(
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=57قال فما خطبكم أيها المرسلون nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=58قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=59إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=60إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=57قال فما خطبكم أيها المرسلون nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=58قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=59إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=60إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين )
في الآية مسائل :
المسألة الأولى : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=57فما خطبكم ) سؤال عما لأجله أرسلهم الله تعالى ، والخطب والشأن والأمر سواء : إلا أن لفظ الخطب أدل على عظم الحال .
فإن قيل : إن الملائكة لما بشروه بالولد الذكر العليم فكيف قال لهم بعد ذلك : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=57فما خطبكم أيها المرسلون ) .
[ ص: 158 ] قلنا : فيه وجوه :
الأول : قال
الأصم : معناه ما الأمر الذي توجهتم له سوى البشرى .
الثاني : قال القاضي : إنه علم أنه لو كان كمال المقصود إيصال البشارة لكان الواحد من الملائكة كافيا ، فلما رأى جمعا من الملائكة علم أن لهم غرضا آخر سوى إيصال البشارة فلا جرم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=57فما خطبكم أيها المرسلون ) .
الثالث : يمكن أن يقال إنهم قالوا : إنا نبشرك بغلام عليم . في معرض إزالة الخوف والوجل ، ألا ترى أن
إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما خاف قالوا له : لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم . ولو كان تمام المقصود من المجيء هو ذكر تلك البشارة لكانوا في أول ما دخلوا عليه ذكروا تلك البشارة ، فلما لم يكن الأمر كذلك علم
إبراهيم عليه الصلاة والسلام بهذا الطريق أنه ما كان مجيئهم لمجرد هذه البشارة بل كان لغرض آخر فلا جرم سألهم عن ذلك الغرض فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=57فما خطبكم أيها المرسلون ) .
ثم حكى تعالى عن الملائكة أنهم قالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=58قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين ) وإنما اقتصروا على هذا القدر لعلم
إبراهيم عليه السلام بأن
nindex.php?page=treesubj&link=29747_33955الملائكة إذا أرسلوا إلى المجرمين كان ذلك لإهلاكهم واستئصالهم وأيضا فقولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=59إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين ) يدل على أن المراد بذلك الإرسال إهلاك القوم .
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=59إلا آل لوط ) فالمراد من
آل لوط أتباعه الذين كانوا على دينه .
فإن قيل : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=59إلا آل لوط ) هل هو استثناء منقطع أو متصل ؟
قلنا : قال صاحب "الكشاف" : إن كان هذا الاستثناء استثناء من ( قوم ) كان منقطعا ; لأن القوم موصوفون بكونهم مجرمين
وآل لوط ما كانوا مجرمين ، فاختلف الجنسان ، فوجب أن يكون الاستثناء منقطعا . وإن كان استثناء من الضمير في ( مجرمين ) كان متصلا كأنه قيل : إلى قوم قد أجرموا كلهم إلا
آل لوط وحدهم كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=36فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين ) [الذاريات : 36] ثم قال صاحب "الكشاف" : ويختلف المعنى بحسب اختلاف هذين الوجهين ، وذلك لأن
آل لوط يخرجون في المنقطع من حكم الإرسال ، لأن على هذا التقدير الملائكة أرسلوا إلى القوم المجرمين خاصة وما أرسلوا إلى
آل لوط أصلا ، وأما في المتصل فالملائكة أرسلوا إليهم جميعا ليهلكوا هؤلاء وينجوا هؤلاء ، وأما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=59إنا لمنجوهم أجمعين ) فاعلم أنه قرأ
حمزة والكسائي " منجوهم " خفيفة ، والباقون مشددة وهما لغتان .
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=60إلا امرأته ) قال صاحب "الكشاف" : هذا استثناء من الضمير المجرور في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=59لمنجوهم ) وليس ذلك من باب الاستثناء من الاستثناء ، لأن الاستثناء من الاستثناء إنما يكون فيما اتحد الحكم فيه ، كما لو قيل : أهلكناهم إلا
آل لوط إلا امرأته ، وكما لو قال المطلق لامرأته : أنت طالق ثلاثا إلا ثنتين إلا واحدة ، وكما إذا قال : المقر لفلان على عشرة دراهم إلا ثلاثة إلا درهما ، فأما في هذه الآية فقد اختلف الحكمان ; لأن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=59إلا آل لوط ) متعلق بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=58أرسلنا ) أو بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=58مجرمين ) وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=60إلا امرأته ) قد تعلق بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=59لمنجوهم ) فكيف يكون هذا استثناء من استثناء .
وأما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=60قدرنا إنها لمن الغابرين ) ففيه مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أن معنى التقدير في اللغة : جعل الشيء على مقدار غيره . يقال : قدر هذا الشيء بهذا أي : اجعله على مقداره ، وقدر الله تعالى الأقوات أي : جعلها على مقدار الكفاية ، ثم يفسر التقدير
[ ص: 159 ] بالقضاء ، فقال : قضى الله عليه كذا ، وقدره عليه أي : جعله على مقدار ما يكفي في الخير والشر ، وقيل في معنى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=60قدرنا ) كتبنا . قال
الزجاج : دبرنا . وقيل : قضينا ، والكل متقارب .
المسألة الثانية : قرأ
أبو بكر عن
عاصم " قدرنا " بتخفيف الدال ههنا وفي النمل . وقرأ الباقون فيهما بالتشديد . قال
الواحدي يقال : قدرت الشيء وقدرته ، ومنه قراءة
ابن كثير : ( نحن قدرنا بينكم الموت ) [الواقعة : 60] خفيفا ، وقراءة
الكسائي : (والذي قدر فهدى ) [ الأعلى : 3] ثم قال : والمشددة في هذا المعنى أكثر استعمالا ; لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=10وقدر فيها أقواتها ) [فصلت : 10] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=2وخلق كل شيء فقدره تقديرا ) [الفرقان : 2] .
المسألة الثالثة : لقائل أن يقول : لم أسند الملائكة فعل التقدير إلى أنفسهم مع أنه لله تعالى ، ولم لم يقولوا : قدر الله تعالى ؟
والجواب : إنما ذكروا هذه العبارة لما لهم من القرب والاختصاص بالله تعالى كما يقول خاصة الملك : دبرنا كذا ، وأمرنا بكذا والمدبر والآمر هو الملك لا هم ، وإنما يريدون بذكر هذا الكلام إظهار ما لهم من الاختصاص بذلك الملك ، فكذا ههنا والله أعلم .
المسألة الرابعة : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=60إنها لمن الغابرين ) في موضع مفعول التقدير قضينا أنها تتخلف ، وتبقى مع من يبقى حتى تهلك كما يهلكون . ولا تكون ممن يبقى مع
لوط فتصل إلى النجاة والله أعلم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=57قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=58قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=59إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=60إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=57قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=58قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=59إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=60إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ )
فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ :
المسألة الْأُولَى : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=57فَمَا خَطْبُكُمْ ) سُؤَالٌ عَمَّا لِأَجْلِهِ أَرْسَلَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَالْخَطْبُ وَالشَّأْنُ وَالْأَمْرُ سَوَاءٌ : إِلَّا أَنَّ لَفْظَ الْخَطْبِ أَدَلُّ عَلَى عِظَمِ الْحَالِ .
فَإِنْ قِيلَ : إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَمَّا بَشَّرُوهُ بِالْوَلَدِ الذَّكَرِ الْعَلِيمِ فَكَيْفَ قَالَ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=57فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ ) .
[ ص: 158 ] قُلْنَا : فِيهِ وُجُوهٌ :
الْأَوَّلُ : قَالَ
الْأَصَمُّ : مَعْنَاهُ مَا الْأَمْرُ الَّذِي تَوَجَّهْتُمْ لَهُ سِوَى الْبُشْرَى .
الثَّانِي : قَالَ الْقَاضِي : إِنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَمَالُ الْمَقْصُودِ إِيصَالَ الْبِشَارَةِ لَكَانَ الْوَاحِدُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ كَافِيًا ، فَلَمَّا رَأَى جَمْعًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ عَلِمَ أَنَّ لَهُمْ غَرَضًا آخَرَ سِوَى إِيصَالِ الْبِشَارَةِ فَلَا جَرَمَ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=57فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ ) .
الثَّالِثُ : يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُمْ قَالُوا : إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ . فِي مَعْرِضِ إِزَالَةِ الْخَوْفِ وَالْوَجَلِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ
إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمَّا خَافَ قَالُوا لَهُ : لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ . وَلَوْ كَانَ تَمَامُ الْمَقْصُودِ مِنَ الْمَجِيءِ هُوَ ذِكْرَ تِلْكَ الْبِشَارَةِ لَكَانُوا فِي أَوَّلِ مَا دَخَلُوا عَلَيْهِ ذَكَرُوا تِلْكَ الْبِشَارَةَ ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ كَذَلِكَ عَلِمَ
إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِهَذَا الطَّرِيقِ أَنَّهُ مَا كَانَ مَجِيئُهُمْ لِمُجَرَّدِ هَذِهِ الْبِشَارَةِ بَلْ كَانَ لِغَرَضٍ آخَرَ فَلَا جَرَمَ سَأَلَهُمْ عَنْ ذَلِكَ الْغَرَضِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=57فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ ) .
ثُمَّ حَكَى تَعَالَى عَنِ الْمَلَائِكَةِ أَنَّهُمْ قَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=58قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ ) وَإِنَّمَا اقْتَصَرُوا عَلَى هَذَا الْقَدْرِ لِعِلْمِ
إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29747_33955الْمَلَائِكَةَ إِذَا أُرْسِلُوا إِلَى الْمُجْرِمِينَ كَانَ ذَلِكَ لِإِهْلَاكِهِمْ وَاسْتِئْصَالِهِمْ وَأَيْضًا فَقَوْلُهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=59إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ الْإِرْسَالِ إِهْلَاكُ الْقَوْمِ .
أما قوله تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=59إِلَّا آلَ لُوطٍ ) فَالْمُرَادُ مِنْ
آلِ لُوطٍ أَتْبَاعُهُ الَّذِينَ كَانُوا عَلَى دِينِهِ .
فَإِنْ قِيلَ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=59إِلَّا آلَ لُوطٍ ) هَلْ هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ أَوْ مُتَّصِلٌ ؟
قُلْنَا : قَالَ صَاحِبُ "الْكَشَّافِ" : إِنْ كَانَ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ اسْتِثْنَاءً مِنْ ( قَوْمٍ ) كَانَ مُنْقَطِعًا ; لِأَنَّ الْقَوْمَ مَوْصُوفُونَ بِكَوْنِهِمْ مُجْرِمِينَ
وَآلُ لُوطٍ مَا كَانُوا مُجْرِمِينَ ، فَاخْتَلَفَ الْجِنْسَانِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعًا . وَإِنْ كَانَ اسْتِثْنَاءً مِنَ الضَّمِيرِ فِي ( مُجْرِمِينَ ) كَانَ مُتَّصِلًا كَأَنَّهُ قِيلَ : إِلَى قَوْمٍ قَدْ أَجْرَمُوا كُلُّهُمْ إِلَّا
آلَ لُوطٍ وَحْدَهُمْ كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=36فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) [الذَّارِيَاتِ : 36] ثم قال صَاحِبُ "الْكَشَّافِ" : وَيَخْتَلِفُ الْمَعْنَى بِحَسَبِ اخْتِلَافِ هَذَيْنِ الوجهيْنِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ
آلَ لُوطٍ يَخْرُجُونَ فِي الْمُنْقَطِعِ مِنْ حُكْمِ الْإِرْسَالِ ، لِأَنَّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ الْمَلَائِكَةَ أُرْسِلُوا إِلَى الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ خَاصَّةً وَمَا أُرْسِلُوا إِلَى
آلِ لُوطٍ أَصْلًا ، وَأَمَّا فِي الْمُتَّصِلِ فَالْمَلَائِكَةُ أُرْسِلُوا إِلَيْهِمْ جَمِيعًا لِيُهْلِكُوا هَؤُلَاءِ وَيُنَجُّوا هَؤُلَاءِ ، وَأما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=59إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ ) فَاعْلَمْ أَنَّهُ قَرَأَ
حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ " مُنْجُوهُمْ " خَفِيفَةً ، وَالْبَاقُونَ مُشَدَّدَةً وَهُمَا لُغَتَانِ .
أما قوله تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=60إِلَّا امْرَأَتَهُ ) قَالَ صَاحِبُ "الْكَشَّافِ" : هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنَ الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=59لَمُنَجُّوهُمْ ) وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ ، لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ إِنَّمَا يَكُونُ فِيمَا اتَّحَدَ الحكم فِيهِ ، كَمَا لَوْ قِيلَ : أَهْلَكْنَاهُمْ إِلَّا
آلَ لُوطٍ إِلَّا امْرَأَتَهُ ، وَكَمَا لَوْ قَالَ الْمُطَلِّقُ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إِلَّا ثِنْتَيْنِ إِلَّا وَاحِدَةً ، وَكَمَا إِذَا قَالَ : الْمُقِرُّ لِفُلَانٍ عَلَى عَشَرَةِ دَرَاهِمَ إِلَّا ثَلَاثَةً إِلَّا دِرْهَمًا ، فَأَمَّا فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْحُكْمَانِ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=59إِلَّا آلَ لُوطٍ ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=58أُرْسِلْنَا ) أَوْ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=58مُجْرِمِينَ ) وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=60إِلَّا امْرَأَتَهُ ) قَدْ تَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=59لَمُنَجُّوهُمْ ) فَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا اسْتِثْنَاءً مِنَ اسْتِثْنَاءٍ .
وَأما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=60قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ ) فَفِيهِ مَسَائِلُ :
المسألة الْأُولَى : اعْلَمْ أَنَّ مَعْنَى التَّقْدِيرِ فِي اللُّغَةِ : جَعْلُ الشَّيْءِ عَلَى مِقْدَارِ غَيْرِهِ . يُقَالُ : قَدِّرْ هَذَا الشَّيْءَ بِهَذَا أَيِ : اجْعَلْهُ عَلَى مِقْدَارِهِ ، وَقَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى الْأَقْوَاتَ أَيْ : جَعَلَهَا عَلَى مِقْدَارِ الْكِفَايَةِ ، ثُمَّ يُفَسَّرُ التَّقْدِيرُ
[ ص: 159 ] بِالْقَضَاءِ ، فَقَالَ : قَضَى اللَّهُ عَلَيْهِ كَذَا ، وَقَدَّرَهُ عَلَيْهِ أَيْ : جَعَلَهُ عَلَى مِقْدَارِ مَا يَكْفِي فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ ، وَقِيلَ فِي مَعْنَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=60قَدَّرْنَا ) كَتَبْنَا . قَالَ
الزَّجَّاجُ : دَبَّرْنَا . وَقِيلَ : قَضَيْنَا ، وَالْكُلُّ مُتَقَارِبٌ .
المسألة الثَّانِيَةُ : قَرَأَ
أَبُو بَكْرٍ عَنْ
عَاصِمٍ " قَدَرْنَا " بِتَخْفِيفِ الدَّالِ هَهُنَا وَفِي النَّمْلِ . وَقَرَأَ الْبَاقُونَ فِيهِمَا بِالتَّشْدِيدِ . قَالَ
الْوَاحِدِيُّ يُقَالُ : قَدَّرْتُ الشَّيْءَ وَقَدَرْتُهُ ، وَمِنْهُ قِرَاءَةُ
ابْنِ كَثِيرٍ : ( نَحْنُ قَدَرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ ) [الْوَاقِعَةِ : 60] خَفِيفًا ، وَقِرَاءَةُ
الْكِسَائِيِّ : (وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ) [ الْأَعْلَى : 3] ثم قال : وَالْمُشَدَّدَةُ فِي هَذَا الْمَعْنَى أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=10وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا ) [فُصِّلَتْ : 10] وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=2وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ) [الْفُرْقَانِ : 2] .
المسألة الثَّالِثَةُ : لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : لِمَ أَسْنَدَ الْمَلَائِكَةُ فِعْلَ التَّقْدِيرِ إِلَى أَنْفُسِهِمْ مَعَ أَنَّهُ لِلَّهِ تَعَالَى ، وَلِمَ لَمْ يَقُولُوا : قَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى ؟
وَالْجَوَابُ : إِنَّمَا ذَكَرُوا هَذِهِ الْعِبَارَةَ لِمَا لَهُمْ مِنَ الْقُرْبِ وَالِاخْتِصَاصِ بِاللَّهِ تَعَالَى كَمَا يَقُولُ خَاصَّةُ الْمَلِكِ : دَبَّرْنَا كَذَا ، وَأَمَرْنَا بِكَذَا وَالْمُدَبِّرُ وَالْآمِرُ هُوَ الْمَلِكُ لَا هُمْ ، وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ بِذِكْرِ هَذَا الْكَلَامِ إِظْهَارَ مَا لَهُمْ مِنَ الِاخْتِصَاصِ بِذَلِكَ الْمَلِكِ ، فَكَذَا هَهُنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
المسألة الرَّابِعَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=60إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ ) فِي مَوْضِعِ مَفْعُولٍ التَّقْدِيرُ قَضَيْنَا أَنَّهَا تَتَخَلَّفُ ، وَتَبْقَى مَعَ مَنْ يَبْقَى حَتَّى تَهْلِكَ كَمَا يَهْلِكُونَ . وَلَا تَكُونُ مِمَّنْ يَبْقَى مَعَ
لُوطٍ فَتَصِلُ إِلَى النَّجَاةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .