوَّلُ : أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا مَا عَمِلُوهُ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ كَالصَّدَقَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَبِرِّ الْوَالِدَيْنِ وَإِطْعَامِ الْجَائِعِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهَا تَصِيرُ مُحْبَطَةً بَاطِلَةً بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ ، وَلَوْلَا كُفْرُهُمْ لَانْتَفَعُوا بِهَا .
وَالوجه الثَّانِي : أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ تِلْكَ الْأَعْمَالِ عِبَادَتُهُمْ لِلْأَصْنَامِ وَمَا تَكَلَّفُوهُ مِنْ كُفْرِهِمُ الَّذِي ظَنُّوهُ إِيمَانًا وَطَرِيقًا إِلَى الْخَلَاصِ ، وَالوجه فِي خُسْرَانِهِمْ أَنَّهُمْ أَتْعَبُوا أَبْدَانَهُمْ فِيهَا الدَّهْرَ الطَّوِيلَ لِكَيْ يَنْتَفِعُوا بِهَا فَصَارَتْ وَبَالًا عَلَيْهِمْ .
وَالوجه الثَّالِثُ : أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذِهِ الْأَعْمَالِ كِلَا الْقِسْمَيْنِ ؛ لِأَنَّهُمْ إِذَا رَأَوُا الْأَعْمَالَ الَّتِي كَانَتْ فِي أَنْفُسِهَا خَيْرَاتٍ قَدْ بَطَلَتْ ، وَالْأَعْمَالَ الَّتِي ظَنُّوهَا خَيْرَاتٍ وَأَفْنَوْا فِيهَا أَعْمَارَهُمْ قَدْ بَطَلَتْ أَيْضًا وَصَارَتْ مِنْ أَعْظَمِ الْمُوجِبَاتِ لِعَذَابِهِمْ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ تَعْظُمُ حَسْرَتُهُمْ وَنَدَامَتُهُمْ فَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=18ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ ) .
المسألة الثَّالِثَةُ : قُرِئَ " الرِّيَاحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ " جَعَلَ الْعَصْفَ لِلْيَوْمِ ، وَهُوَ لِمَا فِيهِ وَهُوَ الرِّيحُ أَوِ الرِّيَاحُ كَقَوْلِكَ : يَوْمٌ مَاطِرٌ وَلَيْلَةٌ سَاكِرَةٌ ، وَإِنَّمَا السُّكُورُ لِرِيحِهَا ، قَالَ
الْفَرَّاءُ : وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ : فِي يَوْمٍ ذِي عُصُوفٍ ، وَإِنْ
[ ص: 84 ] شِئْتَ قُلْتَ : فِي يَوْمٍ عَاصِفِ الرِّيحِ فَحَذَفَ ذِكْرَ الرِّيحِ لِكَوْنِهِ مَذْكُورًا قَبْلَ ذَلِكَ ، وَقُرِئَ " فِي يَوْمِ عَاصِفٍ " بِالْإِضَافَةِ .
المسألة الرَّابِعَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=18لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ) أَيْ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ مُنْتَفَعٍ بِهِ لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ ضَاعَ بِالْكُلِّيَّةِ وَفَسَدَ ، وَهَذِهِ الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى كَوْنِ الْعَبْدِ مُكْتَسِبًا لِأَفْعَالِهِ .