واعلم أنه تعالى لما تمم هذا المثال قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=19ألم تر أن الله خلق السماوات والأرض بالحق ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : وجه النظم أنه تعالى لما بين أن أعمالهم تصير باطلة ضائعة ، بين أن ذلك البطلان والإحباط إنما جاء بسبب صدر منهم وهو كفرهم بالله وإعراضهم عن العبودية ، فإن الله تعالى لا يبطل أعمال المخلصين ابتداء ، وكيف يليق بحكمته أن يفعل ذلك وأنه تعالى ما خلق كل هذا العالم إلا لداعية الحكمة والصواب .
المسألة الثانية : قرأ
حمزة والكسائي " خالق السماوات والأرض " على اسم الفاعل على أنه خبر أن ، والسماوات والأرض على الإضافة كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=101فاطر السماوات والأرض ) [ يوسف : 101 ] . (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=96فالق الإصباح ) [ الأنعام : 96 ] . (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=96وجعل الليل سكنا ) [ الأنعام : 96 ] والباقون خلق على فعل الماضي ، و " السماوات والأرض " بالنصب لأنه مفعول .
المسألة الثالثة : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=19بالحق ) نظير لقوله في سورة يونس : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=5ما خلق الله ذلك إلا بالحق ) [ يونس : 5 ] ، ولقوله في آل عمران : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=191ربنا ما خلقت هذا باطلا ) [ آل عمران : 191 ] ، ولقوله في ص : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=27وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ) [ ص : 27 ] . أما أهل السنة فيقولون : إلا بالحق وهو دلالتهما على وجود الصانع وعلمه وقدرته ، وأما
المعتزلة فيقولون : إلا بالحق ، أي لم يخلق ذلك عبثا بل لغرض صحيح .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=19إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد ) والمعنى : أن
nindex.php?page=treesubj&link=33679_30340_30336من كان قادرا على خلق السماوات والأرض بالحق ، فبأن يقدر على إفناء قوم وإماتتهم وعلى إيجاد آخرين وإحيائهم كان أولى ؛ لأن القادر على الأصعب الأعظم بأن يكون قادرا على الأسهل الأضعف أولى . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : هذا الخطاب مع كفار
مكة ، يريد أميتكم يا معشر الكفار ، وأخلق قوما خيرا منكم وأطوع منكم .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=20وما ذلك على الله بعزيز ) أي ممتنع لما ذكرنا أن القادر على إفناء كل العالم وإيجاده بأن يكون قادرا على إفناء أشخاص مخصوصين وإيجاد أمثالهم أولى وأحرى . والله أعلم .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا تَمَّمَ هَذَا الْمِثَالَ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=19أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ) وَفِيهِ مَسَائِلُ :
المسألة الْأُولَى : وَجْهُ النَّظْمِ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ أَنَّ أَعْمَالَهُمْ تَصِيرُ بَاطِلَةً ضَائِعَةً ، بَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ الْبُطْلَانَ وَالْإِحْبَاطَ إِنَّمَا جَاءَ بِسَبَبٍ صَدَرَ مِنْهُمْ وَهُوَ كُفْرُهُمْ بِاللَّهِ وَإِعْرَاضُهُمْ عَنِ الْعُبُودِيَّةِ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُبْطِلُ أَعْمَالَ الْمُخْلِصِينَ ابْتِدَاءً ، وَكَيْفَ يَلِيقُ بِحِكْمَتِهِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ وَأَنَّهُ تَعَالَى مَا خَلَقَ كُلَّ هَذَا الْعَالَمِ إِلَّا لِدَاعِيَةِ الْحِكْمَةِ وَالصَّوَابِ .
المسألة الثَّانِيَةُ : قَرَأَ
حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ " خَالِقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ " عَلَى اسْمِ الْفَاعِلِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ أَنَّ ، وَالسَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ عَلَى الْإِضَافَةِ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=101فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) [ يُوسُفَ : 101 ] . (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=96فَالِقُ الْإِصْبَاحِ ) [ الْأَنْعَامِ : 96 ] . (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=96وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا ) [ الْأَنْعَامِ : 96 ] وَالْبَاقُونَ خَلَقَ عَلَى فِعْلِ الْمَاضِي ، وَ " السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ " بِالنَّصْبِ لِأَنَّهُ مَفْعُولٌ .
المسألة الثَّالِثَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=19بِالْحَقِّ ) نَظِيرٌ لِقَوْلِهِ فِي سُورَةِ يُونُسَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=5مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ ) [ يُونُسَ : 5 ] ، وَلِقَوْلِهِ فِي آلِ عِمْرَانَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=191رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا ) [ آلِ عِمْرَانَ : 191 ] ، وَلِقَوْلِهِ فِي ص : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=27وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ) [ ص : 27 ] . أَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ فَيَقُولُونَ : إِلَّا بِالْحَقِّ وَهُوَ دَلَالَتُهُمَا عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ ، وَأَمَّا
الْمُعْتَزِلَةُ فَيَقُولُونَ : إِلَّا بِالْحَقِّ ، أَيْ لَمْ يَخْلُقْ ذَلِكَ عَبَثًا بَلْ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ .
ثم قال تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=19إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ) وَالْمَعْنَى : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=33679_30340_30336مَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بِالْحَقِّ ، فَبِأَنْ يَقْدِرَ عَلَى إِفْنَاءِ قَوْمٍ وَإِمَاتَتِهِمْ وَعَلَى إِيجَادِ آخَرِينَ وَإِحْيَائِهِمْ كَانَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْقَادِرَ عَلَى الْأَصْعَبِ الْأَعْظَمِ بِأَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى الْأَسْهَلِ الْأَضْعَفِ أَوْلَى . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : هَذَا الْخِطَابُ مَعَ كُفَّارِ
مَكَّةَ ، يُرِيدُ أُمِيتُكُمْ يَا مَعْشَرَ الْكُفَّارِ ، وَأَخْلُقُ قَوْمًا خَيْرًا مِنْكُمْ وَأَطْوَعَ مِنْكُمْ .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=20وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ ) أَيْ مُمْتَنِعٍ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْقَادِرَ عَلَى إِفْنَاءِ كُلِّ الْعَالَمِ وَإِيجَادِهِ بِأَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى إِفْنَاءِ أَشْخَاصٍ مَخْصُوصِينَ وَإِيجَادِ أَمْثَالِهِمْ أَوْلَى وَأَحْرَى . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .