(
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=19والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=20وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=19والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=20وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين )
اعلم أنه تعالى لما شرح الدلائل السماوية في تقرير التوحيد أتبعها بذكر
nindex.php?page=treesubj&link=28659_31756الدلائل الأرضية ، وهي أنواع :
النوع الأول : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=19والأرض مددناها ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : بسطناها على وجه الماء ، وفيه احتمال آخر ، وذلك لأن الأرض جسم ، والجسم هو الذي يكون ممتدا في الجهات الثلاثة ، وهي الطول والعرض والثخن ، وإذا كان كذلك ، فتمدد جسم الأرض في هذه الجهات الثلاثة مختص بمقدار معين لما ثبت أن كل جسم فإنه يجب أن يكون متناهيا ، وإذا كان كذلك كان تمدد جسم الأرض مختصا بمقدار معين مع أن الازدياد عليه معقول ، والانتقاص عنه أيضا معقول ، وإذا كان كذلك كان اختصاص ذلك التمدد بذلك القدر المقدر مع جواز حصول الأزيد والأنقص اختصاصا بأمر جائز وذلك يجب أن يكون بتخصيص مخصص وتقدير مقدر ، وهو الله سبحانه وتعالى .
فإن قيل : هل يدل قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=19والأرض مددناها ) على أنها بسيطة ؟
قلنا : نعم لأن الأرض بتقدير كونها كرة ، فهي كرة في غاية العظمة ، والكرة العظيمة يكون كل قطعة صغيرة منها ، إذا نظر إليها فإنها ترى كالسطح المستوي ، وإذا كان كذلك زال ما ذكروه من الإشكال ، والدليل عليه قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=7والجبال أوتادا ) [النبأ : 7] سماها أوتادا مع أنه قد يحصل عليها سطوح عظيمة مستوية ، فكذا ههنا .
النوع الثاني : من الدلائل المذكورة في هذه الآية قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=19وألقينا فيها رواسي ) وهي
nindex.php?page=treesubj&link=28659_31757الجبال الثوابت ، واحدها راسي ، والجمع راسية ، وجمع الجمع رواسي ، وهو كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=15وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم ) [النحل : 15] وفي تفسيره وجهان :
الوجه الأول : قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : لما بسط الله تعالى الأرض على الماء مالت بأهلها كالسفينة فأرساها الله
[ ص: 136 ] تعالى بالجبال الثقال ; لكيلا تميل بأهلها .
فإن قيل : أتقولون إنه تعالى خلق الأرض بدون الجبال فمالت بأهلها فخلق فيها الجبال بعد ذلك أو تقولون : إن الله خلق الأرض والجبال معا ؟ .
قلنا : كلا الوجهين محتمل .
والوجه الثاني : في تفسير قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=19وألقينا فيها رواسي ) يجوز أن يكون المراد أنه تعالى خلقها لتكون دلالة للناس على طرق الأرض ونواحيها ; لأنها كالأعلام فلا تميل الناس عن الجادة المستقيمة ، ولا يقعون في الضلال وهذا الوجه ظاهر الاحتمال .
النوع الثالث من الدلائل المذكورة في هذه الآية : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=19nindex.php?page=treesubj&link=28986_28659_33679وأنبتنا فيها من كل شيء موزون ) وفيه بحثان :
البحث الأول : أن الضمير في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=19وأنبتنا فيها ) يحتمل أن يكون راجعا إلى الأرض ، وأن يكون راجعا إلى الجبال الرواسي ، إلا أن رجوعه إلى الأرض أولى ; لأن أنواع النبات المنتفع بها إنما تتولد في الأراضي ، فأما الفواكه الجبلية فقليلة النفع ، ومنهم من قال : رجوع ذلك الضمير إلى الجبال أولى ; لأن المعادن إنما تتولد في الجبال ، والأشياء الموزونة في العرف والعادة هي المعادن لا النبات .
البحث الثاني : اختلفوا في المراد بالموزون وفيه وجوه :
الوجه الأول : أن يكون المراد أنه متقدر بقدر الحاجة . قال القاضي : وهذا الوجه أقرب ; لأنه تعالى يعلم المقدار الذي يحتاج إليه الناس ، وينتفعون به فينبت تعالى في الأرض ذلك المقدار ، ولذلك أتبعه بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=20وجعلنا لكم فيها معايش ) لأن ذلك الرزق الذي يظهر بالنبات يكون معيشة لهم من وجهين :
الأول : بحسب الأكل والانتفاع بعينه .
والثاني : أن ينتفع بالتجارة فيه ، والقائلون بهذا القول قالوا : الوزن إنما يراد لمعرفة المقدار ، فكان إطلاق لفظ الوزن لإرادة معرفة المقدار من باب إطلاق اسم السبب على المسبب قالوا : ويتأكد ذلك أيضا بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=8وكل شيء عنده بمقدار ) [الرعد : 8] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=21وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم ) [الحجر : 21] .
والوجه الثاني : في تفسير هذا اللفظ أن هذا العالم عالم الأسباب والله تعالى إنما يخلق المعادن والنبات والحيوان بواسطة تركيب طبائع هذا العالم ، فلا بد وأن يحصل من الأرض قدر مخصوص ومن الماء والهواء كذلك ، ومن تأثير الشمس والكواكب في الحر والبرد مقدار مخصوص ، ولو قدرنا حصول الزيادة على ذلك القدر المخصوص ، أو النقصان عنه لم تتولد المعادن والنبات والحيوان ، فالله سبحانه وتعالى قدرها على وجه مخصوص بقدرته وعلمه وحكمته ، فكأنه تعالى وزنها بميزان الحكمة حتى حصلت هذه الأنواع .
والوجه الثالث : في تفسير هذا اللفظ : أن أهل العرف يقولون : فلان موزون الحركات أي : حركاته متناسبة حسنة مطابقة للحكمة ، وهذا الكلام كلام موزون إذا كان متناسبا حسنا بعيدا عن اللغو والسخف ، فكأن المراد منه أنه موزون بميزان الحكمة والعقل ، بالجملة فقد جعلوا لفظ الموزون كناية عن الحسن والتناسب ، فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=19وأنبتنا فيها من كل شيء موزون ) أي : متناسب محكوم عليه عند العقول السليمة بالحسن
[ ص: 137 ] واللطافة ومطابقة المصلحة .
والوجه الرابع في تفسير هذا اللفظ : أن الشيء الذي ينبت من الأرض نوعان : المعادن والنبات ; أما المعادن فهي بأسرها موزونة وهي الأجساد السبعة والأحجار والأملاح والزاجات وغيرها . وأما النبات فيرجع عاقبتها إلى الوزن ; لأن الحبوب توزن ، وكذلك الفواكه في الأكثر والله أعلم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=19وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=20وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=19وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=20وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ )
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا شَرَحَ الدَّلَائِلَ السَّمَاوِيَّةَ فِي تَقْرِيرِ التَّوْحِيدِ أَتْبَعَهَا بِذِكْرِ
nindex.php?page=treesubj&link=28659_31756الدَّلَائِلِ الْأَرْضِيَّةِ ، وَهِيَ أَنْوَاعٌ :
النوع الْأَوَّلُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=19وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا ) قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : بَسَطْنَاهَا عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ آخَرُ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَرْضَ جِسْمٌ ، وَالْجِسْمُ هُوَ الَّذِي يَكُونُ مُمْتَدًّا فِي الْجِهَاتِ الثَّلَاثَةِ ، وَهِيَ الطُّولُ وَالْعَرْضُ وَالثُّخْنُ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ، فَتَمَدُّدُ جِسْمِ الْأَرْضِ فِي هَذِهِ الْجِهَاتِ الثَّلَاثَةِ مُخْتَصٌّ بِمِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ لِمَا ثَبَتَ أَنَّ كُلَّ جِسْمٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُتَنَاهِيًا ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ تَمَدُّدُ جِسْمِ الْأَرْضِ مُخْتَصًّا بِمِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ مَعَ أَنَّ الِازْدِيَادَ عَلَيْهِ مَعْقُولٌ ، وَالِانْتِقَاصَ عَنْهُ أَيْضًا مَعْقُولٌ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ اخْتِصَاصُ ذَلِكَ التَّمَدُّدِ بِذَلِكَ الْقَدْرِ الْمُقَدَّرِ مَعَ جَوَازِ حُصُولِ الْأَزْيَدِ وَالْأَنْقَصِ اخْتِصَاصًا بِأَمْرٍ جَائِزٍ وَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِتَخْصِيصِ مُخَصِّصٍ وَتَقْدِيرِ مُقَدِّرٍ ، وَهُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى .
فَإِنْ قِيلَ : هَلْ يَدُلُّ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=19وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا ) عَلَى أَنَّهَا بَسِيطَةٌ ؟
قُلْنَا : نَعَمْ لِأَنَّ الْأَرْضَ بِتَقْدِيرِ كَوْنِهَا كُرَةً ، فَهِيَ كُرَةٌ فِي غَايَةِ الْعَظَمَةِ ، وَالْكُرَةُ الْعَظِيمَةُ يَكُونُ كُلُّ قِطْعَةٍ صَغِيرَةٍ مِنْهَا ، إِذَا نُظِرَ إِلَيْهَا فَإِنَّهَا تُرَى كَالسَّطْحِ الْمُسْتَوِي ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ زَالَ مَا ذَكَرُوهُ مِنَ الْإِشْكَالِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=7وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا ) [النَّبَأِ : 7] سَمَّاهَا أَوْتَادًا مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ عَلَيْهَا سُطُوحٌ عَظِيمَةٌ مُسْتَوِيَةٌ ، فَكَذَا هَهُنَا .
النوع الثَّانِي : مِنَ الدَّلَائِلِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=19وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ ) وَهِيَ
nindex.php?page=treesubj&link=28659_31757الْجِبَالُ الثَّوَابِتُ ، وَاحِدُهَا رَاسِي ، وَالْجَمْعُ رَاسِيَةٌ ، وَجَمْعُ الْجَمْعِ رَوَاسِي ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=15وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ ) [النَّحْلِ : 15] وَفِي تَفْسِيرِهِ وَجْهَانِ :
الوجه الْأَوَّلُ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : لَمَّا بَسَطَ اللَّهُ تَعَالَى الْأَرْضَ عَلَى الْمَاءِ مَالَتْ بِأَهْلِهَا كَالسَّفِينَةِ فَأَرْسَاهَا اللَّهُ
[ ص: 136 ] تَعَالَى بِالْجِبَالِ الثِّقَالِ ; لِكَيْلَا تَمِيلَ بِأَهْلِهَا .
فَإِنْ قِيلَ : أَتَقُولُونَ إِنَّهُ تَعَالَى خَلَقَ الْأَرْضَ بِدُونِ الْجِبَالِ فَمَالَتْ بِأَهْلِهَا فَخَلَقَ فِيهَا الْجِبَالَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ تَقُولُونَ : إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالْجِبَالَ مَعًا ؟ .
قُلْنَا : كِلَا الْوَجْهَيْنِ مُحْتَمَلٌ .
وَالوجه الثَّانِي : فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=19وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ ) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَهَا لِتَكُونَ دَلَالَةً لِلنَّاسِ عَلَى طُرُقِ الْأَرْضِ وَنَوَاحِيهَا ; لِأَنَّهَا كَالْأَعْلَامِ فَلَا تَمِيلُ النَّاسُ عَنِ الْجَادَّةِ الْمُسْتَقِيمَةِ ، وَلَا يَقَعُونَ فِي الضَّلَالِ وَهَذَا الوجه ظَاهِرُ الِاحْتِمَالِ .
النوع الثَّالِثُ مِنَ الدَّلَائِلِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=19nindex.php?page=treesubj&link=28986_28659_33679وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ ) وَفِيهِ بَحْثَانِ :
البحث الْأَوَّلُ : أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=19وَأَنْبَتْنَا فِيهَا ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا إِلَى الْأَرْضِ ، وَأَنْ يَكُونَ رَاجِعًا إِلَى الْجِبَالِ الرَّوَاسِي ، إِلَّا أَنَّ رُجُوعَهُ إِلَى الْأَرْضِ أَوْلَى ; لِأَنَّ أَنْوَاعَ النَّبَاتِ الْمُنْتَفَعِ بِهَا إِنَّمَا تَتَوَلَّدُ فِي الْأَرَاضِي ، فَأَمَّا الْفَوَاكِهُ الْجَبَلِيَّةُ فَقَلِيلَةُ النَّفْعِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : رُجُوعُ ذَلِكَ الضَّمِيرِ إِلَى الْجِبَالِ أَوْلَى ; لِأَنَّ الْمَعَادِنَ إِنَّمَا تَتَوَلَّدُ فِي الْجِبَالِ ، وَالْأَشْيَاءُ الْمَوْزُونَةُ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ هِيَ الْمَعَادِنُ لَا النَّبَاتُ .
البحث الثَّانِي : اخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِالْمَوْزُونِ وَفِيهِ وُجُوهٌ :
الوجه الْأَوَّلُ : أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ مُتَقَدِّرٌ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ . قَالَ الْقَاضِي : وَهَذَا الوجه أَقْرَبُ ; لِأَنَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُ الْمِقْدَارَ الَّذِي يَحْتَاجُ إِلَيْهِ النَّاسُ ، وَيَنْتَفِعُونَ بِهِ فَيُنْبِتُ تَعَالَى فِي الْأَرْضِ ذَلِكَ الْمِقْدَارَ ، وَلِذَلِكَ أَتْبَعَهُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=20وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ ) لِأَنَّ ذَلِكَ الرِّزْقَ الَّذِي يَظْهَرُ بِالنَّبَاتِ يَكُونُ مَعِيشَةً لَهُمْ مِنْ وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : بِحَسَبِ الْأَكْلِ وَالِانْتِفَاعِ بِعَيْنِهِ .
وَالثَّانِي : أَنْ يَنْتَفِعَ بِالتِّجَارَةِ فِيهِ ، وَالْقَائِلُونَ بِهَذَا الْقَوْلِ قَالُوا : الْوَزْنُ إِنَّمَا يُرَادُ لِمَعْرِفَةِ الْمِقْدَارِ ، فَكَانَ إِطْلَاقُ لَفْظِ الْوَزْنِ لِإِرَادَةِ مَعْرِفَةِ الْمِقْدَارِ مِنْ بَابِ إِطْلَاقِ اسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبِّبِ قَالُوا : وَيَتَأَكَّدُ ذَلِكَ أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=8وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ ) [الرَّعْدِ : 8] وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=21وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ) [الْحِجْرِ : 21] .
وَالوجه الثَّانِي : فِي تَفْسِيرِ هَذَا اللَّفْظِ أَنَّ هَذَا الْعَالَمَ عَالَمُ الْأَسْبَابِ وَاللَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا يَخْلُقُ الْمَعَادِنَ وَالنَّبَاتَ وَالْحَيَوَانَ بِوَاسِطَةِ تَرْكِيبِ طَبَائِعِ هَذَا الْعَالَمِ ، فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَحْصُلَ مِنَ الْأَرْضِ قَدْرٌ مَخْصُوصٌ وَمِنَ الْمَاءِ وَالْهَوَاءِ كَذَلِكَ ، وَمِنْ تَأْثِيرِ الشَّمْسِ وَالْكَوَاكِبِ فِي الْحَرِّ وَالْبَرْدِ مِقْدَارٌ مَخْصُوصٌ ، وَلَوْ قَدَّرْنَا حُصُولَ الزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ الْقَدْرِ الْمَخْصُوصِ ، أَوِ النُّقْصَانِ عَنْهُ لَمْ تَتَوَلَّدِ الْمَعَادِنُ وَالنَّبَاتُ وَالْحَيَوَانُ ، فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَدَّرَهَا عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ بِقُدْرَتِهِ وَعِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ ، فَكَأَنَّهُ تَعَالَى وَزَنَهَا بِمِيزَانِ الْحِكْمَةِ حَتَّى حَصَلَتْ هَذِهِ الْأَنْوَاعُ .
وَالوجه الثَّالِثُ : فِي تَفْسِيرِ هَذَا اللَّفْظِ : أَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ يَقُولُونَ : فُلَانٌ مَوْزُونُ الْحَرَكَاتِ أَيْ : حَرَكَاتُهُ مُتَنَاسِبَةٌ حَسَنَةٌ مُطَابِقَةٌ لِلْحِكْمَةِ ، وَهَذَا الْكَلَامُ كَلَامٌ مَوْزُونٌ إِذَا كَانَ مُتَنَاسِبًا حَسَنًا بَعِيدًا عَنِ اللَّغْوِ وَالسُّخْفِ ، فَكَأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ أَنَّهُ مَوْزُونٌ بِمِيزَانِ الْحِكْمَةِ وَالْعَقْلِ ، بِالْجُمْلَةِ فَقَدْ جَعَلُوا لَفْظَ الْمَوْزُونِ كِنَايَةً عَنِ الْحُسْنِ وَالتَّنَاسُبِ ، فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=19وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ ) أَيْ : مُتَنَاسِبٍ مَحْكُومٍ عَلَيْهِ عِنْدَ الْعُقُولِ السَّلِيمَةِ بِالْحُسْنِ
[ ص: 137 ] وَاللَّطَافَةِ وَمُطَابَقَةِ الْمَصْلَحَةِ .
وَالوجه الرَّابِعُ فِي تَفْسِيرِ هَذَا اللَّفْظِ : أَنَّ الشَّيْءَ الَّذِي يَنْبُتُ مِنَ الْأَرْضِ نَوْعَانِ : الْمَعَادِنُ وَالنَّبَاتُ ; أَمَّا الْمَعَادِنُ فَهِيَ بِأَسْرِهَا مَوْزُونَةٌ وَهِيَ الْأَجْسَادُ السَّبْعَةُ وَالْأَحْجَارُ وَالْأَمْلَاحُ وَالزَّاجَّاتُ وَغَيْرُهَا . وَأَمَّا النَّبَاتُ فَيَرْجِعُ عَاقِبَتُهَا إِلَى الْوَزْنِ ; لِأَنَّ الْحُبُوبَ تُوزَنُ ، وَكَذَلِكَ الْفَوَاكِهُ فِي الْأَكْثَرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .