(
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=89وقل إني أنا النذير المبين nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=90كما أنزلنا على المقتسمين nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=91الذين جعلوا القرآن عضين ) .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=89nindex.php?page=treesubj&link=28986وقل إني أنا النذير المبين nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=90كما أنزلنا على المقتسمين nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=91الذين جعلوا القرآن عضين )
اعلم أنه تعالى لما أمر رسوله بالزهد في الدنيا ، وخفض الجناح للمؤمنين ، أمره بأن يقول للقوم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=89إني )
[ ص: 168 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=89أنا النذير المبين ) فيدخل تحت كونه نذيرا ، كونه مبلغا لجميع التكاليف ; لأن كل ما كان واجبا ترتب على تركه عقاب ، وكل ما كان حراما ترتب على فعله عقاب فكان الإخبار بحصول هذا العقاب داخلا تحت لفظ النذير ، ويدخل تحته أيضا كونه شارحا لمراتب الثواب والعقاب والجنة والنار ، ثم أردفه بكونه مبينا ، ومعناه كونه آتيا في كل ذلك بالبيانات الشافية والبينات الوافية ، ثم قال بعده : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=90كما أنزلنا على المقتسمين ) وفيه بحثان :
البحث الأول : اختلفوا في أن
nindex.php?page=treesubj&link=28986_29434المقتسمين من هم ؟ وفيه أقوال :
القول الأول : قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : هم الذين اقتسموا طرق
مكة يصدون الناس عن الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويقرب عددهم من أربعين . وقال
مقاتل بن سليمان : كانوا ستة عشر رجلا بعثهم
الوليد بن المغيرة أيام الموسم ، فاقتسموا عقبات
مكة وطرقها يقولون لمن يسلكها : لا تغتروا بالخارج منا ، والمدعي للنبوة فإنه مجنون ، وكانوا ينفرون الناس عنه بأنه ساحر أو كاهن أو شاعر ، فأنزل الله تعالى بهم خزيا فماتوا شر ميتة ، والمعنى : أنذرتكم مثل ما نزل بالمقتسمين .
والقول الثاني : وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما في بعض الروايات أن المقتسمين هم
اليهود والنصارى ، واختلفوا في أن الله تعالى لم سماهم مقتسمين ؟ فقيل : لأنهم جعلوا القرآن عضين آمنوا بما وافق التوراة وكفروا بالباقي . وقال
عكرمة : لأنهم اقتسموا القرآن استهزاء به ، فقال بعضهم : سورة كذا لي . وقال بعضهم : سورة كذا لي . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17132مقاتل بن حبان : اقتسموا القرآن ، فقال بعضهم : سحر ، وقال بعضهم : شعر ، وقال بعضهم : كذب ، وقال بعضهم : أساطير الأولين .
والقول الثالث : في تفسير المقتسمين . قال
ابن زيد : هم
قوم صالح تقاسموا لنبيتنه وأهله ، فرمتهم الملائكة بالحجارة حتى قتلوهم ، فعلى هذا والاقتسام من القسم لا من القسمة ، وهو اختيار
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة .
البحث الثالث : أن
nindex.php?page=treesubj&link=34077_28986قوله : ( nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=90كما أنزلنا على المقتسمين ) يقتضي تشبيه شيء بذلك فما ذلك الشيء ؟
والجواب عنه من وجهين :
الوجه الأول : التقدير : ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم كما أنزلنا على
أهل الكتاب ، وهم المقتسمون الذين جعلوا القرآن عضين ، حيث قالوا بعنادهم وجهلهم : بعضه حق موافق للتوراة والإنجيل ، وبعضه باطل مخالف لهما فاقتسموه إلى حق وباطل .
فإن قيل : فعلى هذا القول
nindex.php?page=treesubj&link=28986_34077كيف توسط بين المشبه والمشبه به قوله : ( nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=88لا تمدن عينيك ) إلى آخره ؟
قلنا : لما كان ذلك تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن تكذيبهم وعداوتهم ، اعترض بما هو مدار لمعنى التسلية من النهي عن الالتفات إلى دنياهم والتأسف على كفرهم .
والوجه الثاني : أن يتعلق هذا الكلام بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=89وقل إني أنا النذير المبين ) .
واعلم أن هذا الوجه لا يتم إلا بأحد أمرين : إما التزام إضمار أو التزام حذف ، أما الإضمار فهو أن يكون التقدير إني أنا النذير المبين عذابا كما أنزلناه على المقتسمين ، وعلى هذا الوجه ، المفعول محذوف وهو المشبه ، ودل عليه المشبه به ، وهذا كما تقول : رأيت كالقمر في الحسن ، أي : رأيت إنسانا كالقمر في
[ ص: 169 ] الحسن ، وأما الحذف فهو أن يقال : الكاف زائدة محذوفة ، والتقدير : إني أنا النذير المبين ما أنزلناه على المقتسمين ، وزيادة الكاف له نظير وهو قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11ليس كمثله شيء ) [الشورى : 11] والتقدير : ليس مثله شيء ، وقال بعضهم : لا حاجة إلى الإضمار والحذف ، والتقدير : إني أنا النذير أي : أنذر
قريشا مثل ما أنزلنا من العذاب على المقتسمين وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=91nindex.php?page=treesubj&link=28986الذين جعلوا القرآن عضين ) فيه بحثان :
البحث الأول : في هذا اللفظ قولان :
الأول : أنه صفة للمقتسمين .
والثاني : أنه مبتدأ ، وخبره هو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=92لنسألنهم ) وهو قول
ابن زيد .
البحث الثاني : ذكر أهل اللغة في
nindex.php?page=treesubj&link=34077واحد عضين قولين :
القول الأول : أن واحدها عضة مثل عزة وبرة وثبة ، وأصلها عضوة من عضيت الشيء إذا فرقته ، وكل قطعة عضة ، وهي مما نقص منها واو هي لام الفعل ، والتعضية التجزئة والتفريق ، يقال : عضيت الجزور والشاة تعضية إذا جعلتها أعضاء وقسمتها ، وفي الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013035 "لا تعضية في ميراث إلا فيما احتمل القسمة" أي : لا تجزئة فيما لا يحتمل القسمة كالجوهرة والسيف . فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=91جعلوا القرآن عضين ) يريد جزؤه أجزاء ، فقالوا : سحر وشعر وأساطير الأولين ومفترى .
والقول الثاني : أن واحدها عضة وأصلها عضهة ، فاستثقلوا الجمع بين هاءين ، فقالوا : عضة كما قالوا شفة ، والأصل شفهة بدليل قولهم : شافهت مشافهة ، وسنة وأصلها سنهة في بعض الأقوال ، وهو مأخوذ من العضة بمعنى الكذب ، ومنه الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013036 "إياكم والعضة" وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12758ابن السكيت : العضة بأن يعضه الإنسان ، ويقول فيه ما ليس فيه . وهذا قول
الخليل فيما روى
الليث عنه ، فعلى هذا القول معنى قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=91جعلوا القرآن عضين ) أي : جعلوه مفترى . وجمعت العضة جمع ما يعقل لما لحقها من الحذف ، فجعل الجمع بالواو والنون عوضا مما لحقها من الحذف .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=89وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=90كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=91الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ ) .
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=89nindex.php?page=treesubj&link=28986وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=90كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=91الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ )
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَ رَسُولَهُ بِالزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا ، وَخَفْضِ الْجَنَاحِ لِلْمُؤْمِنِينَ ، أَمَرَهُ بِأَنْ يَقُولَ لِلْقَوْمِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=89إِنِّي )
[ ص: 168 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=89أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ ) فَيَدْخُلُ تَحْتَ كَوْنِهِ نَذِيرًا ، كَوْنُهُ مُبَلِّغًا لِجَمِيعِ التَّكَالِيفِ ; لِأَنَّ كُلَّ مَا كَانَ وَاجِبًا تَرَتَّبَ عَلَى تَرْكِهِ عِقَابٌ ، وَكُلَّ مَا كَانَ حَرَامًا تَرَتَّبَ عَلَى فِعْلِهِ عِقَابٌ فَكَانَ الْإِخْبَارُ بِحُصُولِ هَذَا الْعِقَابِ دَاخِلًا تَحْتَ لَفْظِ النَّذِيرِ ، وَيَدْخُلُ تَحْتَهُ أَيْضًا كَوْنُهُ شَارِحًا لِمَرَاتِبِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ ، ثُمَّ أَرْدَفَهُ بِكَوْنِهِ مُبِينًا ، وَمَعْنَاهُ كَوْنُهُ آتِيًا فِي كُلِّ ذَلِكَ بِالْبَيَانَاتِ الشَّافِيَةِ وَالْبَيِّنَاتِ الْوَافِيَةِ ، ثم قال بَعْدَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=90كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ ) وَفِيهِ بَحْثَانِ :
البحث الْأَوَّلُ : اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28986_29434الْمُقْتَسِمِينَ مَنْ هُمْ ؟ وَفِيهِ أَقْوَالٌ :
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : هُمُ الَّذِينَ اقْتَسَمُوا طُرُقَ
مَكَّةَ يَصُدُّونَ النَّاسَ عَنِ الْإِيمَانِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَيَقْرُبُ عَدَدُهُمْ مِنْ أَرْبَعِينَ . وَقَالَ
مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ : كَانُوا سِتَّةَ عَشَرَ رَجُلًا بَعَثَهُمُ
الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ أَيَّامَ الْمَوْسِمِ ، فَاقْتَسَمُوا عَقَبَاتِ
مَكَّةَ وَطُرُقَهَا يَقُولُونَ لِمَنْ يَسْلُكُهَا : لَا تَغْتَرُّوا بِالْخَارِجِ مِنَّا ، وَالْمُدَّعِي لِلنُّبُوَّةِ فَإِنَّهُ مَجْنُونٌ ، وَكَانُوا يُنَفِّرُونَ النَّاسَ عَنْهُ بِأَنَّهُ سَاحِرٌ أَوْ كَاهِنٌ أَوْ شَاعِرٌ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِمْ خِزْيًا فَمَاتُوا شَرَّ مِيتَةٍ ، وَالْمَعْنَى : أَنْذَرْتُكُمْ مِثْلَ مَا نَزَلَ بِالْمُقْتَسِمِينَ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : وَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ الْمُقْتَسِمِينَ هُمُ
الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى ، وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لِمَ سَمَّاهُمْ مُقْتَسِمِينَ ؟ فَقِيلَ : لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ آمَنُوا بِمَا وَافَقَ التَّوْرَاةَ وَكَفَرُوا بِالْبَاقِي . وَقَالَ
عِكْرِمَةُ : لِأَنَّهُمُ اقْتَسَمُوا الْقُرْآنَ اسْتِهْزَاءً بِهِ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : سُورَةُ كَذَا لِي . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : سُورَةُ كَذَا لِي . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17132مُقَاتِلُ بْنُ حِبَّانَ : اقْتَسَمُوا الْقُرْآنَ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : سِحْرٌ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : شِعْرٌ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : كَذِبٌ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ .
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ : فِي تَفْسِيرِ الْمُقْتَسِمِينَ . قَالَ
ابْنُ زَيْدٍ : هُمْ
قَوْمُ صَالِحٍ تَقَاسَمُوا لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ، فَرَمَتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى قَتَلُوهُمْ ، فَعَلَى هَذَا وَالِاقْتِسَامُ مِنَ الْقَسْمِ لَا مِنَ الْقِسْمَةِ ، وَهُوَ اخْتِيَارُ
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابْنِ قُتَيْبَةَ .
البحث الثَّالِثُ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=34077_28986قَوْلَهُ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=90كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ ) يَقْتَضِي تَشْبِيهَ شَيْءٍ بِذَلِكَ فَمَا ذَلِكَ الشَّيْءُ ؟
وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ :
الوجه الْأَوَّلُ : التَّقْدِيرُ : وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى
أَهْلِ الْكِتَابِ ، وَهُمُ الْمُقْتَسِمُونَ الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ ، حَيْثُ قَالُوا بِعِنَادِهِمْ وَجَهْلِهِمْ : بَعْضُهُ حَقٌّ مُوَافِقٌ لِلْتَوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ، وَبَعْضُهُ بَاطِلٌ مُخَالِفٌ لَهُمَا فَاقْتَسَمُوهُ إِلَى حَقٍّ وَبَاطِلٍ .
فَإِنْ قِيلَ : فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ
nindex.php?page=treesubj&link=28986_34077كَيْفَ تَوَسَّطَ بَيْنَ الْمُشَبَّهِ وَالْمُشَبَّهِ بِهِ قَوْلُهُ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=88لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ ) إِلَى آخِرِهِ ؟
قُلْنَا : لَمَّا كَانَ ذَلِكَ تَسْلِيَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ تَكْذِيبِهِمْ وَعَدَاوَتِهِمْ ، اعْتَرَضَ بِمَا هُوَ مَدَارٌ لِمَعْنَى التَّسْلِيَةِ مِنَ النَّهْيِ عَنِ الِالْتِفَاتِ إِلَى دُنْيَاهُمْ وَالتَّأَسُّفِ عَلَى كُفْرِهِمْ .
وَالوجه الثَّانِي : أَنْ يَتَعَلَّقَ هَذَا الْكَلَامُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=89وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ ) .
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الوجه لَا يَتِمُّ إِلَّا بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ : إِمَّا الْتِزَامُ إِضْمَارٍ أَوِ الْتِزَامُ حَذْفٍ ، أَمَّا الْإِضْمَارُ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ عَذَابًا كَمَا أَنْزَلْنَاهُ عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ ، وَعَلَى هَذَا الوجه ، الْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ وَهُوَ الْمُشَبَّهُ ، وَدَلَّ عَلَيْهِ الْمُشَبَّهُ بِهِ ، وَهَذَا كَمَا تَقُولُ : رَأَيْتُ كَالْقَمَرِ فِي الْحُسْنِ ، أَيْ : رَأَيْتُ إِنْسَانًا كَالْقَمَرِ فِي
[ ص: 169 ] الْحُسْنِ ، وَأَمَّا الْحَذْفُ فَهُوَ أَنْ يُقَالَ : الْكَافُ زَائِدَةٌ مَحْذُوفَةٌ ، وَالتَّقْدِيرُ : إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ مَا أَنْزَلْنَاهُ عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ ، وَزِيَادَةُ الْكَافِ لَهُ نَظِيرٌ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) [الشُّورَى : 11] وَالتَّقْدِيرُ : لَيْسَ مِثْلَهُ شَيْءٌ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَا حَاجَةَ إِلَى الْإِضْمَارِ وَالْحَذْفِ ، وَالتَّقْدِيرُ : إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ أَيْ : أُنْذِرُ
قُرَيْشًا مِثْلَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْعَذَابِ عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=91nindex.php?page=treesubj&link=28986الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ ) فِيهِ بَحْثَانِ :
البحث الْأَوَّلُ : فِي هَذَا اللَّفْظِ قَوْلَانِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُ صِفَةٌ لِلْمُقْتَسِمِينَ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ ، وَخَبَرُهُ هُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=92لَنَسْأَلَنَّهُمْ ) وَهُوَ قَوْلُ
ابْنِ زَيْدٍ .
البحث الثَّانِي : ذَكَرَ أَهْلُ اللُّغَةِ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=34077وَاحِدِ عِضِينَ قَوْلَيْنِ :
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ : أَنَّ وَاحِدَهَا عِضَةٌ مِثْلَ عِزَةٍ وَبِرَةٍ وَثِبَةٍ ، وَأَصْلُهَا عُضْوَةٌ مِنْ عَضَيْتُ الشَّيْءَ إِذَا فَرَّقْتَهُ ، وَكُلُّ قِطْعَةٍ عِضَةٌ ، وَهِيَ مِمَّا نَقَصَ مِنْهَا وَاوٌ هِيَ لَامُ الْفِعْلِ ، وَالتَّعْضِيَةُ التَّجْزِئَةُ وَالتَّفْرِيقُ ، يُقَالُ : عَضَّيْتُ الْجَزُورَ وَالشَّاةَ تَعْضِيَةً إِذَا جَعَلْتَهَا أَعْضَاءً وَقَسَّمْتَهَا ، وَفِي الْحَدِيثِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013035 "لَا تَعْضِيَةَ فِي مِيرَاثٍ إِلَّا فِيمَا احْتَمَلَ الْقِسْمَةَ" أَيْ : لَا تَجْزِئَةَ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ كَالْجَوْهَرَةِ وَالسَّيْفِ . فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=91جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ ) يُرِيدُ جَزَّؤُهُ أَجْزَاءً ، فَقَالُوا : سِحْرٌ وَشِعْرٌ وَأَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ وَمُفْتَرًى .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ وَاحِدَهَا عِضَةٌ وَأَصْلُهَا عِضَهَةٌ ، فَاسْتَثْقَلُوا الْجَمْعَ بَيْنَ هَاءَيْنِ ، فَقَالُوا : عِضَةٌ كَمَا قَالُوا شِفَةٌ ، وَالْأَصْلُ شِفَهَةٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ : شَافَهْتُ مُشَافَهَةً ، وَسِنَةٌ وَأَصْلُهَا سِنْهَةٌ فِي بَعْضِ الْأَقْوَالِ ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْعِضَةِ بِمَعْنَى الْكَذِبِ ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013036 "إِيَّاكُمْ وَالْعِضَةَ" وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12758ابْنُ السِّكِّيتِ : الْعِضَةُ بِأَنْ يَعِضَهُ الْإِنْسَانُ ، وَيَقُولَ فِيهِ مَا لَيْسَ فِيهِ . وَهَذَا قَوْلُ
الْخَلِيلِ فِيمَا رَوَى
اللَّيْثُ عَنْهُ ، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=91جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ ) أَيْ : جَعَلُوهُ مُفْتَرًى . وَجُمِعَتِ الْعِضَةُ جَمْعَ مَا يَعْقِلُ لِمَا لَحِقَهَا مِنَ الْحَذْفِ ، فَجَعَلَ الْجَمْعَ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ عِوَضًا مِمَّا لَحِقَهَا مِنَ الْحَذْفِ .